ليس مدعاة للشعور بالخزي
تعاني مئات الآلاف من النساء والفتيات في البلدان الفقيرة والنامية من ناسور الولادة، ويقاسين بسببه الوصم والخزي والإذلال والعزلة والتمييز، وكثيرًا ما يتخلى عنهن أزواجهن وأسرهن وتنبذهن مجتمعاتهن المحلية. وناسور الولادة؛ ثقب بين قناة الولادة والمثانة و/أو المستقيم ينجم عن عمليات الولادة الطويلة والمتعسرة مع عدم توافر إمكانية الحصول على علاج طبي عالي الجودة في الوقت المناسب، وهو يجعل النساء والفتيات يعانين من تسرب البول أو البراز أو كليهما، ويؤدي في أغلب الأحيان إلى مشكلات طبية مزمنة، والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، فضلًا عن تفاقم الفقر.
في كل عام، تصاب من 50,000 إلى 100,000 امرأة وفتاة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومنها بلدان المنطقة العربية، بناسور الولادة، وتشير التقديرات إلى أن هناك مليوني امرأة وفتاة بحاجة إلى عمليات إصلاح، غير أنه يكاد يكون من الممكن اتقاء حدوث هذه الإصابة تمامًا. ويدل استمرار الإصابة به على التفاوت وعدم المساواة على الصعيد العالمي، كما أنه مؤشر على إخفاق النظم الصحية والاجتماعية في حماية صحة وحقوق الإنسان للنساء والفتيات الأشد فقرًا والأكثر احتياجًا وضعفًا. وتقول زينب* محمد، من بوركو ـ الصومال،: "لقد كنت أشعر بالذل والإهانة وبأني منبوذة من مجتمعي، وبدأ هذا يؤثر عليّ نفسيًا".
وقد تتعرض النساء والفتيات المصابات بناسور الولادة للوم من أفراد مجتمعهن بسبب حالتهن، إذ يعتبرون ناسور الولادة عقابًا على خطيئة أو مرض تناسلي أو لعنة. وعن ذلك تحدثت ليلى*، وهي امرأة فقيرة من تعز باليمن تبلغ من العمر 34 عامًا، قائلة: "بعد أن أنجبت طفلي، بدأت أعاني من تسرب البول، ولم أستطع شراء حفاضات. لذلك قررت حبس نفسي في المنزل لعدة أيام وعدم مقابلة أي شخص. وعندما قررت الخروج، تعرضت للتنمر من قبل بعض الأشخاص الذين وصفوني بالحيوانة لأنني كنت أتبول على نفسي."
أجساد مصابة وحيوات مدمرة
إذا تُرك ناسور الولادة دون علاج، فإنه يسبب ألمًا هائلاً والتهابات وتقرحات وسلس البول المزمن ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الأمراض الجسدية الأخرى، بما في ذلك الالتهابات المتكررة وأمراض الكلى والتقرحات المؤلمة والعقم.
ولا يتسبب ناسور الولادة في حدوث إصابات جسدية فحسب، بل عواقبه النفسية أيضًا وخيمة ـ إذ يمكنها أن تدمر العلاقات وتنهي الزيجات، فمن الأمور الشائعة أن تواجه النساء المصابات بالناسور الطلاق لأنهن لا يستطعن تلبية الاحتياجات الجنسية لأزواجهن و/أو يصبحن غير قادرات على إنجاب الأطفال، بالإضافة إلى رائحة البول التي لا يحتملها الكثير من الأزواج. ومن ثم، فهن يعانين من الاكتئاب والأفكار الانتحارية وغيرها من المشكلات المتعلقة بالصحة العقلية. ومع حرمانهن من فرص سبل العيش وكسب الرزق، يدفعن دفعًا نحو السقوط في براثن الفقر والضعف وتردي أحوالهن المعيشية.
وقالت مروة *، وهي طفلة عروس من الحديدة، اليمن: "بعد شهر من ولادة طفلي، تم تشخيص إصابتي بناسور الولادة. فقرر زوجي أن يطلقني. ونعتني بأنني امرأة معطوبة وانسانة مدمرة".
الطفلات العرائس يواجهن عبئًا مزدوجًا من المأساة
في حين أن ناسور الولادة لا يميز بين النساء والفتيات على أساس العمر، تواجه الطفلات العرائس عبئًا مزدوجًا من المأساة. فهن معرضات أكثر من غيرهن لخطر الإصابة به نظرًا لضعفهن البدني وصغر حجمهن ودقة أجسامهن التي قد لا تكون مهيأة بعد للولادة. لذلك غالبًا ما تكون عمليات الولادة لديهن طويلة ومتعسرة.
"كان عمري 15 عامًا في ذلك الوقت. قضيت ما يقرب من 8 ساعات في غرفة العمليات. لا أستطيع تذكر أي شيء سوى أن قلبي كاد أن يُنتزع من مكانه من فرط البكاء ألمًا. وبعد كل هذه المعاناة خرج الطفل ميتا. هكذا قالت سهام * من اليمن التي عانت من ولادتين ميتتين وناسور ولادة متكرر بسبب صعوبة ولادتها.
يمكن علاجه والوقاية منه
تعاني النساء المصابات بناسور الولادة من صدمة كبيرة، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه هي نهاية قصتهن. فمن حقهن الحصول على فرصة ثانية، واستعادة حياتهن وكرامتهن. إذ يمكن علاج ما يصل إلى 95 في المائة من حالات الناسور وإغلاقه بالجراحة.
لقد تغيرت حياة زينب* من بوركو، الصومال، تمامًا عقب خضوعها لجراحة إصلاح الناسور في عام 2018، فقد أصبحت تتمتع بحياة لا تعاني فيها من ناسور الولادة، واستعادت كرامتها، وقد عبرت عن ذلك بقولها: "لم أكن أبدًا أكثر سعادة في حياتي مما أنا عليه الآن. يمكنني الآن المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتفاعل مع الجميع بسهولة. ولم أعد أشعر بالوحدة."
ولكن قبل الوصول إلى مرحلة العلاج، يجب أن يكون التركيز على الوقاية. ومن أجل التصدي لارتفاع معدل الإصابة بناسور الولادة ووفيات الأمهات، يتعين على المسؤولين الصحيين وواضعي السياسات العمل على ضمان توفير القابلات المدربات والرعاية اللازمة في جميع الولادات وتوفير رعاية التوليد الطارئة عالية الجودة في الوقت المناسب لجميع النساء والفتيات اللائي يصبن بمضاعفات في أثناء الولادة.
تكثيف الجهود الرامية إلى القضاء على ناسور الولادة
يقود صندوق الأمم المتحدة للسكان الحملة العالمية للقضاء على ناسور الولادة، والتي تمثل ما يقرب من 100 وكالة شريكة على الصعيد العالمي ومئات الوكالات الأخرى على الصعيدين الوطني والمجتمعي. وتتواجد الحملة في أكثر من 55 بلدًا في أفريقيا وآسيا والمنطقة العربية وأمريكا اللاتينية/ ومنطقة البحر الكاريبي، وتركز على أربعة "ركائز" رئيسية، هي: الوقاية والعلاج وإعادة الإدماج الاجتماعي وإعادة التأهيل والتوعية. وتوفّر هذه الاستراتيجيات الأربع، التي تسترشد بمبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بعدم التمييز والمشاركة والمساءلة، إطارًا تنفيذيًا للتطبيق العملي لنهج قائم على حقوق الإنسان في السياسات والبرامج الرامية إلى القضاء على ناسور الولادة والعديد من أمراض الأمومة الأخرى. وقد دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان أكثر من 138000 عملية إصلاح جراحية (من عام 2003 إلى عام 2022) ساعدت في استعادة الكرامة لعدد لا يحصى من النساء والفتيات وتغيير حياتهن. وفي المنطقة العربية، يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان علاج ناسور الولادة في اليمن مما يتيح للنساء الحصول على جراحات إصلاح وعلاج الناسور المجانية والمساعدة في إعادة تأهيلهن و إدماجهن في المجتمع.