"لا أعتقد أن العالم يمكنه تصوّر حياة امرأة تعيش في سوريا اليوم". هذا ما قالته شذى، وهي امرأة من دير الزور وناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ففي نهاية عام 2023، أصبحت دير الزور واحدة من النقاط الساخنة لأسوأ تصعيد للنزاع في سوريا منذ عام 2019، وقد أدى هذا التصعيد الجديد إلى نزوح أكثر من 120,000 فرد وأثر بشدة على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وإمدادات المياه. كما جاءت هذه الزيادة في العنف في أعقاب زلزال كارثي في شباط/فبراير من العام نفسه، والذي خلّفَ دمارًا واسع النطاق في الشمال الغربي من البلاد، مما أثر على ما يقرب من 9 ملايين شخص.
وبعد ثلاثة عشر عامًا من بداية الأزمة في عام 2011، تستمر قدرة الخدمات الأساسية في سوريا في التآكل والاضمحلال. وعلى الرغم من الجهود المستمرة للجهات الفاعلة الإنسانية، لا تزال الأزمة في سوريا واحدة من أكثر حالات الطوارئ الإنسانية والحماية تعقيدًا في العالم. وفي عام 2024، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، وهو أعلى رقم منذ عام 2011. ويشمل ذلك أكثر من 8 ملايين امرأة وفتاة، حوالي 4.1 مليون منهن في سن الإنجاب. وفي الوقت نفسه، لا يزال أكثر من 6.3 مليون لاجئ سوري في خمس دول مجاورة – تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر — نصفهم تقريبًا من النساء والفتيات اللواتي يواجهن مخاطر متزايدة من العنف والاستغلال وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وبالإضافة إلى افتقار العديد من النساء والفتيات إلى الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الجيدة، لا يزال العنف القائم على النوع الاجتماعي سمة الحياة اليومية للنساء والفتيات المتأثرات بالأزمة.
تقول سالي، وهي شابّة من سكان مخيم العريشة في سوريا: "لقد تدهورت الأمور بشكل كبير في السنوات الأخيرة". وكانت سالي قد أُرغمتْ على الزواج في سن الرابعة عشرة، أي بعد فترة وجيزة من بدء الأزمة، ولكنها لحسن الحظ وجدتِ الدعم في إحدى المساحات الآمنة التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، وقد ساعدها هذا الدعم وهذه المساحة على التعافي من صدمتها. "لا تختلف قصتي عن قصة الكثير من الفتيات هنا، ولكن لا يُتاح للعديد منهنّ فرصة العثور على الدعم الذي حظيتُ به أنا."
تتأثر تجارب النساء والفتيات مثل سالي بشدة بأشكال مترابطة من العنف وعدم المساواة بين الجنسين، وغالبًا ما تتفاقم بسبب المواقف التمييزية المتعلقة بالعمر وحالة النزوح والإعاقة والحالة الاجتماعية. وتشير التقارير باستمرار إلى انتشار التحرش والعنف من الشركاء الحميمين وأفراد الأسرة وزواج الأطفال والزواج القسري الذي يؤدي إلى الحمل المبكر، فضلاً عن العنف والاستغلال الجنسيين. وبالإضافة إلى ذلك، شهدت السنوات الأخيرة انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تيسره التكنولوجيا باعتباره مصدر قلق متزايد.
وتؤدي هذه الظروف إلى إبقاء النساء والفتيات في بيئة مؤذية يتعرضن فيها لتهديد مستمر، مما يؤدي إلى التقليل من شأنهنّ والتلاعب بهن واستغلالهن وإلقاء اللوم عليهن بعد ذلك. وتواجه الفتيات المراهقات، على وجه الخصوص، العديد من العقبات والتي غالباً ما تُصاحبهنّ طوال حياتهن. وغالبًا ما تبدأ هذه التحديات بتقييد حرية التنقل والعنف المنزلي، ومن ثم تتطور إلى قضايا مثل زواج الأطفال والزواج القسري، والعنف المنزلي المستمر، والحمل المبكر، والعنف الجنسي، والاستغلال مع تقدمهنّ في العمر. ويزيد الأمرَ سوءاً حرمانهن من الفرص التعليمية، وهو أمرٌ يقلل من آفاق مستقبلهن، مما قد يؤدي إلى حبسهنّ في دورة لا متناهية من العنف والاستغلال.
وتعصف تحديات مماثلة بحياة أكثر من 6.3 مليون لاجئ سوري منتشرين في البلدان المجاورة، تتعرض فيها النساء والفتيات خصوصاً للمخاطر. وقد زادت الأزمة المستمرة من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يعيش العديد من اللاجئين في مناطق مكتظة بالسكان تكثر فيها المضايقات وحوادث الاعتداء والاستغلال، وتبقى هذه تهديدات مستمرة. كما دفعت التداعيات الاقتصادية للحرب، التي تفاقمت بسبب الأحداث العالمية مثل الصراع في أوكرانيا، العائلات إلى اللجوء إلى تدابير يائسة للبقاء على قيد الحياة، مثل زواج الأطفال والزواج القسري.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه اللاجئون السوريون العديد من العقبات في البلدان المضيفة لهم، مما يعقد رحلتهم نحو التعافي وإعادة بناء حياتهم. وتتراوح هذه العقبات من الاختلافات اللغوية والثقافية إلى التمييز العنصري والمصاعب الاقتصادية والحواجز التي تحول دون الوصول إلى فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والخدمات الحيوية. وبالنسبة للنساء والفتيات اللاجئات، لا تزيد هذه التحديات من تعرضهن للعنف والاستغلال فحسب، بل تعيق أيضًا لجوئهن القانوني وجهودهن نحو الاندماج الاجتماعي، مما يؤدي إلى تهميشهن واستبعادهن من المجتمع.
والأهم من ذلك، أن المحنة المتفاقمة للسوريين تشكل تحذيرًا صارخًا وسط تصاعد النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ الإنسانية في جميع أنحاء العالم. فكل أزمة من الأزمات الإقليمية في غزة والسودان واليمن ولبنان بالإضافة إلى الأزمات البعيدة كالصراع في أوكرانيا تتطلب اهتماماً عاجلاً ومساعدات كبيرة. وإن مشهد الأزمة المتنامي هذا يستنزف الموارد الإنسانية الشحيحة أصلاً، مما يتسبب في تراجع الاهتمام باحتياجات السوريين وتضاؤل الدعم المقدم للأكثر ضعفاً منهم.
إن نقص التمويل للجهود الإنسانية في سوريا، وخاصة تلك التي تستهدف النساء والفتيات، له تأثير ملموس على العديد من المجتمعات. فمرافق الرعاية الصحية الإنجابية الحيوية، التي تقدم خدمات منقذة للحياة، على وشك الإغلاق. كما يتم إغلاق المساحات الآمنة للنساء والفتيات، وهي ضرورية للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يتركهن دون ملجأ أو دعم.
وعلى الرغم من هذه الصعاب المستحيلة، فإن صندوق الأمم المتحدة للسكان ملتزم بتلبية الاحتياجات الهائلة في عام 2024. ففي العام الماضي وحده، قدم صندوق الأمم المتحدة للسكان، كجزء من استجابته الإقليمية للأزمة، خدمات الصحة الجنسية والإنجابية لأكثر من 1.9 مليون شخص ودعمَ أكثر من 880,000 فرد ببرامج تهدف إلى الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والتصدي له. وبالإضافة إلى ذلك، تلقت أكثر من 365000 فتاة يافعة الخدمات الأساسية، بينما استفادت أكثر من 16000 امرأة من المساعدة النقدية والقسائم.
وللحفاظ على استجابته خلال العام المقبل، يناشد صندوق الأمم المتحدة للسكان الحصول على 132.5 مليون دولار، سيتم تخصيص حوالي 67.3 مليون دولار منها للبرامج في جميع أنحاء سوريا. ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى إيلاء الناس الأولوية على المصالح السياسية وضمان تمويل الاستجابة الإنسانية بالكامل — ليس فقط لتلبية الاحتياجات الملحة ولكن أيضًا للاستثمار في بناء سوريا وجعلها أكثر قدرة على الصمود.