إب، اليمن – تزوجت شكرية وعمرها لم يجاوز التاسعة. جرى الترتيب للزواج تسوية لدين على أسرتها لشيخ عمره 50 عاما. قالت شكرية وهي تتذكر ذلك: "أبلغ الرجل والدي بأنه سيتجاوز عن أمر الدين ويعطيه المزيد من الأموال لو تمكن من أخذي كعروس له. ومن ثم فهكذا تزوجت."
كان الزواج كابوسا، منذ الأيام الأولى. قالت: "مارس الجنس معي بعد 3 أيام من الزفاف. كانت التجربة بكاملها مروعة، فلم أكن أعرف ما الذي يحدث لي."
كانت شكرية، كزوجة ثانية لزوجها، في نفس سن عدد من أطفاله – ومع هذا فقد تبخرت طفولتها. أرغمت على الانقطاع عن المدرسة لتتمكن من الوفاء بواجبات البيت.
وعلى مر السنين، اصبح لديها 10 أطفال.
ضياع كل شيء
في مرحلة مبكرة من زواجها، انتقلت العائلة إلى المملكة العربية السعودية، وبدأت شكرية التركيز على عمل وبيع المصنوعات اليدوية. كانت تفخر بعملها، وتدخر المال "لمساعدة زوجي على شراء بيت لنا في اليمن."
وبعد مرور 25 عاما، تمكنوا من شراء منزل في اليمن. لكن ما لبثوا أن عادوا من السفر حتى طلقها زوجها، وتزوج من جديد وباع البيت. قالت: "بإمكاني أن أستوعب زواجه من امرأة أخرى، لكن ما حطم قلبي فعلا كان قيامه ببساطة ببيع المنزل من دون معرفتي. عندما سمعت بذلك، شعرت بأن كل جهودي في الحياة راحت هباء".
ومع هذا، فهي لم تستسلم. قالت: "بعت كل ما لدي من حلي ذهبية وأعدت شراء البيت. وهذه المرة جعلت المنزل باسمي."
لكنها وأطفالها لم يكونوا آمنين هناك.
تعرضوا لاعتداء من قبل إحدى العصابات، وواجه أبناؤها متاعب في محاولة الدفاع عن المنزل. بعد ذلك حاول زوجها وابن أخيه بيع المنزل على رغم اعتراضاتها.
وقد نجحوا في النهاية. وأُلقي بشكرية وأبنائها في العراء.
بداية جديدة
قالت حياة الكينعي، رئيسة أحد مراكز المرأة في إب، الذي يديره اتحاد نساء اليمن والذي هو بدوره أحد شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان، قالت: "جاءت شكرية إلينا تلتمس المساعدة في مواجهة الظلم الذي تعرضت له." وأوضحت: "تُحرم الكثير من النساء في إب، مثل شكرية، من الموارد والحصول على الثروة لا لشيء إلا لأنهن نساء."
النساء في اليمن في غاية الاستضعاف، فهن لسن فقط معرضات لانتهاكات مثل زواج الأطفال، بل أيضاً للفقر والعنف. كما أن لديهن فرصة أقل فى الحصول على الرعاية الطبية والتعليم والتدريب وفرص تملك العقارات والإقتراض مقارنة بالرجال. في 2013، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس الثقافى البريطاني برنامج "برنامج سبرينج بورد لتنمية المرأة" في اليمن. ويهدف البرنامج، الذى يعمل في ما يزيد عن 30 بلدا، إلى تمكين النساء المستضعفات اقتصاديا واجتماعيا. حيث يساعد المدربون النساء على تحديد أهدافهن الشخصية والمهنية، ثم يساعدهن في تطوير المهارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف.
وقد ساعد مركز المرأة شكرية على الالتحاق ببرنامج سبرينج بورد.
والآن، وقد بلغت 55 عاما، تستكمل شكرية عامها الثاني في الجامعة، وقد تخصصت في الإرشاد والدعم النفسي.
ولم يكن هذا بالأمر السهل، إذ تعاني عائلتها من ضيق المكان في منزل صغير مستأجر. لكن شكرية تملك عزيمة قوية. قالت: "أنا أدرس القانون أيضاً. أردت أن أكون محامية لكي أتمكن من الدفاع عن قضيتي واستعادة منزلي."
وفر اتحاد نساء اليمن كل المعلمين لمساعدتها في دراساتها. قالت السيدة حياة الكينعي: "شكرية مصدر فخر وإلهام لنا جميعا. ومن النادر جدا أن تعود سيدة في اليمن، في مثل سنها، ومع 10 أولاد، إلى الدراسة من جديد. إن شكرية تقول لنا إنه ليست هناك حدود لعمل أو تعلم أي شيء."
كما أنها مصدر إلهام لأبنائها. قالت شكرية بفخر: "لم أترك ابنتاي تمضيان في نفس المسار. فكلتاهما في الجامعة."
الصعوبات تزداد
لقد جعل النزاع في اليمن الحياة أكثر صعوبة للنساء والفتيات. تتجه الأسر بشكل متزايد إلى زواج الأطفال في محاولة لمواكبة الصعوبات المتزايدة. كما يبدو أن العنف ضد النساء فى تصاعد.
في البداية كان على برنامج سبرينج بورد التوقف بسبب انعدام الأمن. لكن مع مطلع العام الماضي، نجح صندوق الأمم المتحدة للسكان والمجلس الثقافى البريطاني في استئناف عمل البرنامج حيث يركز هذه المرة على النساء اللاتي تعشن في ظروف النزوح. يتم تقديم المنح لمساعدة المستضعفات على إقامة مشروعات مدرة للدخل.
بالنسبة لشكرية، فهي تريد أن تستغل فرصتها الثانية لمساعدة نساء أخريات.
قالت السيدة حياة الكينعي: "نحن نعتزم تأسيس مأوى للناجيات من العنف القائم على النوع في محافظة إب بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان. ونعتقد بأن شكرية ستكون اختيارا مثاليا لإدارة الملجأ نظراً لخبراتها الحياتية وروحها القتالية."
قالت شكرية: "إن قطرة من المطر يمكن أن تعيد الأرض إلى الحياة. وأحب أن أكون هذه القطرة."