لم يتخط عمر نادية السادسة عشر عندما اضطرت للهرب من بلدتها بالعراق تحمل طفلاً في أحشائها في شهره الخامس، ورضيعًا على ذراعها بالكاد أكمل عامه الأول. كانت داعش سيطرت على بلدتها (الحويجة) قبل ذلك بعامين، وفي تلك الليلة، استمر القصف فترة طويلة مما دفع بالعديد من الأسر للهروب من منازلهم في منتصف الليل في محاولة للوصول لمخيم ديبكة للنازحين.
تتذكر نادية تلك الليلة قائلة: "خفت أن أجهض الطفل الذي ببطني، ولم يعد معي حليب للرضيع. مشيت لمدة خمس ساعات وتعبت كثيرًا. ثم سمعنا أن داعش نصبت لنا كمينًا وكنت أعلم أنهم يعدمون من يقبضون عليهم من الفارين. ولذلك عدت من منتصف الطريق لمخيم ديبكة. هزمنا الخوف."
كانت لنادية أحلامًا تختلف كثيرًا عن تلك الصورة القاتمة، فعاشت طفولة هادئة يؤنسها حلم واحد بسيط: أن تصبح معلمة مدرسة. ولكنها اضطرت لترك المدرسة بعد اندلاع الحرب في بلدتها، وبعد عام من بدأ القتال، زوجوها.
يظهر الغضب على ملامح نادية الشابة بشكل خاطف حين تتذكر زواجها الأول ليختف الغضب سريعًا ويعود وجهها لهدوءه: "لم اوافق على هذا الزواج، بل أجبرت عليه إجبارًا. كنت طفلة. كان عمري خمسة عشر عامًا ولم أرد الزواج."
بعد ثمانية أشهر من الزواج، اختطف مقاتلو داعش زوجها ولم تسمع أي خبر عنه منذ اختفائه. كانت حاملاً بطفلها الأول بالفعل حين انتهى زواجها الأول باختفاء زوجها، ولكن لم يطل بها الوقت حتى تم تزويجها مرة ثانية، كزوجة ثانية تلك المرة. كانت نادية في السادسة عشرة عندما حملت للمرة الثانية وفشلت في محاولتها الأولى للهرب.
بعد عودتها لمنزلها بفترة، حاولت نادية الهروب مرة أخرى مع مجموعة كبيرة من العائلات من بلدتها خرجوا معًا في محاولة للوصول لمخيم ديبكة والذي يبعد مسيرة 15 ساعة عن الحويجة. ولكن، في منتصف الطريق، سيطر عليهم الخوف مرة أخرى فعلقوا في منطقة نائية في المسافة بين الحويجة ومخيم ديبكة لمدة شهور، يمنعهم الخوف من استكمال الطريق أو العودة.
بمرور الوقت، أصبح مكان إقامتهم النائي أكثر خطرًا عليهم من الاستمرار أو العودة. فتقول نادية: "نفذ الطعام ولم يعد هناك ماء أيضًا ومرض أطفالنا. معظم العائلات أصابها الدمار."
كما اقترب موعد ولادة نادية فقررت وزوجها مع مجموعة أخرى محاولة العبور واستكمال الطريق برغم الخوف.
بعد وصولها لمخيم ديبكة، ذهبت نادية لعيادة الصحة الإنجابية لصندوق الأمم المتحدة للسكان والتي تخدم النازحات في المخيم حيث ولدت ابنتها الثانية التي كانت حاملاً بها وقت هروبها. كما تتردد نادية على مساحة آمنة للنساء والفتيات مدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان حيث تتلقى دروسًا في الخياطة وتختلط بالأمهات الأخريات في المخيم مما يساعدها في تفادي العزلة.
حكاية نادية ليست نادرة الحدوث في الكوارث الإنسانية، بل هي واحدة من ملايين الفتيات والنساء ممن اعترضت الحرب حياتهن وأحلامهن البسيطة وخططهن للمستقبل. فالفتيات أكثر عرضة لترك المدرسة من الفتيان وقت اندلاع الأزمات، كما أن خطر تسربهن من الدراسة يزيد بنسبة 90% عن غيرهن من الفتيات ممن يعشن في بلاد لا تعاني من الأزمات الإنسانية.
كما أن معدلات زواج الأطفال والزواج القسري عادة ما ترتفع في وقت الكوارث الإنسانية حيث تدفع الكثير من العائلات فتياتهن للزواج ظنًا منهم أن الزواج قد يوفر لهن الحماية، أو بسبب الفقر الذي عادة ما يصاحب تلك الكوارث. ويعني زواج الأطفال زيادة خطر التعرض للمضاعفات الطبية للحمل والولادة المبكرين وهي السبب الرئيس في وفاة الفتيات اليافعات في الفئة العمرية من 15 لـ19 سنة.
إن خطر تعرض الحوامل لوفيات الأمهات و/أو المواليد أو مضاعفات الولادة يزيد كثيرًا في حالة كن من النازحات أواللاجئات أو ممن يعشن في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها. فتموت امرأة كل 3 دقائق في المناطق التي تمر بأزمات إنسانية لأسباب تتعلق بالحمل والولادة مما يعني أن أكثر من 500 امرأة تموت كل يوم لأسباب يمكن تجنب أغلبها.
بعد مرور أربعة أعوام على بدأ القتال في بلدتها وبعد أن مرت نادية ذات الثمانية عشر ربيعًا بزواجين وولادتين واضطرارها للنزوح، أصبحت تجد الحديث عن المستقبل صعبًا:
"لا أعلم كيف أوصف لك أحلامي. الحياة بالمخيم جيدة أحيانًا وسيئة أحيانًا ولكن أحلم أن نعود لبلدتنا."
صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق:
في عام 2018، تمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من تقديم خدمات الصحة الإنجابية لـ742,469 شخص، بالإضافة لتقديم الدعم لـ296,773 ناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال دعم 76 مركزًا لصحة الأمهات و 108 مساحة آمنة للنساء والفتيات.