يقول محمد، "لديّ ثلاثة أطفال"، "ونريد أن نوفرّ لهم مستقبلا مناسبا.ً" محمد، 37 عاماً، وأم أحمد 32 عاماً، تزوجا قبل 16 سنة في الأقصر، في مصر، مسقط رأسيهما ومكان نشأتهما. وبعد مضي عام على الزواج أنجبت أم أحمد ابنتهما مريم، ثم أتبَعَتها بعد سنتين بابنهِما أحمد. ويقول محمد، " قررنا بعد ذلك أننا لا نريد مزيداً من الأطفال، وبدأنا باستخدام خدمات تنظيم الأسرة". "فقد أردنا أن نحرص على تلقّي ولدَينا تعليماً جيّداً وأن نحافظ على عافيتهما."
ولكن على امتداد الأعوام الخمسة التالية كان والد محمد يضغط على الزوجين لإنجاب مزيدٍ من الأطفال، إلى أن رضخا له في النهاية وأنجبا طفلهما الثالث، محمود. تقول أم أحمد، "بعد أن وُلد محمود، ذهبتُ مرّة أخرى إلى خدمات تنظيم الأسرة".
وقد أتاحت وظيفة محمد في قطاع البناء توفير معيشةٍ لأسرته إلى ما قبل السنوات الخمس الماضية حين تضاءل توافد الزوار الأجانب إلى المواقع التاريخية في الأقصر إلى حدٍّ هزيل، مما أضعف اقتصاد المدينة، وبقي محمد بلا وسيلةٍ لكسبِ لُقمة عيشِه. انتقل الزوجان وأصغر أطفالهما إلى القاهرة، وبقي الولدان الأكبر سناً مع أفراد الأسرة ليتمكنا من متابعة تعليمهما.
واليوم، يعمل محمد حمّالاً في مبنى للشقق في مدينة نصر، وهي أكثر أحياء القاهرة اكتظاظاً بالسكان، ويعيش في قبوٍ في أحد الأحياء المتواضعة. يخصص محمد جزءاً من دخله لرسوم مدرسة ابنه، التي تضمّ فصولاً دراسية صغيرة ويعمل فيها مدرّسون تلقّوا تدريباً جيّداً. يقول ابنه إنّ مادته المفضّلة هي الرياضيات ويفكّر في أن يصبح طبيباً حين يكبر.
يقول محمد، "ثلاثة أطفال يكفي وزيادة". وتوافقه زوجته قائلة: "نريد الأفضل لما لدينا من أطفال."
معظم الأزواج يريدون ثلاثة أطفال
وفقاً للرئيس التنفيذي لمركز بصيرة لبحوث الرأي العام المصري، ماجد عثمان، إنّ عدد الأطفال الذي يريد المواطن المصري العادي إنجابه هو ثلاثة أطفال. لكن المعدّل المتوسط هذا يستر وراءه اختلافات ريفية وحضرية في حجم الأسرة المثالي، الذي يتراوح بين أكثر قليلاً من ولَدين في الإسكندرية ونحو خمسة أطفال في محافظة مطروح في الركن الشمالي الغربي من البلاد.
وهناك تفاوتات بين عدد الأطفال الذي يرغب الناس في إنجابهم والعدد الفعلي الذي ينجبونه. ففي حين أنّ متوسط العدد المرغوب فيه في عموم أنحاء البلاد يبلغ 3.0 أطفال، فإنّ العدد الذين ينجبونه هو 3.5.
وفي هذا الصدد تقول جيرمين حدّاد، الممثل المساعد لصندوق الأمم المتحدة للسكان في القاهرة، "يعتمد عدد الأطفال الذي يريد المرء إنجابه على المكان الذي يعيش فيه، وكيف يعيش، وما إذا كان قد تربّى على ضرورة إنجاب صبي واحد على الأقل". وقد يعتمد عدد الأطفال الذين ينجبهم المرء فعلاً على الضغوط التي تمارسها الأسرة، والتحيّز القائم على نوع الجنس في قوانين الميراث، وفي الدخل. وغالباً ما يعتمد العدد على سُبل الحصول على وسائل منع الحمل الحديثة والمعلومات الدقيقة حول سلامة استخدامها.
خيارات مُستنيرة
تتسبب المعلومات غير الدقيقة حول الآثار الجانبية لوسائل منع الحمل في توقّف امرأة من بين كل ثلاث نساء مصريات عن استعمالها خلال العام الأول، ويؤدي ذلك إلى حدوث حالات حمل عارض. تقول الدكتورة وفاء بنيامين بسطة، اختصاصية التوليد والأمراض النسائية التي تمارس عملها في عيادتها الخاصة وتقدّم خدماتها أيضاً إلى الجمهور في مستشفى المدينة التدريسي، "تحتاج النساء إلى معلومات".
"فبعض النساء لا يعرفن أنّ لديهن الحق في الإدلاء بآرائهن". "وأنا أساعد النساء على اتخاذ قراراتهن الخاصة بناءً على المعلومات السليمة والدقيقة."
"معظم النساء اللواتي يُراجعنني يخشين الآثار الجانبية. ولكن كثيراً من هذه المخاوف لا تستند إلى حقائق. ولهذا السبب تُعد حبوب منع الحمل غير رائجة الاستخدام في مصر: فالنساء يفترضن خطأً أنّ تناولها يكسبهن زيادةً في الوزن أو يصيبهن بسرطان الثدي."
ومع أنّ جميع وسائل منع الحمل الحديثة متاحة من خلال عيادتها الخاصة، إلا أن معظم المُراجِعات لعيادتها يخترنَ موانع الحمل الرّحمية، وفقاً للدكتورة بسطة. وهناك عدد متزايد من المُراجعات من الشابات المتزوجات اللواتي يُردن تأخير الحمل حتى يُنهين تعليمهن أو يبدأن بالعمل.
وعموماً، تهدف النساء اللواتي يراجعن عيادتها الخاصة إلى إنجاب طفل واحد أو طفلين كحد أقصى. أمّا النساء اللاتي يراجعنها في المستشفى التدريسي يقلن إنهن يُردن إنجاب خمسة أطفال أو ستة. وتقول، إنّ هؤلاء النساء يجدن في الأطفال عوناً محتمَلاً لأبويهم في سنّ الكبر. ويعتقدن أن الأطفال يشكّلون مصدراً لاستقرار الأسرة وثرائها في المستقبل.
تصاعد معدّل الولادات
تُظهر إحصاءات الحكومة والأمم المتحدة أنّ الأُسر الأكبر حجماً هي أكثر شيوعاً في المجتمعات الفقيرة الريفية. لكنّ الأُسر الكبيرة ترتبط أيضاً بمعدّلات زواج الأطفال الأعلى. في القاهرة، حيث يبلغ العدد الشائع ولدَين لكل أسرة، يمثّل زواج الأطفال أقل من 3 في المائة من جميع الزيجات. أمّا في محافظة مطروح الريفية، حيث يبلغ العدد الشائع للأطفال أربعة فما فوق لكل أسرة، يمثّل زواج الأطفال نحو 21 في المائة من جميع الزيجات.
يبلغ معدّل الخصوبة في مصر اليوم 3.5 ، وهو أعلى من أدنى معدّل سجّلته البلاد عام 2009 عند 3.1 . يعزو بعض المسؤولين هذه الزيادة إلى ضُعف برامج تنظيم الأسرة، التي كانت تُموَّل بواسطة بلد مانح دولي كبير حتى عام 2006 تقريباً. في ذلك الوقت، بدأ اقتصاد مصر ينمو بسرعة، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي السنوي لكل فرد بمقدار الضعف تقريباً من حوالي 1,400 دولار عام 2000 إلى 2,600 دور عام 2010 . وأدّى "التدرّج" الاقتصادي للبلاد إلى الإنهاء التدريجي للتمويل الذي يقدمه البلد المانح.
واليوم، هناك 12.5 في المائة من النساء في مصر لديهن حاجة غير مُلبّاة لوسائل منع الحمل الحديثة. ويرتفع المعدّل أكثر من ذلك في المناطق الريفية من البلاد.
كما تراجع حجم الحملات الإعلامية لتنظيم الأُسرة ونطاقها بعد عام 2006 . ففي عام 2005 ، ذكرَ 80 في المائة من المجيبين على الاستقصاء الديمغرافي والصحي أنهم قد سمعوا برسائل عن تنظيم الأسرة أو شاهدوها في العام السابق. وأظهر مسحٌ مُشابه في عام 2014 أنّ 20 في المائة فقط تلقّوا مثل هذه الرسائل.
لا يُطرح التثقيف الجنسي الشامل في المدارس. وبذلك لا بُد من تقديم الرسائل حول التنظيم الأسري، والمعلومات الأساسية حول التناسل، عن طريق مصادر أخرى. ومن خلال برنامج تثقيفي على يد الأقران يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان، "شبكة تثقيف الشباب على يد الأقران" ) Y-Peer (، يتولّى شبابٌ إطلاع شبابٍ آخرين على معلومات حول الأمراض المنتقلة جنسياً، والعنف المنزلي، وحقوق الإنسان، والعلاقات والحمل.
يتطوّع محمد حسن، 22 عاماً، في برنامج "شبكة تثقيف الشباب على يد الأقران"، وهو طالب في كلية طب جامعة الأزهر في القاهرة. ويقول إن 80 في المائة من الأشخاص الذين يأتون إلى الورش التثقيفية يسألون عن معلومات أساسية تتعلق بتشريح الجسم.
عدد السكان على وشك أن يتضاعف
عند معدّلات النمو الحالية، من المنتظر أن يرتفع عدد السكان في مصر البالغ 95 مليون نسمة إلى 119 مليون نسمة بحلول عام 2030 ، قد يتضاعف أكثر إلى 200 مليون نسمة بحلول عام 2100 . وفي الاستقصاء الديمغرافي والصحي لعام 2014 أجاب نحو 6 من بين كل 10 أشخاص ب "نعم" عن السؤال حول ما إذا كانت البلاد تواجه "مشكلة سكانية".
وكانت الحكومة قد أطلقت في عام 2014 استراتيجية وطنية للسكان والتنمية بهدف إبطاء النمو السكاني من خلال دعم حق الأزواج في تقرير مدى رغبتهم في إنجاب الأطفال ومتى ينجبونهم وعدد مرات الإنجاب.
ووفقاً لحسين سيّد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، تتعلّق الاستراتيجية الوطنية، التي ساعد في وضعها، بالحقوق تماماً وبما يشمل الحقوق الإنجابية. من بين أبرز ملامح الاستراتيجية خفضُ الحاجة غير الملبّاة إلى تنظيم الأسرة بمقدار النصف بحلول عام 2030 ، ولا سيّما في المناطق الريفية والأحياء العشوائية الحضرية، حيث الخدمات شحيحة والخيار باستعمال وسائل منع الحمل محدود.
وتتناول الاستراتيجية أيضاً محو الأمية بين الفتيات، لفتح أبواب الفُرص أمامهن للالتحاق باليد العاملة المدفوعة الأجر. وتشمل التدابير توفير مساعدات نقدية للأُسر الفقيرة بشرط إبقاء بناتهنّ في المدارس. وفي الوقت ذاته، جعلت الحكومة التعليم إلزامياً حتى سن 18.
وقد صُممت إجراءات أخرى لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وسُبل العيش للمواطنين الفقراء.
من شأن تمكين النساء والإنماء الاقتصادي الشامل وإتاحة السُبل إلى خدمات تنظيم الأسرة أن تساعد معاً الأفراد والأزواج على اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن حجم أُسرهم.
حياة أفضل لأطفالهم
التقى أحمد ورشا قبل عشر سنوات في مكان العمل، إذ كان هو يعمل في المشتريات واللوجستيات، وهي في إدخال البيانات، وبدأ الاثنان يتواعدان وسرعان ما وجدا أنهما يناسبان أحدهما الآخر ليتزوّجا في العام التالي ويُنجبان طفلهما الأول، محمد.
واصل أحمد العمل في وظيفته بينما مكثت رشا في البيت لترعى طفلهما. وبعد أربع سنوات رُزقا بمولودهما الثاني، وهي ابنتهما رغد. وكان الزوجان قد سبق أن قرّرا وهُما في فترة الخطوبة أنهما لن يُنجبا سوى طفلَين وقالت رشا، "لا نحتاج إلى إنجاب مزيدٍ من الأطفال". "نريد تأمين حياة أفضل لولدَينا. وأهم شيء هو أن يحصلا على تعليم مناسب."
يقول أحمد إنه يريد تربية طِفلَيهِما ليعلّماهما حُسن الخُلق والمبادئ، وأن يحظيا بتعليم جيّد. "أريد لهما أن يحصلا على ما يحتاجان إليه في حياتهما ليتمكنا من اتخاذ قرارات مناسبة بشأن مستقبلهما.