ولدت سحر النباهين في أزمة إنسانية لم تزدها السنين إلا سوءً. فبالإضافة للعنف والخوف والشك المصاحبين لتجربة الحياة في غزة، تسبب الحصار الذي استمر عقدًا كاملاً في أزمة اقتصادية طاحنة ونسبة بطالة بين الشباب وصلت لـ60%. في خضم الكارثة الإنسانية المستمرة، قد يصبح من السهل إغفال تنظيم الأسرة باعتباره احتياج ثانوي بالمقارنة بكل المشاكل التي تعانيها غزة.
ولكن عدم قدرة سحر على الوصول لمعلومات وخدمات عالية الجودة لتنظيم الأسرة بشكل دورى ، كان له أكبر الأثر على حياتها وأسرتها على حد سواء.. اليوم، تبلغ سحر من العمر 31 عامًا ولديها من الأطفال ستة، وزوج لا يعمل حاليًا على الرغم من بحثه المستمر، مثله مثل آلاف الشباب في غزة. تتعجب سحر نفسها من وضع أسرتها قائلة: "نحن أسرة من ثمانية أفراد نعيش دون أي دخل."
كما ربطت سحر بين حال أسرتها وحال غيرها من الأسر في غزة قائلة: "الحصار كان له أثر كبير علينا من حيث ما سببه من فقر وبطالة. أصبح نادرًا أن تجد عملاً في غزة."
كما أدى الحصار والتطورات السياسية الخاصة بتمويل منظمات المساعدة الإنسانية في فلسطين لصعوبة توفير بعض المستلزمات الطبية الأساسية. أثر ذلك أيضًا على سحر، فهي مريضة ثلاسيميا وهو من أمراض الدم المزمنة ويحتاج -في حالة سحر- للعلاج المستمر على مدار حياتها، كما تحتاج أحيانًا لنقل الدم.
في الحمل، قد يتسبب مرض الثلاسيميا في الأنيميا أو مضاعفات الحمل والولادة ويحتاج رعاية طبية خاصة في فترة الحمل.
علقت سحر قائلة: "أثر الحصار أيضًا على وضعي كمريضة ثلاسيميا. أحيانًا أذهب للمستشفى لتلقي العلاج فلا أجد الأدوية الخاصة بحالتي. ولكنني أستطيع التحمل، بينما هناك آخرون لا يقدرون على تحمل الانتظار مثل مرضى السرطان، أو مرضى الربو مثل أمي التي تعاني أيضًا للحصول على أدويتها في بعض الأحيان."
ولعلمها بالوضع في غزة ووضعها الصحي، أرادت سحر الانتظار بعد ولادة طفلتها الأولى، ولكن أحد قريباتها الأكبر سنًا أخبرتها أنها قد لا تحتاج وسائل تنظيم الأسرة وأن بعض النساء لا يحملن أثناء الرضاعة. انتظرت سحر بناءً على النصيحة ولم تسع لاستشارة طبية، وكانت النتيجة هي ولادتها لطفلتها الثانية بعد عام من ولادة الطفلة الأولى.
بعد الطفلة الثانية، قررت سحر ألّا تدع الأمر للصدفة وذهبت لعيادة متخصصة للحصول على وسيلة موثوق بها لتنظيم الأسرة. تتذكر سحر أن الطبيبة أخبرتها أن تركيب اللولب غير مناسب لحالتها الصحية وأن أفضل الوسائل بالنسبة لها هي الواق الذكري أو الحبوب، تتذكر سحر أيضًا أن حملها الثالث حدث بالرغم من التزامها باستخدام الواق الذكري. بعد الولادة الثالثة، حاولت سحر الانتظام في استخدام وسائل تنظيم للأسرة أكثر استدامة، ولكنها واجهت عقبات تتمثل في عدم توافرها أحيانًا، أو عدم توافرها بانتظام في أحيان أخرى مما أدى لثلاثة تجارب إضافية من الحمل غير المرغوب فيه.
في حملها الأخير، ونظرًا لخسارة زوجها لعمله، لم تستطع سحر تحمل نفقات زيارة الطبيب بشكل منتظم أو تحمل تكلفة الفيتامينات والمقويات التي تتطلبها حالتها أثناء الحمل. في الوقت الحالي، تتردد سحر على مساحة آمنة للنساء والفتيات يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان حيث تحصل على وسيلة تنظيم للأسرة أكثر فاعلية بانتظام وبالمجان. كما تحصل سحر على تدريب مهني تتمنى أن يمكنها من المساهمة في تحصيل دخل لأسرتها.
تتمنى سحر أن يكبر أطفالها في واقع مختلف عما عايشته هي، فينهون تعليمهم ويجدون وظائف دون معاناة. بابتسامة هادئة، أنهت سحر اللقاء قائلة أن التفكير في المستقبل بشكل عام هو رفاهية لا تتحملها:
"يكفي التفكير برزق اليوم قبل أن نبدأ في التفكير في الغد. أسوأ مخاوفي من المستقبل هو أن يعيش أبنائنا حياة مثل التي عشناها نحن."
صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين:
في عام 2018، استطاع صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين أن يقدم الدعم والخدمات لما يزيد عن 230 ألف امرأة وفتاة في سن الإنجاب بالإضافة لـ10 آلاف من اليافعات والشباب. تركز برامج صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين على ضمان قدرة الجميع على الوصول لخدمات ومعلومات الصحة الإنجابية، وتقديم الدعم والحماية للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة لبرامج دعم وتمكين الشباب.