على غرار شجرة الأركان القوية، تمتد جذور فاضمة عميقا في أرض المناطق القاحلة جنوب المغرب.
لعل القدرة العالية على التحمل والصمود التي تتميز بها كل من فاضمة والغابة تربط مصائرهما ارتباطاً لا ينفصم.
تعتمد فاضمة مثل العديد من سكان المجتمعات المحلية في جنوب المغرب عبر الأجيال على غابات الأركان في حياتها اليومية وسبل العيش والهوية الثقافية.
يوفر زيت الأركان، المعروف محليًا باسم "الذهب السائل"، عبر تصديره مصدر العيش للملايين. ويستخدم الزيت محليًا في الطهي، وقد استخدم في الطب الشعبي لعدة قرون. كما تُستخدم ثمرات وأوراق ولب بذور أشجار الأركان لإطعام المواشي.
تتميز أشجار الأركان بقدرة فائقة على تحمل الجفاف والحرارة الشديدين، لكنها قد لا تنجو من الارتفاع المستمر في درجات الحرارة وزحف رمال الصحراء الكبرى بسبب تغير المناخ.
يهدد تقلص مساحات الغابات بدفع الملايين إلى براثن الفقر، وإجبار النساء والفتيات على التخلي عن تعليمهن بحثًا عن لقمة العيش، مما يعمق مخاطر العنف وزواج الأطفال والحمل غير المقصود، واستمرار دوامة الفقر لأجيال.
جذور التغيير
يد أن التعاونية التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان تضخ الحياة من جديد في محيط فاضمة وفي العديد من المجتمعات المحلية الأخرى التي تعتمد على غابات الأركان، من خلال دعم عمل النساء في هذا القطاع.
"لم يكن لدي دخل منتظم، لكنني الآن أتقاضى راتبا شهريًا بفضل التعاونية." تقول فاضمة، التي يدعمها اتحاد تعاونيات نساء الأركان.
"تساعدنا هذه المكاسب على تقاسم نفقات البيت وضمان تعليم الأطفال."
على غرار تعاونية فاضمة، توظف التعاونيات المحلية عشرات الآلاف من النساء لحصاد البذور و استخراج زيت الأركان، مع الحفاظ على التقاليد والممارسات ذات الصلة.
"تلعب النساء دورًا أساسيا في الحفاظ على غابات الأركان. حيث تساهم النساء في التنمية المستدامة بينما يحصلن على مصدر دخل ثمين" تقول جميلة إيدبوروس، مديرة اتحاد تعاونيات نساء الأركان.
تقديرا لتراث الأركان، اعتمدت الجمعية العامة قراراً أعلنت فيه يوم 10 مايو / أيار يوماً دولياً لشجرة الأرگان، والذي تم الاحتفال به لأول مرة في المغرب في هذه السنة.
وتخلل هذا الاحتفال لقاء خمسة أجيال من النساء والفتيات القرويات مع الفاعلين المحليين والجامعيين ورجال الأعمال لإيجاد طرق جديدة للتكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك مشاركة تجارب أخرى من بلدان الجنوب.
نكبر سويا
انخرطت تعاونية فاضمة في We-Men engaged for change، أول تحالف من الجمعيات يعمل من أجل العدالة الاجتماعية والعدالة المناخية والمساواة بين الجنسين في المغرب والذي تم إطلاقه في تموز/يوليو 2022.
يهدف التحالف إلى مساعدة النساء والفتيات على التغلب على التحديات التي يواجهنها ، وتمكينهن من تحقيق إمكاناتهن كرائدات في حل المشكلات.
نظرًا لأن آثار تغير المناخ تؤثر على وصول النساء والفتيات إلى الرعاية الصحية - لا سيما الخدمات المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية - يعمل التحالف على توفير خدمات رعاية الأمهات وتنظيم الأسرة المتنقلة علاوة على المشورة في المناطق القروية.
ويتم العمل مع المجتمعات المحلية لزيادة الوعي حول تأثير تغير المناخ الأكثر حدة على النساء والفتيات بالمقارنة بفئات كثيرة من الرجال، خاصة إذا لم يتم حماية حقوقهن واحترامها.
تهدد الأزمات المرتبطة بالمناخ بتفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي، لذلك يعمل التحالف مع المجتمعات المحلية للوقاية من العنف ولضمان حصول الناجيات على رعاية ذات الجودة.
"تركز المبادرة بشكل مباشر على النساء والفتيات المعرضات لخطر التخلف عن الركب، وخاصة الفتيات القرويات اللاتي لا يعملن ولا يدرسن." يصرح عبد الإله يعقوبد، نائب ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب.
ويضيف "يتم التأكيد بشكل خاص على القضايا المهمة التي تؤثر عليهن - من الحماية الاجتماعية إلى الوظائف وتغير المناخ - وتهدف إلى تحسين مهاراتهن وفرصهن. بشكل عام، تساعد هذه المبادرة في دعم صمود النساء والفتيات ومجتمعاتهن والغابات التي يعتمدن عليها، مع الحفاظ على تراثهن الغني والتعلم منه."
يوم 11 تموز/يوليو، اليوم العالمي للسكان، يصادف الذكرى السنوية الأولى للتحالف الذي يصبو بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أهداف طموحة في المستقبل، بما في ذلك تمكين النساء والفتيات من العمل كقيادات في مجتمعاتهن ولعب أدوار ريادية في المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ.
يلوح أمام فاضمة والعديد من النساء والفتيات الأخريات مستقبل مشرق.