يمكن لابتسامة صبا أن تضيء غرفة كاملة أو المنزل المتنقل الذي تعيش فيه مع أسرتها في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن. تعيش الفتاة السورية الشابة صاحبة الـ16 عاماً والمفعمة بالنشاط في المخيم مع والدتها وأربعة من الأشقاء بينما يتواجد والدها في سوريا.
تؤكد صبا، وهى تتحدت بطلاقة وبراعة وحيوية، على موقفها ضد الزواج المبكر وهى تنظر من آنٍ لآخر إلى والدتها، ازدهار التماسا لمساندتها. تتفق كلاهما على أن زواج الأطفال كان موجوداً في سوريا قبل الحرب، وإن كان كثير من السوريين ليقولون إنه لم يقترب ابداً من قبل إلى المستوى الذى وصل إليه حالياً من حيث إنتشاره. تقول الأم التي تزوجت وهي في الـ19 من عمرها: "تتزوج الفتيات في سوريا في بعض الأحيان في سن صغيرة جداً، لكننا نرى الأمر يتكرر بشكل أكبر كثيراً الآن". وتمضي ازدهار وهي تمسح على شعر أصغر أطفالها، قائلة: "حصلت على الشهادة الثانوية ثم تزوجت، لكن بعد الزواج واصلت أنا وزوجي دراستنا. انتظرت إلى أن بلغت 20 عاماً حتى أبدأ فى إنجاب أطفال."
تتناوب الأم والابنة الحوار وتكمل كل منهما عبارات الأخرى وهما يوضحان أن الضغوط الاجتماعية وظروف الحياة الجبرية في المخيم قد عملت على زيادة معدل الزيجات المبكرة في وسط الفتيات السوريات الصغيرات، وذلك لأن تزويج فتاة يعني تقليل عدد الأفواه التي تحتاج لسد رمقها داخل أسرة من الأسر.
تقول صبا بحسرةٍ "اتركوا الفتاة تتزوج، اتركوا زوجها ينفق عليها. في سوريا قبل الحرب، كان لدى الناس خطة: إذا كنت ولدا، فستذهب إلى المدرسة وبعد ذلك تبحث عن عمل وتتزوج."
وعند سؤالها عن خططها بشأن بناتها، ترد ازدهار من دون تردد:
“لابد لأطفالنا أن ينالوا نصيباً من التعليم، وسنرى ماذا يحدث بعد ذلك."
وتضيف بنبرة اقتناع "لا يذهب كثير من الصغار في المخيم إلى المدرسة لأنهم يشعرون بأن لا مستقبل فى انتظارهم، إذ أن فرص دخول الجامعة والحصول على عمل ضئيلة جداً. إلا أن العديد من المنظمات الإنسانية تعمل على إتاحة قدر من التعليم على الأقل وعلينا أن نتمسك بتلك الفرص."
صبا من الأصوات النشيطة جداً التي المناهضة للزواج المبكر في مجتمعها، حيث تقدم جلسات لرفع الوعي لدى الشباب اللذين في مثل عمرها، شارحة عواقب الزواج والحمل المبكرين على أجسام وأرواح الفتيات. كما تعدد مميزات تأخير الزواج: الحصول على قدر من التعليم والتمتع بجسد أكثر صحة وقوة والعثور على عمل يجعل المرء يشعر بمزيد من الاستقلالية.
ثم تقول: "تزوجت فتاة أعرفها منذ أيام الدراسة هنا في المخيم العام الماضي عندما كان عمرها 15 عاماً.. والآن هي حامل في شهرها الأول أو الثاني. قبل 3 أشهر كانت حاملاً في توأم لكنها تعرضت للإجهاض. أخبرتها بأن عليها أن تتوقف لأن جسدها ليس مهيئأ بعد ولكنها وزوجها متمسكان برغبتهما في إنجاب طفل."
وبحسب صبا فإن الفتاة المراهقة لا تنظر في كثير من الأحيان لأبعد من فستان وحفل الزفاف. وتقول: "بعد حفل الزفاف لن يصبح بمقدور الفتيات أن يرين صديقاتهن وسيتوقفن عن الذهاب إلى المدرسة وعن اللعب وعن الإبداع وعن الرسم...ستكون لديهن مسؤوليات وستبدأن بغسل الأطباق." وبالنسبة إلى صبا، فإن التحدي الأساسي الخطير هو الخطر الصحي المتعلق بالحمل في سن مبكرة عندما لا يكون الجسم قد تطور بالشكل الكامل بعد. وتوضح قائلة: "لكن أكثر الأشياء بؤساً التي أراها هو الإساءة البدنية حيث يعامل الرجل زوجته الصغيرة السن باحتقارٍ."
وتعمل صبا وازدهار من ضمن مجموعة من الناشطين المناهضين للزواج المبكر حيث يتواصلون مع الشابات والشباب ومع الأمهات والآباء ليشرح وا لهم فوائد إستكمال التعليم وتأخير الزواج. وهم جزء من البرامج المشتركة بين صندوق الأمم المتحدة للسكان ومعهد العناية بصحة الأسرة في الأردن والتي تعمل مع اللاجئين من سوريا في مخيم الزعتري.
تُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة أن نحو 3 ملايين فتاة في المنطقة العربية قد تزوجن في 2015 قبل أن يكملوا عامهن الـ18، خاصة أولئك الذين يعيشون في أوضاع أزمات إنسانية. يُعد زواج الأطفال انتهاكاً لحقوق الإنسان حيث يهدد صحة الفتيات وفرصهن المستقبلية بل وحياتهن أيضاً. ومع هذا ففي الأردن ولبنان وغيرهما من البلدان تلجأ أسر اللاجئين بشكلٍ متزايدٍ إلى زواج الأطفال في محاولة للتعايش مع غياب الأمن والعوز المالي.
وتظهر دراسة لـ اليونيسيف أن واحدا تقريباً من كل 3 حالات زواج مسجلة بين السوريين في الأردن تشمل زواج أطفال . لا تشمل هذه الإحصائية حالات الزواج غير الرسمية، التي تُعقَد على أيدي شيوخ، والتي يمكن أن تتضمن أطفالاً أيضاً.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الشركاء لرفع الوعي بأضرار زواج الأطفال ودعم الناجيات من زواج الأطفال للحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية والمساعدة القانونية. إلا أن الآباء هم من يقع عليهم الدور الأهم.