الدكتورة إنشراح أحمد، هي المستشار الإقليمي للنوع الاجتماعي وحقوق الإنسان والثقافة في صندوق الأمم المتحدة للسكان – المكتب الإقليمي للدول العربية. وقد أجرت هذه المقابلة مع الموقع الإلكتروني لصندوق الأمم المتحدة للسكان – المكتب الإقليمي للدول العربية بالتزامن مع اليوم العالمي لعدم التسامح مطلقا إزاء تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان).
ما مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) في المنطقة العربية، وما هي أكثر البلدان إجراءا لهذه الممارسة؟
ينتشر ختان الإناث في بعض البلدان العربية: فهو يؤثر على 87 في المائة من النساء والفتيات في مصر وفي السودان، وعلى 98 في المائة في الصومال، و93 في المائة في جيبوتي و19 في المائة في اليمن. تغطي هذه المعدلات النساء والفتيات في سن 15-49 عاما، وقد خضع معظمهن للتشويه على أيدي عاملين صحيين (أطباء، أو ممرضون أو عاملون صحيون) – هذا ما نطلق عليه "إضفاء الطابع الطبي على ختان الإناث": 78 في المائة في مصر و77 في المائة في السودان.
- في مواجهة معدلات الانتشار المرتفعة هذه، كيف تلمسون التقدم المحرز على صعيد اجتثاث ختان الإناث؟ هل يمكن أن تعطونا أمثلة على ذلك؟
لقد تم إحراز الكثير من التقدم ضد ختان الإناث في المنطقة العربية. في مصر، لعب صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع المجلس القومي للسكان، دورا حاسما في العمل الذي أدى لإدخال تعديلات في 2016 على القانون الذي يحظر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
يجعل التعديل الجديد ممارسة ختان الإناث جناية بدلا من جنحة، فيزيد العقوبة لتتراوح من 5-7 سنوات، وتصل أقصى عقوبة إلى السجن 15 سنة، إذا ما أدت الممارسة إلى الوفاة أو أحدثت عاهة مستديمة. وإضافة ذلك، يُعاقب كل من يصطحب فتاة لتخضع لهذا الإجراء، بالسجن من 1 إلى 3 سنوات. في السودان، شهد عام 2017، 107 إعلانات جديدة بالتخلي عن ممارسة ختان الإناث، وحظيت هذه الإعلانات بمساندة من صندوق الأمم المتحدة للسكان.
يعني هذا أن ما يقرب من 11,000 أسرة/68,000 فردا أعلنوا تركهم لبناتهم من دون بتر أعضائهن التناسلية. تجاوز إجمالي عدد الإعلانات العامة بالتخلي عن الختان في السودان 1,054 مجتمعا (بصورة تراكمية) خلال الفترة من 2014-2017. في جيبوتي، طور صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع وزارة المرأة واتحاد نساء جيبوتي، بروتوكولا مرجعيا لإدارة حالات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ويحدد دور القطاعات المجتمعية والقضائية والطبية.
ولقد شهدت الصومال تراجعا كبيرا في الختان التخييطي – النوع الثالث من الختان (المعروف أيضا بالفرعوني)؛ وكان هذا بمثابة نقلة حاسمة في مواجهة هذه العادة. ففي حين أن كل هذا لا يمثل "تخليا كاملا"، إلا أن هذه الخطوات قللت التأثير الضار للختان على الفتيات، حيث تشير البيانات النوعية إلى انخفاض حاد في الممارسة في المناطق الحضرية، وكذلك في بعض المناطق الريفية.
إن نشر المعلومات حول الآثار والمخاطر الصحية للختان الفرعوني، خاصة عندما عندما تتدخل وزارة الصحة عادة، له تأثير هائل على القادة الدينيين والمجتمعيين، إذ يقنع الكثيرين بأن هذه الممارسة هي أيضا انتهاك لمبادئ الإسلام.
- ما هي أبرز التحديات أمام استئصال الختان في المنطقة العربية؟
إن ممارسة ختان الإناث متأصلة بشدة ومحل احتفاء في المجتمعات التي ترتكبها. وهي تضرب بجذورها بشدة في التقاليد الاجتماعية التي يتم تبريرها في كثير من الأحيان بشكل خاطئ من خلال مجادلات صحية ودينية. ولا يعتبر ختان لإناث قضية ذات أولوية لصانعي السياسات في البلدان المتضررة، بل ويقل الاهتمام بالقضية عندما يتعرض بلد لنزاع، كاليمن والصومال و(بشكل متقطع) السودان وإقليم كردستان في العراق. خلال النزعات، يساهم نقص وصول العاملين الاجتماعيين والصحيين إلى المجتمعات في ارتكاب الممارسة. وغالبا ما ما تؤخر أوضاع عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي تنفيذ النشاطات التي تركز على السياسات والتشريعات المناهضة للختان. وإضافة لذلك، فإن الارتباط شبه المنهجي للختان بالإسلام، والوضع المستضعف للنساء في المجتمع وضمن القوانين الوطنية يظل تحديا. وعلى رغم أن الكثير من القادة الدينيين يناصرون علنا التخلي الكامل عن ختان الإناث، مستشهدين بنصوص دينية تظهر أن ختان الإناث من المتطلبات الثقافية وليس الدينية، فلا تزال هناك مجموعات قوية وذات صوت عال، من القادة التقليديين والدينيين والسياسيين الذين ينادون بالختان السني (النوع 1)، متعللين بأنه إجراء أقل جورا ومطلوب دينيا.
- ذكرتم مصطلح "إضفاء الطابع الطبي على ختان الإناث"، ماذا يعني هذا، وكيف يتصدى له صندوق الأمم المتحدة للسكان؟
واقع الأمر أننا قلقون أشد القلق حيال ازدياد إضفاء الطابع الطبي على ختان الإناث: عندما يتورط مقدمو الرعاية الصحية بإجراء ختان الإناث، فهذا من المرجح أن يخلق إحساسا بمشروعية الممارسة. فهو يعطي الانطباع بأن الإجراء جيد للصحة، أو عديم الضرر على الأقل؛ يمكن أن يساهم هذا في مأسسة الإجراء، فيتحول لإجراء روتيني، بل ويمكن أن يساهم في انتشاره في أوساط جماعات ثقافية لا تقوم به حاليا.
يناصر صندوق الأمم المتحدة للسكان التنفيذ الفعلي للقوانين الحالية؛ فمن الرائع أن يكون ختان الإناث محظورا بموجب القانون، لكن من المهم أن نتأكد من تنفيذ القوانين وأن ينال مرتكبوه الإجراءات العقابية. إن تورط العاملين الصحيين في ممارسة الإجراء هو أمر ينطوي على خطورة من نوع خاص، حيث تشعر الأسر بأنهم في أمان في أيديهم، بينما الممارسة ضارة سواء أجراها أحد العاملين الطبيين أم لا!
ونحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان نعمل مع وزارات الصحة ونقابات الأطباء لنكرر أن العاملين الطبيين يجب أن يقفوا بشدة ضد الممارسات الخطيرة على صحة الفتيات والنساء، وألا يشجعوا أبدا على ارتكابها.
يؤثر الختان على 87 في المائة من النساء والفتيات في مصر وفي السودان. © صندوق الأمم المتحدة للسكان مصر
- رغم التقدم، لا يزال بعض العاملين الطبيين يقومون بالإجراء، في رأيك، ما الذي ينبغي عمله لإنهاء هذا النوع من إضفاء الطابع الطبي على الممارسة؟
لإنهاء إضفاء الطابع الطبي على ختان الإناث، تحتاج النقابات الطبية وجمعيات القابلات إلى المشاركة في برامج التوعية المجتمعية، لرفع الوعي بالعواقب الصحية الخطيرة لختان الإناث وتأثيره الضار على حياة النساء والفتيات.
يحتاج الأطباء إلى تجهيزهم بالمعرفة والمعلومات حول القوانين والتشريعات ضد ختان الإناث وإضفاء الطابع الطبي عليه، والعقوبات العاملين الطبيين الذين يقومون بإجراء هذه الممارسة الضارة. وثمة حاجة إلى تعميم المعلومات حول العواقب الطبية والاجتماعية لختان الإناث في مناهج المدارس الطبية وبرامج تدريب الأطباء، بهدف رفع الوعي لدى الأطباء ومنعهم من إجراء ختان الإناث، وكذلك السماح لهم بالانخراط في برامج التوعية المجتمعية التي تتصدى لختان الإناث، اتفاقا مع أخلاقيات مهنة الطب وحقوق الإنسان.
كما وأن هناك حاجة إلى أن يدعم المجتمع الطبي إصدار القوانين وعمل توصيات إلى السلطات المعنية لمعاقبة أي عضو في نقابة/مجلس/جمعية طبية يثبت تورطه في إجراء ختان الإناث؛ وبحيث يمكن أن تصل العقوبات إلى فصل العضو من هذه الكيانات وسحب رخصته الطبية.
- يستعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان طرقا مختلفة للتصدي لختان الإناث، من بينها الأساليب القائمة على فن المسرحة، فهل هذه الأساليب فعالة وهل لها نتائج مباشرة يمكن قياسها؟
لقد أثبتت الأساليب القائمة على فن المسرح فعالية شديدة عند التصدي لختان الإناث، فهي أداة قوية لإحداث التغيير الاجتماعي وختان الإناث يعتبر عادة اجتماعية.
يدفع المسرح التفاعلي الجمهور إلى الاشتراك في العرض لذا فهو يمنحهم بعض الإحساس بالبعد عن الواقع أثناء زمن العرض، وهو ما يجعل مجموعة معينة من الأفكار أكثر قابلية للنقاش.
يمكن للمسرح أن يعزز عنصر الجذب العاطفي والنفسي للرسائل وهو يقدم طريقة ممتعة قابلة للتصديق لاستعراض القضايا الحساسة، خاصة مع الشباب. إن مشاهدة عرض تم الإعداد له بعناية يمكن أن يغير طريقة تفكير الشخص وطريقة تصرفه حيث يعتمد على تجاوب الجمهور.
إن هذه القدرة على لمس المشاعر هي ما يسمح للمسرح بالتأثير على التوجهات بطرق تعجز عنها التعليمات التقليدية. يؤسس المسرح قنوات جديدة لنشر الرسائل ويمكن للأساليب المسرحية أن توفر فرصا لإطلاع الجمهور على خدمات موجودة في المجتمع، وسواء كانت هذه الخدمات ستكون متاحة للشباب، وسواء كان العاملون سيحترمون حقهم في السرية، فيمكن لهذا أن يثمر عن نتائج يمكن قياسها.