أنت هنا

"قابلت العديد من النساء ممن عانين بشدة أثناء الولادة. رأيت نساء نزفن حتى الموت، ولذلك أخاف من الزواج والإنجاب."

هكذا لخصت كنزة أدين، الطبيبة العشرينية في جيبوتي، معاناتها كناجية من تشويه الأعضاء التناسلية وشهادتها على أثر تلك الممارسة الضارة على صحة النساء من مرضاها، في بلد عانت فيه 78 في المائة من النساء والفتيات من المرحلة العمرية من 15 وحتى 49 عامًا من الآثار المدمرة لتلك الممارسة.

وتعرف ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بالختان وهي الازالة الكاملة أو الجزئية للأجزاء الخارجية من الأعضاء التناسلية للفتيات أو جرح الأعضاء التناسلية للإناث لأسباب غير طبية، وهي ممارسة منتشرة في شتى أنحاء العالم وعانت منها 200 مليون امرأة وفتاة على قيد الحياة اليوم. وتشير تلك الممارسة لتجذر انعدام المساواة بين الجنسين.

فلكل امرأة وفتاة الحق في أفضل حالة صحية ممكنة، وهو الحق الذي تنتهكه ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية والتي تنتهك العديد من الحقوق الأخرى أيضًا. فالضرر المترتب على تلك الممارسة متعدد الأوجه، ونفصل هنا 5 أسباب تجعل تشويه الأعضاء التناسلية مهددًا لصحة النساء والفتيات:

1. تشويه الأعضاء التناسلية هي إصابة شديدة قد تؤدي للوفاة:

عندما تتعرض الفتيات لتشويه الأعضاء التناسلية، يتعرضن لخطر النزيف بشكل فوري، بالإضافة لمخاطر الصدمة والإصابة الشديدة و العدوى، بل حتى خطر الوفاة إذا اشتدت حدة النزيف أو الالتهاب.

روبي سامويلي، الناشطة الحقوقية التنزانية والتي تعرضت لتشويه الأعضان التناسلية في الثالثة عشر من عمرها، تصف ما تعرضت هي له أثناء تلك التجربة التي تسببت في الكثير من النزيف والذي أدى لفقدانها للوعي، والذي استمر لفترة طويلة حتى اعتقد الجميع أنها على شفا الموت. وتقول روبي:

"كنت فاقدة للوعي لمدة ثلاث ساعات. سمعت امرأة تقول: لست متأكدة لو كان مخها سيعود لطبيعته بعد استيقاظها."

في العام الذي سبق تعرض روبي لتلك التجربة، ماتت صديقتها من النزيف أثناء تعرضها للختان.

فتهدد العدوى خياة الفتيات عند استخدام أدوات غير معقمة لقطع أجسادهن، خاصة عند استخدام نفس الأداة لقطع جسد أكثر من فتاة.

2. ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية التي يقوم بها العاملون في القطاع الصحي ليست آمنة أو مفيدة:

في بعض المناطق، يتم تشويه الأعضاء التناسلية عن طريق مقدمي الخدمة الصحية مثل العاملين بالصحة المجتمعية، أو القابلات، أو العاملين بالتمريض أو حتى الأطباء. كما يمكن تقديمها للأمهات والآباء الجدد كجزء من حزمة الرعاية الصحة الأساسية للفتيات حديثي الولادة.

يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن 1 من كل 5 فتيات تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية تم قطع أجسادهن بواسطة مقدمين مدربين للخدمة الصحية، وفي بعض الدول ترتفع النسبة لـ3 من كل 4 فتيات. ويبلغ تشويه الأعضاء التناسلية المقدم من قبل العاملين بالقطاع الطبي أعلى نسبه في السودان حيث تمثل القابلات النسبة الأكبر من ممارسي تلك العادة، ثم مصر، حيث جرت العادة على أن يقوم بتلك الممارسة الأطباء. في 7 من 8 دول تزيد فيها نسبة الفتيات اللاتي يتعرضن للختان عن 10 في المائة ويقوم فيها مقدمو الخدمة الصحية بتلك الممارسة، تشهد معدلات الختان الذي يأخذ الشكل الطبي ارتفاعًا.

وبينما قد يمكن لتشويه الأعضاء التناسلية الذي يأخذ الشكل الطبي أن يوفر بيئة أكثر تعقيمًا واحتمالية استخدام التخدير، إلا أن هذه الظروف لا تجعل الممارسة آمنة أو مفيدة للفتيات. فيبقى الختان إصابة شديدة ذات الكثير من التهديدات الصحية قصيرة وطويلة الأمد دون مبرر طبي.

فمقدمو الخدمة الطبية ممن يمارسون تشويه الأعضاء التناسلية ينتهكون حقوق النساء والفتيات، ويصيبوهن بالأذى في تناقض صارخ مع المبادئ الأساسية للأخلاقيات الطبية.

ولكن يساهم انطباع الخبرة والقوة والاحترام الذي يتمتع به الأطباء والعاملين بالمجال الطبي في إضفاء هالة زائفة من الأمان أو الشرعية على الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان الذي يتمثل في تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات.

https://www.unfpa.org/sites/default/files/medicalization_indonesia_embed_680.jpg
في أندونيسيا، تعرضت 49 في المائة من الفتيات تحت سن الرابعة عشر لتشويه الأعضاء التناسلية، ويتم عرض الختان كجزء من حزمة الرعاية
الصحية  الأساسية للفتيات المولادت حديثًا حتى في وجود القابلات مثل القابلة في الصورة ممن يسدين النصيحة للأمهات والآباء الجدد عن الآثار الصحية السلبية لتلك الممارسة. © UNFPA Indonesia

3. قد يؤدي تشويه الأعضاء التناسلية للإناث لمشاكل صحية وألم قد يمتد على مدار الحياة:

كثيرًا ما تواجه النساء والفتيات مما يتعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية لآثار صحية طويلة المدى مثل الندوب، والتليفات الكيسية و الخراج وغيره من أنواع فساد الأنسجة، بالإضافة لاحتمال الإصابة بالعقم، وزيادة العرضة للعدوى. وقد تختبر الناجيات صعوبات وآلام أثناء الدورة الشهرية، أو أثناء التبول أو ممارسة العلاقة الجنسية.

وتضطر النساء ممن يتعرضن للختان التخييطي، والذي يعني قطع الشفران وتخييطهما معًا لتضييق فتحة المهبل بشكل كبير، للتعرض للقطع مرة أخرة حتى يستطعن ممارسة العلاقة الزوجية والإنجاب. ويعتبر احتباس البول واحدًا من الأعراض الشائعة للختان التخييطي، وتصف بعض النساء الألم الذي يشعرن به أثناء التبول في تلك الحالة على أنه مماثل لفرك الملح في جرح مفتوح.

4. قد يؤدي تشويه الأعضاء التناسلية لمضاعفات الولادة المهددة للحياة:

قد يتسبب تشويه الأعضاء التناسلية في مضاعفات جدية ومهددة للحياة أثناء الولادة، فأنسجة الندوب قد لا تتمدد بشكلٍ كافٍ أثناء الولادة مما يجعل الولادة أكثر ألمًا من المعتاد، ويزيد من احتمال اضطرار النساء لإجراء عملية قيصرية أو غيرها من إجراءات التدخل العاجلة.

كما تزيد عرضة النساء ممن تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية لخطر الولادة المطولة أو المتعسرة مما قد يؤدي للإصابة بالناسور الولادي إذا لم يتوفر التدخل الطبي المناسب في الوقت الصحيح، كما تهدد تلك المخاطر حياة الأم والمواليد الجدد. وتعتبر النساء ممن خضن التجربة المؤلمة للختان التخييطي التي تعرضهن للندوب أثناء الختان، ثم مرة أخرى أثناء تعرضهن للقطع حتى يستطعن ممارسة العلاقات الزوجية والإنجاب، ثم مرة ثالثة أثناء الولادة هن الأكثر عرضة لخطر الولادة المطولة والمتعسرة.

فهناك ثمان دول تعاني من بعض من أعلى معدلات وفيات الأمهات في العالم ينتشر فيها أيضًا معدل تشويه الأعضاء التناسلية.

5. قد يؤدي تشويه الأعضاء التناسلية لآثار دائمة على الصحة النفسية للنساء والفتيات:  

الآثار النفسية لتشويه الأعضاء التناسلية للنساء والفتيات قد تكون مدمرة وطويلة الأمد. قد تشعر الفتيات بإحساس عميق بالخيانة تجاه آبائهن وأمهاتهن الذين يصرون على تعريضهن لتشويه الأعضاء التناسلية. فتقول كنزة عندما تتذكر تجربتها مع الختان: "شعرت بالكثير من المرارة تجاه أمي، لم يخبرني أحد بشئ. شعرت بالخيانة."

بالنسبة للأطفال في عمر صغير، قد يؤدي احساس فقد الثقة للكثير من المشاكل السلوكية بالإضافة للألم النفسي. وعندما تكبر الفتيات ويتزوجن، قد يؤدي العجز الجنسي الناتج عن تشويه الأعضاء التناسلية للضغط على استقرار زواجهن. 


© UNFPA Somalia

على المدى الطويل، تشويه الأعضاء التناسلية قد يترك ندوبًا نفسية عميقة، فقد تتعرض النساء والفتيات ممن مررن بهذه التجربة للقلق، أو الاكتئاب، أو فقد الذاكرة، أو اضطرابات النوم، أو اضطراب مع بعد الصدمة.

فتقول مليكة، وهي أم شابة من أثيوبيا: "أنا الآن شخص ميت" وهو شعورها الذي نتج عن معاناتها أثناء تجربة الختان، وتجربة القطع الذي تكرر ليلة زواجها، ثم مرة أخرى أثناء الولادة.

وكانت معاناة مليكة سببًا في قرارها ألّا تعرض ابنتها لتشويه الأعضاء التناسلية، ولكن، على مستوى العالم، هناك 68 مليون فتاة إضافية معرضات لخطر تشويه الأعضاء التناسلية حتى نهاية عام 2030.

في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، يجتمع المجتمع الدولي في قمة نيروبي في الذكرى الخامسة والعشرين للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية لتسريع جهود التنمية المستدامة عن طريق دفع الصحة الجنسية والإنجابية، والمساواة بين الزوجين وتمكين المرأة للأمام.

إن إنهاء تشويه الأعضاء التناسلية وغيرها من الممارسات الضارة التي تقوض من صحة وحقوق النساء والفتيات هو من صميم أجندة التنمية المستدامة.

ويعمل البرنامج المشترك بين صندوق الأمم المتحدة للسكان واليونسيف والخاص بالقضاء على تشويه الأعضاء التناسلية في 17 دولة بها معدلات انتشار عالية للختان، ويركز البرنامج على تسريع الأفعال الرامية لإنهاء تلك الممارسة من خلال مقاربة شاملة تجمع بين خدمات الحماية والرعاية، والمناصرة والتفاعل مع المجتمع لتغيير الأعراف الاجتماعية المسببة للمارسة.

تعتمد 68 مليون فتاة على تسريع وتيرة جهودنا للحفاظ على سلامتهن وصحتهن الجسدية والنفسية ولحماية حقوقهن الإنسانية.