بقلم لؤي شبانه*
تلمع عينا أم كلثوم وهي تتحدث عن عملها في مناهضة ظاهرة الختان في السودان، فالجدة السبعينية من أشرس المدافعين عن حق الفتيات بجسد سليم من ممارسة خضعت لها هي في صغرها وقررت عدم فرضها على بناتها. وقد أمضت أم كلثوم حياتها وهي تنتقل من بيت إلى بيت لتشرح لأقاربها ومن هم أبعد منهم عن عدم جدوى تشويه الأعضاء التناسلية للإناث من الناحية الطبية والدينية، مستندة بذلك إلى معلومات طبية وإلى فتاوي يصدرها باستمرار رجال الدين المسلمون والمسيحيون، بما في ذلك المنتسبين منهم لمؤسسة الأزهر الشريف، الذي صدر عنه مؤخرا كتاب حول موقف الدين الإسلامي من العنف ضد المرأة، وقد خصص فصلا في الكتاب حول تشويه الأعضاء التناسلية عند النساء.
تعد عملية تشويه الأعضاء التناسلية للإناث المعروفة بالختان، من أكثر الممارسات عنفا على النساء والطفلات، واعتداء صارخا على سلامتهن الجسدية والنفسية. وقد تم تعريف الختان من قبل منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة يونيسف بأنه "عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي لذلك." وتطال هذه العادة الضارة نحو 200 مليون امرأة في حوالي 30 بلد على رأسها الصومال والسودان ومصروجيبوتي واليمن في المنطقة العربية، بالإضافة إلى منطقة كردستان العراق، وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2016.
ورغم اتخاذ بعض البلاد كمصر والسودان إجراءات قانونية وتشريعية لمنع عمليات الختان، ورغم انخفاض معدلات الختان في الأجيال الأصغر سنا مؤخرا، فقد انخفض في مصر من 74% (في عام 2008) إلى نحو 61% (في عام 2014) بين الفتيات في عمر 0-14 بحسب المسح السكاني الصحي لعام 2014 ، إلا أن الأرقام ما زالت عالية رغم إصدار تشريعين وزاريين في مصر لمنع أي شخص بما فيهم العاملين في مجال الصحة من إجراء عمليات الختان في المستشفيات أو العيادات الطبية الحكومية أو الخاصة وخارجها أيضا. وقد أقر البرلمان المصري تجريم عملية الختان في القانون الجنائي عام 2008 وربطه بعقوبة السجن وغرامة نقدية، بالإضافة إلى قرار مجلس الوزراء العام الماضي شمل المسؤولين من العائلة (الأن أو الأب مثلا) بالعقاب. أما في السودان حيث تعرضت نحو 86% من السيدات للختان فقد أقر مجلس الوزراء عام 2016 تعديلا على القانون الجنائي يجرم فيه الختان لكنه لم يتم تفعيله بعد.
ولمن يتساءل عن سبب استمرار ممارسة ثبتت أضرارها الجسدية والنفسية البالغة على صحة النساء وعلى علاقتهن بأجسادهن وحتى بأزواجهن، ولمن يستغرب أن ممارسة ممنوعة بحكم القانون ما زالت متفشية بحكم العادات المجتمعية بل ويتم التعامل معها على أنها مدعاة لاحتفالات عائلية، يأتي الرد بأنه أولا لم يتم بعد التعاطي بشكل مجد مع من يقومون بالختان، سواء من الأطباء أو القابلات أو العاملين في مجال الصحة، أو حتى الحكيمات في القرى، وتلك المجموعة هي الأوسع انتشارا والأكثر خطوة حيث يتم التشويه بعيدا عن أدنى درجات الرقابة، مع خطر أن تدفع التشريعات الجديدة القائمين على العمليات والعائلات التي تقرر ختان بناتهن على الاختباء خارج المرافق الطبية والقيام بالعملية في أماكن خاصة لا تخضع لأي رقابة صحي، وذلك مع العلم أنه يتم حاليا النظر في قضيتين في المحاكم المصرية حيث تم التبليغ عن حالتي ختان وهما بصدد الملاحقة القانونية.
ما الحل إذا؟
الحل أولا هو الاعتراف أن سن التشريعات والقوانين دون ملاحقة فعلية لمنتهكي القانون يبقي التشريعات حبرا على ورق. الحل الفعلي هو بملاحقة من يقوم بالتشويه من ذوي المهن الصحية والطبية خصوصا عن طريق الدوائرالرسمية المعنية مثل وزارات الصحة أو نقابات الأطباء، فعلى الوزارة والنقابة أن تأخذ موقفا واضحا من الأطباء والعاملين في المجال الصحي الذين يقومون بالختان وفصلهم من النقابة بسسب انخراطهم بعمل غير قانوني. وقد رأينا بوادر تطبيق القانون في قضيتين شهيرتين في أواخر عام 2016 حيث تم بالفعل تنفيذ أحكام قانونية مشددة طبقاً للقانون الجديد، نتج عنهم حبس القائمين على عملية الختان لمدة أربع سنوات.
بالمقابل، على الدوائر المعنية في الإعلام أن تعود لنشاط كانت تقوم به في السابق بالتعاون مع الجمعيات الأهلية ذات الصلة وتوقفت عنه في السنوات الأخيرة وهو الحملات الإعلامية واسعة النطاقـ بالإضافة إلى قيام الجمعيات الأهلية بحملات التوعية داخل المجتمعات عن طريق العاملين الاجتماعيين ومن خلال آباء وأمهات قرروا عدم ختان بناتهن، إذ بإمكانهم التأثير على السلوك المجتمعي بشكل مباشر، خصوصا وأننا لو سألنا الآباء والأمهات عن سبب تمسكهم بهذه العادة الضارة لعزوا ذلك إلى ضغط المجتمع من حولهم بقولهم "لن يتزوجها أحد"، وبذلك تعيد الكثر من السيدات اللاتي عانين من آثار الختان الجسدية والنفسية تعدن التجربة مع بناتهن، أي أن الألم لا يمنعهن من إخضاع بناتهن للكابوس ذاته.
`في الوقت ذاته، يجب على رجال الدين ممن شاركوا بمؤتمر الخرطوم وغيرهم أن يرفعوا صوتهم فوق صوت من يصر على أن الختان من الدين، فهو ليس كذلك كما اتضح من نصوص الديانات السماوية.
المطلوب إذا حملة متكاملة تشمل حواضن الختان الدينية والتشريعية والفكرية والسلوكية وملاحقة قانونية وجنائية لمقدمي خدمات للختان في المراكز الطبية وفي البيوت. المطلوب تظافر السلطات التشريعية والجنائية والقضائية والإعلام وقوى المجتمع المختلفة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المعينة بالحقوق، ودور فعلي للقادة الدينيين فهم أكبر مؤثر في المجتمع. أي غياب لجهة ممن تم ذكرهم سيكون جهدا منقوصا ومضيعة للوقت يستغلها من يقومون بالختان. وكما قالت الجدة السودانية أم كلثوم: "نبدأ بالتغيير داخل الأسرة ثم ننتقل إلى الأقارب والقرية."
د. لؤي شبانه هو مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية