المساواة بين الجنسين حق من حقوق الإنسان
تعد المساواة بين الجنسين حقًا إنسانيًا لا جدال فيه. فالمرأة، شأنها شأن الرجل، تستحق العيش بكرامة وأمان. كما أن تحقيق هذه المساواة يشكل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة والحد من الفقر، إذ أن تمكين المرأة يُعزز صحة الأسره والمجتمع بأسره ويرتقي بانتاجيته وازدهاره، مما يفتح آفاقاً جديدة للأجيال القادمة. ومع ذلك، ورغم الأدلة القاطعة على أهمية تمكين المرأة في إعمال حقوق الإنسان، والحد من الفقر، ودفع عجلة التنمية، والتصدي للتحديات الأكثر إلحاحًا في العالم، لا تزال المساواة بين الجنسين حلماً بعيد المنال في العديد من المجتمعات.
تزداد معاناة النساء والفتيات في مناطق النزاعات والكوارث الطبيعية، حيث يتعرضن لمخاطر متعددة وغير متناسبة، من العراقيل التي تعترض سبيلهن للحصول على خدمات تنظيم الأسرة، والتعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي إلى الزواج القسري المبكر، ووفيات الأمهات.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان منذ عقود على مناصرة النساء والفتيات والدفاع عن حقوقهن في المنطقة العربية، داعيًا إلى إجراء إصلاحات قانونية وسياسية، وتعزيز جمع البيانات النوعية التي تراعي النوع الاجتماعي، فضلًا عن دعم المبادرات التي تعمل على تحسين صحة النساء والفتيات، وتوسيع نطاق خياراتهن الحياتية.
تمكين النساء والفتيات
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال النساء والفتيات في المنطقة العربية أكثر عرضة للفقر والأمية مقارنة بالرجال. كما أنهن أقل حظًا في الحصول على الاعتمادات وحيازة الممتلكات، والاستفادة من فرص التدريب، والتوظيف. وبالمقارنة مع الرجال، فإن النساء أقل تمتعًا بالحق في ممارسة النشاط السياسي، وأكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
لن يتحقق حلم المساواة بين الجنسين إلا بمنح المرأة والرجل الفرص والحقوق والواجبات ذاتها في جميع مجالات الحياة. ويتطلب ذلك توزيعًا عادلًا للسلطة والنفوذ، وفرصًا متساوية للاستقلال المالي، والحصول على التعليم، والوصول إلى الخدمات الصحية، وتحقيق التطلعات والطموحات. إن المساواة بين الجنسين تتطلب تمكين النساء، مع التركيز على تحديد أوجه التفاوت والخلل في ميزان القوة، ومنح المرأة المزيد من الاستقلالية لإدارة حياتها الخاصة. وحين يتحقق هذا التمكين، فإنه يعود بالفائدة على جميع أفراد الأسرة والمجتمع، وينعكس أثره الإيجابي على الأجيال الحالية والمستقبلية.
التحرك واتخاذ التدابير اللازمة
يقر صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن عقودًا من العمل على تحقيق المساواة بين الجنسين أظهرت مدى تفشي التمييز وتأصل جذوره في المجتمعات والأنظمة، وأن تغيير الأعراف والهياكل التمييزية يمكن أن يكون من شأنه تمكين النساء والفتيات من المطالبة بحقوقهن وممارستها دون خوف من التعرض للعنف أو الانتقام. ولكي تتحقق المساواة بين الجنسين ولكي تتمكن جميع النساء والفتيات من ممارسة حقوقهن الإنسانية بعيدًا عن العنف والتمييز والممارسات الضارة، ينبغي أن يحدث التغيير على كافة الأصعدة والمستويات - من الهيكلية إلى الفردية.
تحتاج النساء والفتيات المراهقات إلى المزيد من الدعم والتعزيز لقدرتهن على اتخاذ القرارات والحصول على الخيارات والوصول إلى الخدمات، ليتمكنّ من التحكم بشكل أكبر في حياتهن الشخصية وصحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية. عندما تعيش النساء والفتيات المراهقات بعيدًا عن التمييز والعنف ويملكن القدرة على اتخاذ خطوات لتحقيق أهدافهن، فإنهن يمارسن قوتهن وإرادتهن. وعندما يمتلكن حرية الاختيار، يستطعن رسم مسار حياتهن وتحديد قراراتهن المتعلقة بأجسادهن. إن الوصول إلى خدمات مقبولة ومتاحة وذات جودة عالية يضمن لهن البقاء والازدهار. وسيدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان هذه الجهود من خلال تحديد مسارات التغيير المؤدية إلى المساواة بين الجنسين من أجل تعزيز قدرتهن على اتخاذ القرار والاختيار، والوصول علاوة على تسريع وتيرة تمكينهن. ويعتبر صندوق الأمم المتحدة للسكان النُهج التحولية في قضايا النوع الاجتماعي والنهج القائم على حقوق الإنسان أساسًا لجميع برامجه ومحركًا لتحقيق خطته الاستراتيجية.
القضايا الرئيسية
أظهرت التجارب أن معالجة مسألة المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة يتطلب تدخلات استراتيجية على جميع مستويات التخطيط وصنع السياسات. وتتضمن القضايا الرئيسية ذات الصلة ما يلي:
الصحة الإنجابية: إن قدرة النساء على التحكم في خصوبتهن تعد أمرًا جوهريًا لتمكينهن من تحقيق المساواة. فحين تتمكن المرأة من التخطيط لأسرتها وتنظيمها، يمكنها التخطيط لبقية حياتها. فحماية وتعزيز حقوقها الإنجابية، بما في ذلك حقها في تحديد عدد أطفالها وتوقيت ولادتهم والفاصل الزمني بينهم، هو أمر ضروري لضمان مشاركتها بشكل كامل وعلى قدم المساواة في المجتمع.
تموت امرأة كل دقيقتين أثناء الحمل أو الولادة. ويعد الفشل في توفير المعلومات الكافية للنساء وكذلك الخدمات والظروف الملائمة التي تساعدهن على حماية صحتهن الإنجابية أحد أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وانتهاكاً لحقوق المرأة في الصحة والحياة.
التصدي للأعراف الاجتماعية المتعلقة بالنوع الاجتماعي: إن تبني نهج تحولي في قضايا النوع الاجتماعي في برامج صندوق الأمم المتحدة للسكان يعني التصدي لعدم المساواة بين الجنسين من خلال تحويل الأعراف والأدوار والعلاقات الضارة المتعلقة بالنوع الاجتماعي، مع العمل على إعادة توزيع الموارد بشكل أكثر عدالة. وبمناسبة مرور خمسة عشر عامًا على إجراء الدراسة الاستقصائية الدولية للرجال والمساواة بين الجنسين، نشر صندوق الأمم المتحدة للسكان ومركز Equimondo "إيكويموندو" للذكورة والعدالة الاجتماعية، أكبر دراسة عالمية على الإطلاق حول ممارسات ومواقف الرجال المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، بهدف بناء فهم أعمق لهذه القضايا. ومن المتوقع أن توفر هذه الدراسة التوجيه المستنير للجهود المبذولة والرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، لا سيما على مستوى السياسات الحكومية، وتساعدها على اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحقيق أهدافها المنشودة.
التمكين الاقتصادي: لا تزال الأنظمة الاقتصادية العالمية غير مدركة بشكل كافٍ الروابط العميقة بين التنمية الاقتصادية واستقلالية المرأة الجسدية، وطموحاتها، ووقتها، ومساهماتها. للأسف، لا تزال مشاركة المرأة في الاقتصاد الرسمي محدودة، وغالبًا ما تتقاضى أجورًا أقل من الرجال، ولا يحظى عملها في مجال الرعاية بالتقدير الكافي. فلا يوجد بلد في العالم يتم فيه تقييم إسهامات الرجال في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر أو العمل الإنجابي على قدم المساواة مع إسهامات النساء. وتُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأدنى عالميًا من حيث معدل مشاركة النساء في الاقتصاد، إذ لا تتجاوز 26%، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يزيد عن النصف. ووفقًا للبنك الدولي، فإن سد الفجوات بين الجنسين في التوظيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 20%.
التمكين التعليمي: تشكل النساء حوالي ثلثي الأميين حول العالم. هذا النقص في التعليم يحد بشكل كبير من قدرة المرأة على الوصول إلى المعلومات والفرص. وعلى النقيض من ذلك، فإن زيادة فرص التعليم للنساء والفتيات يفيد الأفراد والأجيال القادمة على حد سواء. كما أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين ارتفاع مستوى تعليم المرأة وانخفاض معدلات وفيات حديثي الولادة وتحسين النتائج الصحية لأطفالها.
التمكين السياسي: لا يمكن تحقيق المساواة بين الجنسين دون دعم مؤسساتي قوي. ومع ذلك، لا تزال العديد من المؤسسات الاجتماعية والقانونية تخفق في ضمان المساواة للمرأة في الحقوق القانونية والإنسانية الأساسية، أو في الوصول إلى الموارد أو التحكم فيها، أوفي فرص العمل والأجور، أو في المشاركة الاجتماعية أو السياسية ، ولا يزال الرجال يشغلون معظم المناصب السياسية والقانونية - وفي جميع أنحاء العالم، لا تشغل النساء سوى حوالي 26٪ من مقاعد البرلمان، وتقل هذه النسبة كثيرًا في المنطقة العربية.
تم التحديث في 4 يوليو 2024