تنظيم الأسرة هو مجموعة من المعلومات والوسائل والأساليب التي تتيح للأفراد اتخاذ القرارات المناسبة لهم بشأن الإنجاب، سواء من حيث توقيته أو عدد الأبناء المرغوب فيه. ويشمل ذلك مجموعة متنوعة من وسائل تنظيم الأسرة، مثل الحبوب والغرسات واللولب الرحمي والإجراءات الجراحية التي تحد من الخصوبة، ووسائل الحماية مثل الواقيات الذكرية، بالإضافة إلى الأساليب غير الجراحية مثل طريقة التقويم والامتناع عن الجماع. كما يشمل تنظيم الأسرة أيضاً توفير المعلومات حول كيفية الحمل عند الرغبة، فضلاً عن علاج العقم.
ويعد توفير خدمات تنظيم الأسرة الآمنة والطوعية حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، كما أنه يعتبر إحدى الركائز الرئيسية لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، كما يلعب دوراً محورياً في الحد من الفقر. في المنطقة العربية، تتراوح نسبة احتياجات تنظيم الأسرة غير الملباة بين 10% و15%، ويعود ذلك لأسباب متنوعة، من بينها الافتقار إلى الوصول إلى المعلومات أو الخدمات، أو غياب دعم الشركاء أو المجتمع، أو تعطل تقديم الخدمات بسبب النزاعات أو الأزمات. وهذه العوامل تهدد قدرة الأشخاص على بناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعاتهم.
أثبتت الدراسات أن توفر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ينقذ الأرواح في حالات الطوارئ. وفي الأوضاع الإنسانية، يزداد الطلب على وسائل تنظيم الأسرة، حيث يعبر العديد من النساء والأزواج عن رغبتهم في المباعدة بين فترات الحمل أو الحد منها في أوقات عدم الاستقرار وعدم اليقين. ويمكن لانهيار النظم الصحية، بما في ذلك انقطاع سلاسل الإمداد الطبي، وتدمير البنية التحتية للمرافق الصحية، وموت أو نزوح العاملين في الرعاية الصحية، وانعدام إمكانية الوصول إلى مرافق صحية عاملة أن يؤدي إلى زيادة الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة.
تنظيم الأسرة ينقذ الأرواح
تمنع وسائل تنظيم الأسرة حالات الحمل غير المقصود، وتقلل من عدد حالات الإجهاض، وتخفض من حالات الوفاة والإعاقة الناجمة عن مضاعفات الحمل والولادة. ووفقًا لتقديرات حديثة، إذا تمكنت جميع النساء في المناطق النامية واللواتي يعانين من احتياجات غير ملباة لتنظيم الأسرة، من استخدام الوسائل الحديثة، فسوف تنخفض وفيات الأمهات بنحو الربع.
بالإضافة إلى ذلك، توفر الواقيات الذكرية والأنثوية، عند استخدامها بشكل صحيح ومستمر، حماية مزدوجة ضد الحمل غير المقصود والأمراض المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية .
ويعد زيادة الوعي بوسائل تنظيم الأسرة الحديثة وتيسير الوصول إليها بين الفتيات المراهقات خطوة أساسية لتحسين صحتهن على المدى الطويل، كما أنه أمر حيوي لتحسين صحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة. وفي المنطقة العربية، تعد مضاعفات الحمل والولادة السبب الرئيسي لوفاة الفتيات المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا. كما أن أطفالهن يكونون أكثر عرضة لخطر الوفاة مقارنة بأطفال النساء الأكبر سناً. ومع ذلك، تواجه المراهقات والشابات عوائق هائلة تحول دون وصولهن إلى المعلومات والخدمات المتعلقة بالصحة الإنجابية.
تنظيم الأسرة يعزز تمكين النساء
يعد الوصول إلى معلومات بشأن وسائل تنظيم الأسرة أمرًا محوريًا لتحقيق المساواة بين الجنسين. فعندما تتمكن النساء والأزواج من التخطيط لإنجاب الأطفال وتحديد توقيت ذلك وعددهم، تصبح النساء أكثر قدرة على إكمال تعليمهن، كما يزداد استقلالهن داخل أسرهن وتتحسن قدرتهن على الكسب والعمل.
وتسهم هذه الفوائد والمزايا مجتمعة في الحد من الفقر وتحقيق التنمية العالمية. وقد تم الإقرار بهذه الفوائد والمزايا في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي دعا إلى "حق الرجال والنساء في الحصول على المعلومات والوصول إلى وسائل تنظيم الأسرة الآمنة والفعّالة والمقبولة والميسورة التكلفة التي يختارونها."
فوائد تنظيم الأسرة الاقتصادية
هناك فوائد اقتصادية واضحة للاستثمار في تنظيم الأسرة. فحسب تقديرات حديثة صادرة عن معهد جوتماخر Guttmacher، شريك صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن كل دولار إضافي يُستثمر في وسائل تنظيم الأسرة يُقابله انخفاض في تكلفة الرعاية الصحية المرتبطة بالحمل بنحو ثلاثة دولارات. كما أظهرت دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان في 12 دولة عربية عائدًا بمقدار خمسة أضعاف لكل دولار يُستثمر في إنهاء الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة ووفيات الأمومة التي يمكن الوقاية منها. وفيما يتعلق بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية، تشير بعض التقديرات إلى أن تحقيق الوصول الشامل إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ذات الجودة سيحقق عوائد تصل إلى 120 دولارًا لكل دولار يتم استثماره.
يمكن أن يساعد تنظيم الأسرة أيضًا البلدان على تحقيق "العائد الديموغرافي"، المتمثل في زيادة الإنتاجية الاقتصادية والتي تحدث عندما يكون هناك عدد متزايد من الأشخاص في القوة العاملة وعدد متناقص من المعالين في تكاليف الرعاية الصحية المباشرة. ولكي تتمكن 12 دولة في المنطقة العربية من إنهاء الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة ووفيات الأمومة التي يمكن الوقاية منها بحلول عام 2030، من الضروري أن يتم استثمار إضافي بقيمة 7.0 مليار دولار من 2022 إلى 2030.
تجاوز العوائق أمام تنظيم الأسرة
تواجه النساء والفتيات في المنطقة العربية عقبات خطيرة تعترض سبيلهن وتحول دون استخدامهن وسائل تنظيم الأسرة. فمن بين 91 مليون امرأة في سن الإنجاب (15-49 سنة) في المنطقة العربية، هناك 13.6 مليون امرأة تعاني من احتياجات غير ملباة لوسائل تنظيم الأسرة. ويبلغ معدل انتشار وسائل تنظيم الأسرة أقل من 60 في المائة في ثلثي البلدان العربية، ولم يحقق سوى المغرب ومصر الهدف المقرر من أهداف التنمية المستدامة والمتمثل في تلبية 75% من الطلب على وسائل تنظيم الأسرة بأي وسيلة حديثة بين النساء من عمر 15 إلى 49 عامًا. وتواجه البلدان العربية مجموعة من التحديات في معالجة الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة، والتي تتفاقم بسبب عدم الاستقرار السياسي المتزايد. وقد أدى ضعف إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية، وعدم كفاية الموارد البشرية المؤهلة، والفجوات في تمويل الرعاية الصحية إلى تفاقم أوضاع النساء والفتيات والفئات المهمشة الأخرى. وغالبًا ما يتعرض الاستثمار في تنظيم الأسرة للتقليص بسبب حالات الطوارئ والنزاعات وغيرها من العوائق الاجتماعية والسياسية في المنطقة.
ومن الأسباب الشائعة لعدم استخدام النساء لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة والموثوقة المشكلات اللوجستية، مثل صعوبة الوصول إلى المرافق الصحية أو نقص الإمدادات في العيادات الصحية، والعوائق والعراقيل الاجتماعية، مثل معارضة الشركاء أو الأسر. ويلعب الافتقار إلى المعرفة أيضًا دورًا في هذا الشأن، حيث لا تدرك العديد من النساء قدرتهن على الحمل والإنجاب، أو لا يعرفن ما هي وسائل تنظيم الأسرة المتاحة، أو لديهن معلومات غير صحيحة عن الأساليب الحديثة المستخدمة في هذا الشأن.
وغالبًا ما يصعب على النساء الفقيرات واللواتي يعشن في المناطق الريفية أو المتضررة من النزاعات الوصول إلى معلومات وخدمات تنظيم الأسرة. كما تواجه فئات بعينها - بما في ذلك المراهقات، وغير المتزوجات، والفقيرات في المناطق الحضرية، وساكنات المناطق الريفية، والمشتغلات بالجنس، والمصابات بفيروس نقص المناعة البشرية - عقبات إضافية أمام الوصول إلى خدمات ووسائل تنظيم الأسرة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الحمل غير المقصود، وزيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الأمراض المنقولة جنسيًا، ومحدودية الاختيار بين وسائل تنظيم الأسرة، وارتفاع مستويات الاحتياجات غير الملباة منها. ومن ثم، ينبغي إيلاء اهتمام خاص لتعزيز حقوقهن الإنجابية، ووصولهن إلى وسائل تنظيم الأسرة، وغيرها من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان على الأرض
من خلال خطته الاستراتيجية الحالية، يهدف صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تحقيق ثلاث نتائج تحولية: إنهاء وفيات الأمهات، وإنهاء الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة، وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة. ويُعد توفير المعلومات والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة جزءًا أساسيًا من هذه الجهود.
ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على دعم تنظيم الأسرة من خلال ضمان توفير إمدادات ثابتة وموثوقة من وسائل تنظيم الأسرة ذات الجودة العالية، وتعزيز النظم الصحية الوطنية، والدعوة إلى وضع سياسات داعمة لتنظيم الأسرة، وجمع البيانات اللازمة للارتقاء بهذا العمل. كما يوفر صندوق الأمم المتحدة للسكان القيادة العالمية المطلوبة لتعزيز إمكانية الوصول إلى وسائل وخدمات تنظيم الأسرة من خلال دعوة الشركاء – بما في ذلك الحكومات – وحثهم على تطوير الأدلة والسياسات، وتقديم الدعم البرامجي، التقني والمالي.
ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على كافة المستويات لتحسين سبل الوصول إلى خدمات ووسائل تنظيم الأسرة، وتمكين الخيارات الفردية. ويشمل ذلك التعاون مع الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات المجتمعية، والهيئات الدينية، ومجموعات الشباب، والقطاع الخاص لتعزيز خدمات الصحة الإنجابية المجتمعية المناسبة للشابات، ولتوفير هذه الخدمات في حالات الطوارئ والأزمات الإنسانية.
وقد قام صندوق الأمم المتحدة للسكان بدعم جامعة الدول العربية في صياغة استراتيجيتها الممتدة لـ11 عامًا بشأن صحة الأم والطفل والمراهق (2019-2030)، لضمان حصول كل امرأة على خدمات تنظيم الأسرة واختيار الطريقة التي تناسبها.
كما أسهم صندوق الأمم المتحدة للسكان في تطوير الاستراتيجية العربية لموازنة صديقة للصحة، وهو جهد تعاوني بين جامعة الدول العربية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الصحة العالمية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى دعم ميزانيات الصحة وإدماج الاعتبارات الصحية في جميع السياسات داخل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. فلن يكون بالإمكان تأمين التمويل المحلي اللازم لتنظيم الأسرة إلا من خلال ضمان ميزانية كافية لقطاع الصحة.
ومن خلال شراكته المعنية بتأمين الإمدادات، يتعاون صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الشركاء والحكومات لضمان توفير إمدادات ومستلزمات موثوقة من وسائل تنظيم الأسرة، والواقيات الذكرية، والأدوية والمعدات اللازمة لخدمات تنظيم الأسرة، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا، وخدمات صحة الأم. كما يسعى إلى دمج خدمات تنظيم الأسرة ضمن الرعاية الصحية الأولية، بحيث تتمكن النساء والفتيات من الوصول إلى المعلومات ووسائل تنظيم الأسرة في أي منشأة أو مرفق صحي.
ويعتبر صندوق الأمم المتحدة للسكان شريكًا رئيسيًا في الشراكة العالمية لتنظيم الأسرة 2030 ، التي تهدف إلى تحقيق الاستخدام الطوعي لوسائل تنظيم الأسرة الحديثة لكل من يحتاج إليها، مما يسهم في خلق مستقبل تتمتع فيه النساء والفتيات بالحرية والقدرة على عيش حياة صحية، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدام وسائل تنظيم الأسرة وإنجاب الأطفال، والمشاركة في المجتمع على قدم المساواة والمساهمة في النهوض به وازدهاره، ولتحقيق هذا الهدف والوفاء بأهداف التنمية المستدامة، يركز صندوق الأمم المتحدة للسكان على أربعة مجالات رئيسية:
- الاستثمار في المراهقين والشباب
- تعزيز سلاسل الإمداد لضمان وصول وسائل تنظيم الأسرة لمن هم في حاجة إليها.
- ضمان استدامة تمويل خدمات وإمدادات تنظيم الأسرة
- تحسين جودة الرعاية المقدمة في خدمات تنظيم الأسرة
ومع التحولات التي يشهدها العالم من حولنا، يكتسب تحقيق الوصول الشامل إلى خدمات تنظيم الأسرة أهمية كبيرة ويصبح أكثر إلحاحًا. وتعد استراتيجية صندوق الأمم المتحدة للسكان الخاصة بتنظيم الأسرة 2022-2030 بمثابة دعوة للعمل، تؤكد على أهمية تنظيم الأسرة وتأثيره التحولي في عالم متغير ومتعدد الأوجه.
تم التحديث في 29 يوليو 2024