الأمم المتحدة، نيويورك –بالرغم من أن الخسائر البشرية التي يحصدها وباء فيروس كورونا (كوفيد -19) في مجرد بدايتها، إلا أن الخبراء يقدرون بأن تكون خسائره البشرية استثنائية. حيث أظهر تحليل جديد أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤه أن الاضطرابات الاقتصادية والمادية الناجمة عن المرض يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على حقوق وصحة النساء والفتيات.
يمكن لمستويات كبيرة من التعطل المرتبط بالإغلاق المتواصل لمدة 6 أشهر أن تترك 47 مليون امرأة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل غير قادرة على استخدام وسائل تنظيم الأٍسرة الحديثة، مما يؤدي إلى توقع 7 ملايين حالة إضافية من الحمل غير المرغوب فيه. وقد تؤدي ستة أشهر من الإغلاق المتواصل إلى 31 مليون حالة إضافية من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.
كما يُتوقع أن يتسبب الوباء في حدوث تأخير كبير في البرامج الرامية إلى إنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وإنهاء زواج الأطفال، مما سيؤدي بدوره إلى زيادة عدد حالات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الختان) خلال العقد المقبل بنحو مليوني حالة عما كان سيحدث لولا ذلك. هذه البرامج المتأخرة، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية المتزايدة على مستوى العالم، قد تؤدي إلى ما يقدر بنحو 13 مليون زواج للأطفال على مدى 10 سنوات.
هذه الأرقام -التي تم إنتاجها بالتعاون مع شركاء الصندوق من مؤسسة أفينير هيلث وجامعة جونز هوبكنز (الولايات المتحدة الأمريكية) وجامعة فيكتوريا (أستراليا) - هي تقديرات تقريبية. فما زال الكثير غير معروف حول كيف سيظهر الوباء والاستجابة له وكيف سيتطور في جميع أنحاء العالم. ولكن مجتمعة، تقدم التوقعات لمحة مستقبلية تدق ناقوس الخطر قد تواجه النساء والفتيات إذا لم يتم بذل جهود عاجلة لضمان رفاههن وضمان حقوقهن.
قالت الدكتورة ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "تظهر هذه البيانات الجديدة الأثر الكارثي الذي يمكن أن يحدثه قريبًا فيروس كورونا (كوفيد -19) على النساء والفتيات على الصعيد العالمي".
تصاعد العنف، وتضاؤل الدعم
يشهد العالم بالفعل علامات تدل على تصاعد العنف ضد النساء والفتيات، مع زيادة البلاغات على الخطوط الساخنة للعنف المنزلي ومراكز الأزمات وموظفي العدالة.
ويتوقع التقييم الجديد مسارين يمكن أن يساهم فيهما الوباء في زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي. المسار الأول من خلال تعطل البرامج الرامية إلى منع العنف وتقديم الخدمات والرعاية والدعم للناجين. والمسار الثاني من خلال زيادة إجمالي أعمال العنف حيث أن الإغلاق يبقي النساء مع المعتدي عليهن، وفي ظل ظروف تحمل الأسر ضغوطًا مثل الاضطراب الاقتصادي.
وتشهد غدير محمد إبراهيم قارا بولاد أن كلا هذين العاملين يظهران بالفعل. وهي مديرة مشروع تنمية المرأة في الجمعية الخيرية الإسلامية، التي تعمل مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في حمص، سوريا.
قالت لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "خلال فترة حظر التجول، قابلت الكثير من النساء اللاتي يواجهن العنف من قبل أزواجهن"، "لقد زاد بشكل واضح."
وذكرت بولاد أنه قد تم إغلاق العديد من الساحات الآمنة، مما يعني أنه النساء اللآتي يعانين بالفعل من علاقات مسيئة،أصبحن حبيسات المنازل".
كما شهدت إساءة معاملة مباشرة أثناء زيارة العائلات لرفع مستوى الوعي حول جهود الوقاية من المرض: قالت متذكرةً "رأيت امرأة تتعرض للضرب من قبل زوجها أثناء حظر التجول، حيث فقد الزوج وظيفته ولم تتمكن المرأة من السيطرة على أطفالها التسعة". "أخبرتني امرأة أنها تتعرض لعنف الحميم من زوجها، والذي يتكرر بشكل يومي، لأنه فقد وظيفته. كما رأيت زوجة تتعرض للضرب أمام أطفالها".
تقلص الاختيارات
يشهد العالم بالفعل اضطرابات واسعة النطاق في خدمات تنظيم الأسرة.
في العديد من الأماكن، تغلق المرافق الصحية أو تحد من خدماتها. عندما تكون النظم الصحية منهمكة في الاستجابة لحالات فيروس كورونا (كوفيد -19)، فقد لا يكون لدى الطاقم الطبي الوقت أو معدات الحماية الشخصية اللازمة لتقديم المشورة ومستلزمات تنظيم الأسرة. في بعض الأماكن، تمتنع النساء عن زيارة المرافق الصحية بسبب قيود الحركة أو مخاوفهن من التعرض للإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19).
بالإضافة إلى ذلك، فإن اختلالات سلسلة التوريد تحد من توافر وسائل تنظيم الأسرة في العديد من الأماكن. على مدى الأشهر الستة المقبلة، من المتوقع نفاد المخزون في أكثر من اثني عشر دولة من البلدان ذات الدخل المنخفض. علاوة على كل ذلك، يتوقع صندوق الأمم المتحدة للسكان حدوث تعطل كبير في الجهود المخطط لها لزيادة الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة للفئات الأكثر ضعفا وتهميشا.
يبحث التقييم في درجات مختلفة من انقطاع الخدمة والمدد المختلفة لانقطاعها. إن الحد الأدنى لمدة ثلاثة أشهر من الإغلاق المتواصل مع أدنى حد لانقطاع الخدمة، من شأنه ألا يُمكِن ما يقدر بـ 13 مليون امرأة من استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة، مما يؤدي إلى 325000 حالة من الحمل غير المرغوب فيه. في أسوأ السيناريوهات، مع انقطاع الخدمة بشكل كبير لمدة عام كامل، لن تتمكن 51 مليون امرأة من استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة، مما سيؤدي إلى حدوث 15 مليون حالة من الحمل غير المرغوب فيه.
قالت الدكتور كانيم "إن الوباء يعمق من أوجه عدم المساواة، وتواجه ملايين النساء والفتيات الآن خطر عدم قدرتهن على التخطيط لعائلاتهن وحماية أجسادهن وصحتهن".
ملايين الفتيات في خطر
كما يُتوقع أن يزداد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان وزواج الأطفال، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التأخر في تنفيذ البرامج لإنهاء هذه الممارسات الضارة. غالبًا ما تتم أنشطة البرامج التي تتناول هذه الممارسات الضارة في تجمعات، وتتضمن تبادل المعلومات ووجهات النظر. وبدون هذه البرامج، يقدّر تحليل صندوق الأمم المتحدة للسكان أن مليوني حالة إضافية من حالات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية المعروف بالختان يمكن أن تحدث خلال العقد القادم كان من الممكن تفاديها لولا ذلك.
وبالمثل، فتعطل الجهود الرامية إلى إنهاء زواج الأطفال سيؤدي إلى زيادة ملايين من حالات زواج الأطفال على مدى السنوات العشر القادمة. ولأن الفقر هو الدافع المعروف لزواج الأطفال - حيث من المرجح أن تقوم الأسر بتزويج بناتهن في أوقات الضغوط الاقتصادية للتخفيف من العبء المتصور لرعايتهن - من المتوقع أن تؤدي العواقب الاقتصادية المتوقعة للوباء إلى ملايين من حالات الزواج المبكر. والأرقام مجتمعة تدل على أنه من المتوقع أن يتم زواج نحو 13 مليون طفل بحلول عام 2030 وأنه كان من الممكن تفادي هذه الحالات.
وأكدت د. كانيم أن هذه التوقعات لا يجب أن تكون مستقبلنا. فالعالم يمكنه أن يتخذ خطوات لضمان استمرار الحصول على رعاية الصحة الإنجابية وحماية حقوق وكرامة جميع النساء والفتيات. وأضافت: "يجب حماية الصحة والحقوق الإنجابية للمرأة بأي ثمن". و"لابد من مواصلة تقديم الخدمات، ويجب تسليم الإمدادات، ويجب حماية المستضعفين ودعمهم ".