انتقلت رنيم أبرص مع أسرتها من حلب في سوريا إلى جبال الشوف في لبنان قبل ثلاث سنوات للهروب من النزاع المستعر في قريتها. سمعت رنيم، وهي الأخت الكبرى لخمسة أشقاء، من جيرانها عن برنامج موجه للشباب يديره صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة إنترسوس، فدفعها فضولها لمعرفة أي نوع من المعلومات يجري تداوله في جلسات رفع الوعي التى تقدم من خلال البرنامج.
"بعد كل جلسة أحضرها، أتمنى لو كان بمقدوري أن أذهب لتثقيف كل من أعرفهم،" تقول رنيم وهي تبتسم من حيث تجلس تحت شجرة في مركز منظمة إنترسوس في الشوف.
"كم كانت هذه المناقشات الطويلة حول الزواج وإنجاب الأطفال مفيدة."
ثم تنظر إلى والدتها، أم عبده، التي تومئ برأسها اتفاقاً مع ما تقوله رنيم وتقول الأم بنبرة ملؤها الإصرار: "أنا سعيدة جداً لأن رنيم سمعت بهذه الأشياء، وكنت قد أخبرتها في مرات عديدة قبل هذا بأنني لن أسمح لها أبدا بأن تتزوج في سن صغيرة."
تتحدث أم عبده عن كيف تمت خطبتها هي نفسها وعمرها 12 سنة،لابن عم يبلغ 18 سنة عندما كانت في سوريا. إلا أنه لحسن الحظ، أستطاعت الطفلة التى بداخلها أن تواجه رغبة والديها فى رؤيتها كسيدة متزوجة وتمكنت من فسخ الخطبة وانتظرت حتى التقت بزوجها الحالي ووالد أطفالها الخمسة بعد عدة سنوات. تقول: "تحدث إلي الكثيرين للتقدم إلى رنيم، لكن زوجي وأنا قمنا بتوبيخهم،" وتضيف وقد انفجرت بموجة ضحك من القلب، "أتمنى لو رأيتم رنيم وهي تشرح لهم عواقب الزواج المبكر على صحة المرأة، كنت فى غاية السعادة وأنا أستمع إليها."
تلتفت أم عبده إلى ابنتها بنظرة يغلفها الحب: "سأقبل بزواج رنيم فقط عندما أتأكد أنها ناضجة بما فيه الكفاية لتتحمل مثل هذه المسؤولية. لكن في الوقت الحالي مازلت أراها طفلة."
يتفق والد رنيم، أبو عبده، مع هذا الرأى تماماً حيث يقول متعجباً "ما كنت لأسمح حتى لأولادي الذكور بأن يتزوجوا في سن مبكرة. الزواج يعني مسؤوليات وأن تكون على قدر هذه المهمة. كيف لي أن أتوقع أن يتصرف الأطفال كناضجين، بينما هم لايزالون غير جاهزين لذلك؟"
من بين الخمسة ملايين شخص تقريباً الذين فروا من سوريا بسبب النزاع، هناك أكثر من مليون شخص مسجلون كلاجئين في لبنان، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويعيش هؤلاء في أكثر من 1,700 من التجمعات والأماكن في أنحاء البلاد، يتقاسمون في كثير من الأحيان أماكن إيواء صغيرة مع عائلات أخرى من اللاجئين في ظروف شديدة التكدس.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان داخل المجتمعات المضيفة للإستجابة لاحتياجات التي يتركز أغلبها في مجالات الصحة الجنسية والإنجابية والعنف القائم على النوع ويدير برامج بالإشتراك مع منظمات غير حكومية في لبنان للمساعدة في تمكين الشباب من خلال النشاطات التي تعمل على رفع وعيهم حول القضايا الأساسية المتعلقة بطريقة حياة الشباب كالعنف القائم على النوع ومخاطر الزواج المبكر والصحة الجنسية والإنجابية والمساواة بين الرجل والمرأة. يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة إنترسوس على استهداف الشباب منذ 2015، مستعينة بتقنيات "تثقيف الأقران" حيث يتدرب الشباب على كيفية التواصل مع أقرانهم من الشباب من أجل رفع وعيهم حول قضايا الصحة بوجه عام والصحة الإنجابية بوجه خاص والعنف القائم على النوع عن طريق نهج يعتمد على المهارات الحياتية.
وتعمل ثلاث مجموعات من الشباب من الفتيات والفتيان حول منطقة جبل لبنان على التواصل الفعال مع الشباب الذين في مثل أعمارهم والمجتمع حول هذه القضايا، مستخدمين مكاناً آمنا معداً بشكلٍ خاص لهؤلاء الفتيان والفتيات الصغار، بحيث يلتقون ويكتسبون وينقلون المهارات الحياتية، وخاصة المعرفة والقدرات التي يتمتع بها كل منهم. وحتى وقتنا الراهن، تمكنت مجموعة تثقيف الأقران من الشباب مثل رنيم من الوصول والتواصل مع ما يزيد على 1,300 شاب وفتاة في جبل لبنان.
تُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة أنما يقرب من 3 ملايين فتاة تزوجن في المنطقة العربية في 2015 قبل أن يبلغن سن 18 سنة، وخاصة أولئك اللاتى يعشن في أوضاع أزمات إنسانية. في لبنان، ومن بين 70,000 من الفتيات المراهقات المسجلات كلاجئات من سوريا، تزوج 23 في المائة قبل أن يبلغن سن الـ18.
تعد مشاركة الآباء وأفراد الأسرة الأكبر سناً والأولاد والرجال في الأسرة أمر شديد الأهمية من شأنه إحداث تغيير فعلي لبعض الممارسات الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بالزواج المبكر، والحمل المبكر والعنف القائم على النوع.