ستزداد الأوبئة شراسةً ما دامت التفاوتات آخذةً في التفاقم
بينما يعاني العالم من جائحة كوفيد-19 للعام الثالث على التوالي، لا يمكننا أن ننسى أننا أيضًا على أعتاب العقد الخامس لمتلازمة نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز). إن استمرار انتشار هذين الفيروسين يكشف عن التفاوتات الاجتماعية والصحية والقانونية والاقتصادية الصارخة التي تواجهها المجتمعات المستضعفة في جميع أنحاء العالم -ما يجعل ملايين النساء والفتيات يعانين من عواقب وخيمة يعجز دونها الوصف.
لقد توقفت -خلال الأعوام الأخيرة- الجهود الرامية إلى القضاء على الإيدز بحلول عام 2030، علمًا بأن هذا التوقف لا يعود إلى نقص المعارف أو الأدوات، ولكن يعود إلى حقيقة أن هذه التفاوتات تحول دون الوصول إلى سبل الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وعلاجه. علاوةً على ذلك، تتفاقم أزمة المستضعفين في ظل أزمة كوفيد-19، إذ تتعرض النظم الصحية لضغوط شديدة وتقلص العديد من البلدان الخدمات الجنسية والإنجابية.
أدت الجائحة كذلك إلى تفاقم ظاهرة العنف ضد المرأة، كما أن أولئك الذين يتعرضون للعنف الجنسي من الشريك الحميم هم أكثر عرضةً للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب. إن التهديد بالعنف يمنع الكثير من المحتاجين من السعي للوقاية من الفيروس وإجراء الاختبارات والحصول على العلاج والدعم. لا يمكننا فصل عدم قدرتنا على احتواء جائحتي الإيدز وكوفيد-19، وكذلك "الجائحة الظل" للعنف القائم على النوع الاجتماعي، عن البلاء المميت الذي نعاني منه جميعًا -آفة عدم المساواة.
يتضح هذا عندما يواجه المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب تهديدات متزايدة بالتهميش الاجتماعي والتحي، كما نرى ذلك واضحًا في أوجه الضعف المتزايدة – العنف والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والتخلف عن الركب- التي تواجهها الفتيات المراهقات وباقي الفئات المهمشة.
تتفاقم الأوبئة عندما تزداد التفاوتات. ولذلك، يجب أن يكون القضاء على أوجه التفاوت هو حجز الزاوية في استجابة قطاع الصحة العامة الرامية إلى القضاء على الإيدز وتجنب الأوبئة في المستقبل. علاوةً على ذلك، يجب أن تهدف مبادرات الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة إلى القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحقيق التوازن بين ديناميات القوة غير المتكافئة، ومكافحة المعايير الضارة المتعلقة بالنوع الاجتماعي. يمكننا وقف جائحة الإيدز، ولكن هذا يتطلب منا قيادة سياسية قوية وإجراءات حاسمة ومساءلة جميع الأطراف.
تصيب الفيروسات الجميع دون تمييز. ولهذا، فإن السياسات التي نضعها للقضاء عليها لا يمكنها التمييز أو التفرقة. ما لم نلتزم بتقديم الخدمات الصحية للجميع ونعيد تشكيل استجاباتنا للإيدز وغيره من الأوبئة، ستسمر هذه الأوبئة في تدمير أرواح الناس والمجتمعات وتقسيمها. تجدر الإشارة إلى أن الاستثمار في بناء أنظمة صحية أكثر مرونةً سيؤدي إلى تقليل أوجه التفاوت وزيادة النمو وتوفير مزيد من الأمن للجميع.
ضمان العدالة الجنسية والإنجابية هو الطريق إلى ضمان الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية للجميع وللأبد.