أنت هنا

يُعد زواج الأطفال انتهاكاً لحقوق الإنسان. ورغم القوانين التي سُنت لمكافحة هذه الممارسة، فإنها تظل منتشرة، جزئياً بسبب الفقر المزمن وعدم المساواة بين الجنسين. وعالميا،أكثر من امرأة من بين كل خمسة نساء (من عمر 20-24) قبل عيد ميلادهن الثامن عشر، وأكثر من 650 مليونا من النساء والفتيات اللاتي على قيد الحياة اليوم تزوجن وهن طفلات.

وبسبب تفشي  جائحة فيروس كوفيد-19 ، فإن من المرجح أن تزداد هذه الأرقام، لأن الوباء سيعطل الجهود الرامية للقضاء على الممارسة. ويمكن ان يقود هذا إلى  13 مليون حالة إضافية من زواج الأطفال في غضون العقد القادم.

يشكل زواج الأطفال خطرا على صحة وحياة الفتيات، ويحد من فرصهن المستقبلية. وتحمل الفتيات اللاتي يجبرن على الزواج عادة وهن مازلن مراهقات، الأمر الذي يزيد من خطر مضاعفات الحمل والولادة والتي تعتبر سببا رئيسيا لوفاة المراهقات في الدول النامية.

يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان، بترقية القوانين والبرامج المصممة من أجل القضاء على زواج الأطفال. ويدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضاً، الاستثمارات القائمة على الأدلة المتمحورة حول الفتيات، والتي تمكن الفتيات وتمدهن بالمعلومات، والمهارات والخدمات اللاتي يحتجن إليها، من أجل الانخراط في حياة ينعمن فيها بالصحة والتعليم والأمان، ولمساعدة أنفسهن من أجل الانتقال الناجح إلى  مرحلة الرشد. ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضاً، من أجل دعم احتياجات الطفلات المتزوجات، خاصة في مجالات استعمال أدوات منع الحمل وصحة الأمومة.

حجم المشكلة في منطقة الدول العربية

يقارب معدل زواج الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المعدل العالمي، حيث يتم زواج واحدة من بين كل خمس نساء صغيرات السن في المنطقة قبل سن الثامنة عشر، ويتم زواج طفلة من بين كل 25 قبل عيد ميلادها الخامس عشر. وهذا يعني، أن الإقليم يُعتبر الآن موطنا لما يقارب 40 مليون طفلة عروس، بما في ذلك الطفلات المتزوجات الآن والنساء اللاتي تزوجن وهن طفلات. وحسب قواعد بيانات اليونيسيف لعام 2019، فإن 17 % من النساء في عمر يتراوح بين 20- 24 في مصر، و 13 % في المغرب، و28 % في العراق، و8 % في الاْردن، و6 % في لبنان، و3 % في الجزائر، تزوجن او أصبحن شريكات حياة قبل سن الثامنة عشر.

خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية، تراجع انتشار زواج الأطفال من 1 من بين كل 3 إلى 1 من بين كل 5 من النساء الصغيرات، ولكن، يبدوا أن التقدم توقف خلال العقد الماضي. وستكون هناك حاجة لتسريع الخطى لأقصى ما يمكن من أجل تلبية أهداف التنمية المستدامة التي تستهدف القضاء على ممارسة زواج الأطفال بحلول عام 2030.

المراهقات المتزوجات عادة لا يستطعن التفاوض في ما يتعلق بالجنس، أو استعمال وسائل منع الحمل، الأمر الذي يجعلهن عرضة للحمل المبكر، إضافة للأمراض المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية. وتشير الأدلة المستقاة من الروايات الشفوية أن زواج الأطفال القسري، والعرفي، والزواج "السياحي" ، يمهد الطريق لأشكال جديدة من الاتجار في الفتيات والنساء تتميز بها حصريا منطقة الدول العربية.

حالياً، تعتبر منطقة الدول العربية غير مستقرة بصورة كبيرة، حيث الصراعات المتواصلة والأوضاع الإنسانية الصعبة، التي تعرّض النساء والفتيات لخطر العنف وزواج الأطفال، اللذان من المرجح أن يتفاقما بسبب جائحة كوفيد-19. وفي أوقات الأزمات، تتضافر عوامل كثيرة لتفاقم خطر زواج الأطفال، وإحداث تأثير غير متكافئ على الفتيات. ويعتبر عدم المساواة بين الجنسين، سبباً جذرياً لزواج الأطفال في كل السياقات، بما في ذلك الأوضاع الإنسانية. وفي ظل انعدام الأمن، والخطر المتزايد للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وانهيار حكم القانون، قد تنظر الأسر لزواج الأطفال باعتباره آلية تكيّف للتعامل مع الضائقة الاقتصادية المتزايدة، ولحماية الفتيات من العنف، أو لحماية شرف الأسرة من تفكك الشبكات الاجتماعية والروتين. وتزيد وتيرة زواج الأطفال أيضاً، وسط الأشخاص النازحين داخليا. وبالإضافة إلى هذا، يتم استغلال زواج الأطفال كتكتيك في المنازعات.

دور واستجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان

إن صندوق الأمم المتحدة للسكان، ملتزم بتقديم حلول ملموسة لزواج الأطفال، مع التركيز على الجهود التي يمكن تصعيدها والتي تفضي لنتائج قابلة للقياس. يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الحكومات والشركاء في المجتمع المدني، على كل المستويات، لترقية وحماية حقوق الإنسان الخاصة بالفتيات، ويقوم بدعم الحملات المبتكرة، وترقية التشريعات والبرامج المصممة للقضاء على زواج الأطفال، فضلا عن المساعدة في تنمية السياسات، والبرامج والتشريعات، التي تهدف لحجب ممارسة زواج الأطفال.

في عام 2016، دشن صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) البرنامج الدولي لتسريع العمل من أجل القضاء على زواج الأطفال، في 12 من الدول الأكثر معاناة من الانتشار العالي والعبء الثقيل لزواج الأطفال وهي: بنغلاديش، وبوركينافاسو، وإثيوبيا، وغانا، والهند، وموزمبيق، ونيبال، والنيجر، وسيراليون، وأوغندا، واليمن، وزامبيا. ويدعم البرنامج الدولي الأسر لإبراز المواقف الإيجابية، وتمكين الفتيات لتولي شؤونهن المستقبلية، ويقوي البرنامج كذلك الخدمات التي تمكن الفتيات من القيام بذلك. كما أنه يقوم بالتصدي للأسباب الكامنة التي تؤدي لاستمرار زواج الأطفال، والمناصرة من أجل القوانين والسياسات التي تحمي حقوق الفتيات، وفي الأثناء إبراز أهمية استخدام البيانات المحكمة لتنوير تلك السياسات.

أظهرت مراجعة للعمل في الفترة من 2016 إلى 2019 أن البرنامج المشترك قام بما يلي:

  • تمكين 7.2 مليون من المراهقات
  • دعم تعليم 500,000 من المراهقات
  • التواصل مع 4.2 مليون من الأفراد عن طريق الحوار المجتمعي
  • التواصل مع 31 مليون شخص عن طريق الحملات الإعلامية
  • مساعدة 24,000 من المرافق لتقديم خدمات صحية وحماية صديقة للمراهقات
  • مساعدة 22,000 مدرسة لتقوية التعليم الصديق للمراهقات
  • مساعدة 11 دولة لوضع خطط عمل وطنية خاصة بزواج الأطفال
  • خلق شراكات مع 107 مجموعة يقودها الشباب و88 منظمة لحقوق المرأة

إضافة للبرنامج المشترك، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان، بدعم برامج للتواصل، تقوم بالمناصرة لمكافحة زواج الأطفال في دول أخرى في منطقة الدول العربية . وتقوم برامج التواصل هذه، على سبيل المثال، بالتواصل مع الآباء، والقيادات المجتمعية، والقيادات الدينية، والعاملين في الرعاية الصحية. ويقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضاً، بدعم الفضاءات الآمنة، والإرشاد القانوني، والرعاية النفسية للنساء والفتيات المعرضات للخطر، بما في ذلك المتضررات من الزواج المبكر.

وفوق  ذلك، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان، بتمكين الشباب في مجال المناصرة من أجل التغيير: فعن طريق برنامج الأقران من الشباب، يقوم الشباب - بمن فيهم اللاجئون- بنشر المعلومات والتوعية، وسط شبكات أصدقائهم وأقرانهم، حول أضرار زواج الأطفال.

يلعب المكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان لمنطقة الدول العربية دوراً في برنامج مشترك يقوم بالتقصي حول العوامل الأساسية المحركة لزواج الأطفال، فضلاً عن مدى انتشاره  في جيبوتي واليمن ومصر والعراق. وتسعى الدراسة للتعرف  على تأثيرات ال.مات على ظاهرة زواج الأطفال. وتنفذ الدراسة  بالتعاون مع لجنة النساء اللاجئات وجامعة جونز هوبكنز.

الحرمان من الحقوق

يحرم الزواج المبكر الفتيات من حقهن في اختيار ما إذا كن يرغبن في الزواج، ومن من، ومتى يتزوجن، وتعتبر هذه من أهم القرارات الحياتية. فاختيار الشريك قرار يخص البالغين، وينبغي اتخاذه بحرية، ودون خوف أو إجبار. وتتفق كل الدول تقريبا حول هذه المسالة.

رغم الالتزامات شبه الدولية للقضاء على زواج الأطفال، كما ذُكر سالفا، فإن 21 % من النساء الصغيرات (في عمر 20-24) على نطاق العالم، تم زواجهن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر، وأكثر من 650 مليونا من النساء والفتيات على  قيد الحياة تزوجت وهن طفلات. رغم ان زواج الأطفال أكثر انتشارا في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، إلا أنه يوجد أيضاً في الدول ذات الدخل المرتفع.

في الوقت الذي ينخفض فيه ببطء زواج الأطفال على نطاق العالم، فإن الانخفاض في عدد الفتيات اللاتي يتم تزويجهن، لن يكون بنفس وتيرة النمو  لم يتم أيضاً تسريع الجهود لمواجهة الممارسة. وبدون جهود عاجلة، سيرتفع في الغالب عدد حالات زواج الأطفال بحلول 2030، وسيتم إضافة زواج أكثر من 120 مليون من الفتيات، قبل بلوغ عيد ميلادهن الثامن عشر، خلال العقد القادم.

كثير من الاتفاقيات الدولية تحرّم زواج الأطفال، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما نادى المؤتمر الدولي حول السكان والتنمية في عام 1994، الدول للقضاء على زواج الأطفال.

آثار زواج الأطفال على صحة الفتيات، ومستقبلهن ونموهن

يشكل زواج الأطفال خطراً مباشراً على صحة وسلامة الفتيات. وعادة ما يتلو الزواج الحمل، حتى لو كانت الطفلة غير مستعدة جسدياً وذهنياً. ففي الدول النامية تسع حالات ولادة من بين كل عشر من بين المراهقات تتم في إطار زواج أو شراكة. وعلى نطاق العالم، تعتبر مضاعفات الحمل والولادة بين الفتيات المراهقات من الفئة العمرية التي تتراوح بين 15-19، السبب الرئيسي للوفاة. وقد تتعرض الفتيات المتزوجات أيضاً، للأمراض المنقولة جنسيا، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية، ويصبحن أكثر عرضة للأذى. وهن أقل قدرة على الدفاع عن أنفسهن، وتجنب العلاقات التي تتسم بالأذى. وتنتشر الأمراض العقلية بين الأطفال العرائس، على سبيل المثال، بسبب تجربتهن مع العنف.

عندما تتزوج الفتيات، عادة ما يرغمن على ترك المدرسة، لتولي المسؤوليات المنزلية. ويعتبر هذا حرمانا لحقهن في التعليم. ويحد الزواج المبكر أيضاً من فرصهن، بما في ذلك فرص العمل ، وللزواج المبكر آثار طويلة الأمد على أسرهن المستقبلية. وتعاني الفتيات اللاتي يتركن المدرسة، من نتائج صحية واقتصادية أكثر سوءا، مقارنة باللاتي يبقين بالمدرسة، وفي نهاية المطاف يصبح أطفالهن أيضاً أسوأ حظاً.

في محصلته النهائية، يترك زواج الأطفال آثاراً وخيمة على المجتمعات، والقوى العاملة والاقتصاديات، وتنتقل الخسائر من جيل إلى جيل.

العوامل التي تساهم في زواج الأطفال

زواج الأطفال هو سم يفرزه الفقر وعدم المساواة بين الجنسين. والفتيات اللاتي يقعن في ربقة زواج الأطفال، يملن لأن يصبحن أقل تعليماً، ويعشن في المناطق الريفية. ويعتقد كتير من الوالدين الفقراء، ان الزواج سيؤمن لبناتهم المستقبل، ويضمن قيام عائلة أخرى بمسئولية رعايتهن. ويحدث هذا أيضاً في ظل الأزمات الإنسانية، حيث يخشى كثير من الوالدين، أنه لن يكون بمقدورهم حماية ورعاية بناتهم. ويعتقد البعض خطأً أن الزواج سيحمي بناتهم من العنف الجنسي، والذي عادة ما يتفاقم في أوقات الأزمات.

ينظر بعض الوالدين إلى  بناتهم كأعباء أو كسلع. وتساهم المهور في تعقيد هذه المسألة: ففي المناطق التي تدفع فيها أسرة العروس مهراً لأهل العريس، تدفع أسرة العروس الصغيرة عادة مهراً أقل، الأمر الذي يحفز الوالدين لتزويج بناتهم مبكراً. وفي المناطق التي تدفع فيها أسرة العريس للعروس ثمناً، يسارع الوالدان، الذين تكون ظروفهم صعبة، بدفع بناتهم للزواج كمصدر للدخل.

كيفية القضاء على زواج الأطفال

يحتاج القضاء على زواج الأطفال، للتحرك على مستويات عدة. ويجب إنفاذ القوانين الحالية المناهضة لزواج الأطفال، خاصة عندما تواجه الفتيات خطر زواج الأطفال، أو عندما تقوم الفتيات المتزوجات مسبقا بطلب الحماية والعدالة. ويجب رفع السن القانونية للزواج إلى الثامنة عشرة، أينما لم يتم القيام بهذا بعد. ولكن القوانين توفر فقط الأطر اللازمة للتحرك لمكافحة زواج الأطفال. وليس من المؤمل أن يتم القضاء، على الممارسات التي يعتبرها الناس مقبولة، عبر التشريعات وحدها.

يجب على الحكومات، والمجتمع المدني، والشركاء الآخرين، العمل سويا من أجل ضمان حصول الفتيات على التعليم، والمعلومات والخدمات الصحية، والتدريب في مجال المهارات الحياتية. فالفتيات اللاتي بمقدورهن البقاء في المدرسة وبصحة جيدة يتمتعن بنطاق واسع من الخيارات، وهن أكثر قدرة على تفادي زواج الأطفال. 

والأهم، هو أن الفتيات المتزوجات مسبقا، بحاجة للدعم. فهؤلاء الفتيات في حاجة لخدمات الصحة الإنجابية، لمساعدتهن في تفادي الحمل المبكر، والفتيات اللاتي يحملن، يكن في حاجة للحصول على الرعاية المناسبة طوال فترة الحمل، والولادة، وفترة ما بعد الوضع. ويجب دعمهن، في حالة اختيارهن العودة للتعليم النظامي، أو غير النظامي.

تقود هذه الإجراءات، في مجملها، لمستويات أعلى من المساواة بين الجنسين، وإلى نساء وأطفال أكثر صحة، وفي المقابل، مجتمعات قوية واقتصاديات منتعشة. ولا يمكن أن يتحمل أي مجتمع الفرصة الضائعة، وإهدار الكفاءات، أو استغلال الأفراد التي يسببها زواج الأطفال.

 

تحديث أيار/مايو 2020