المنطقة العربية منطقة شابة، حيث أن أكثر من نصف سكانها تحت سن الثلاثين. ونظريًا، تعتبر التركيبة السكانية الشابة فرصة ذهبية للتحرر من قيود الفقر والعنف التي تعاني منها المنطقة منذ عقود. إلا أن تلك الفرصة، على ما يبدو، تواجه عقبات متمثلة في التهميش والإقصاء، لدرجة أن 30% تقريبًا من الشباب في المنطقة العربية يرغبون في الهجرة على ألا يعودوا أبدًا، بحسب بحوث أجرتها منظمة العمل الدولية مؤخرًا.[1]
وهناك تحديات كبرى تُعيق إمكانية تحقيق المنطقة لقفزة إلى مستقبل أفضل يقودها الشباب؛ فمعدل بطالة الشباب في المنطقة هو الأعلى في العالم، إذ يُقدّر بنحو 30%. وتحتاج المنطقة لخلق أكثر من 60 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر المقبلة لامتصاص الوافدين الجدد من الشباب على قوة العمل. وتبلغ معدلات البطالة حدًا أعلى في أوساط النساء، بما يناهز الـ 44%[2]، وتؤثر النزاعات والنزوح على أعداد كبيرة من الشباب بينما تستمر عمليات ومباحثات السلام في تهميش أصواتهم، حيث يحتل مقاعد المسارات الرسمية لتحقيق السلام أولئك الأكبر سنًا كما جرت العادة. وليس من المثير للدهشة إطلاقًا أن معدل المشاركة السياسية الرسمية للشباب العربي هو الأدنى مقارنة بالمعدلات بمناطق العالم الأخرى.[3]
لكن في ديسمبر/كانون الأول 2018 خطى صندوق الأمم المتحدة للسكان – وهو الهيئة الأممية المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية – خطوات أولى نحو التصدي لهذه الظواهر عبر "المنتدى الأول للشباب في المنطقة العربية"، الذي تم تصميمه كمساحة آمنة ومنبر يمكن للشابات والشباب من خلاله تقديم حلولهم الخاصة المبتكرة للمشكلات التي حددوها بأنفسهم كأولويات. يهدف هذا النهج الجديد إلى تغيير السردية من "تمكين الشباب" إلى "السير على خطى الشباب والتعلم من قيادتهم"، انطلاقًا من مفهوم أن الشباب لا يفتقد إلى القوة، إنما إلى المنابر اللازمة لتحويل تلك القوة الخلاقة إلى سياسات وأفعال وتغيير حقيقي على الأرض. وبدلًا من التباكي على الظاهرة المُتخيلة حول إحجام الشباب عن المشاركة، سعى المنتدى للتعلم من وللاحتفاء بمساحات المشاركة والتفاعل التي ينحتها الشباب لأنفسهم بالرغم من جمود الفضاء العام و القدر الهائل من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها المنطقة.
وقال خالد الوحيشي، وهو من الخبراء المشاركين في المنتدى والمدير السابق لإدارة السياسات السكانية بجامعة الدول العربية: "قدمت التقارير حول حالة شباب المنطقة منذ 10 إلى 15 عامًا صورة مماثلة لتلك التي نشهدها اليوم. فعلى الرغم من تزايد الجهود والاهتمام بقضايا الشباب بالدول العربية، فالموقف الذي لم يتغير يؤشر بعدم جدوى النهج الحالي".
وتعليقًا على المنتديات الشبابية الإقليمية والوطنية ، ومجالس واستراتيجيات الشباب المتعددة، علق الوحيشي أن "إشراك" الشباب لم يعد حلاً كافيًا. وشدد على محورية السياسات التي تفرض كوتا للشباب في هيئات صناعة القرار وعلى إعلاء أولوية حصول الشباب على تعليم ورعاية صحية جيدين كأسس للتغيير الحقيقي. كما نوه أن أهم تلك الأسس هو وجودمجتمع مدني مزدهر وحُر ومستقل ليقود الطريق.
وقال لؤي شبانة المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان بالمنطقة العربية: "لم يكن القصد من منتدى الشباب في المنطقة العربية أن يكون مجرد مؤتمر رسمي آخر يُضاف إلى قائمة المؤتمرات الكثيرة التي نُظمّت. إنما هو رسالة ومبادرة لتدشين سُبل جديدة للعمل مع الشباب لتحقيق مصالحهم، انطلاقًا من إيمان راسخ بأنه لا غنى عن تولي الشباب القيادة من أجل سياسات سكانية مُنصِفة، ولتحقيق المساواة بين الجنسين في المنطقة، وللوفاء بوعود التنمية."