تؤثر تداعيات تغير المناخ علينا جميعًا دون استثناء، بدءًا من تقلبات درجات الحرارة وتغير الأنماط المناخية وصولاً إلى العواصف العنيفة وارتفاع منسوب مياه البحار. إنه تهديد عالمي يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية. ومع توقع تضاعف الاحتياجات العالمية للاستجابة الإنسانية بحلول عام 2030، يشكل تغير المناخ تهديدًا متزايدًا للتنمية التي تركز على الإنسان. وتتطلب مواجهة هذا التحدي تحركًا فوريًا، واتخاذ تدابير عاجلة، والعمل في إطار من التنسيق المتكامل على كافة الأصعدة بحثًا عن حلول ناجعة.
إن الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات، تؤدي إلى تفاقم المشاكل والضغوط المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وبالعنف القائم على النوع الاجتماعي، من خلال تعميق الفجوة بين الجنسين وزيادة حدة أوجه التفاوت وعدم المساواة، وتعزيز الأعراف الاجتماعية غير العادلة المتعلقة بالنوع الاجتماعي. فالتغير المناخي والمساواة بين الجنسين والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية هي خيوط متشابكة في نسيج واحد، حيث ترتبط هذه العناصر الأساسية ارتباطًا وثيقًا بعملية التكيف المناخي وتعزيز المرونة وتحقيق العدالة المناخية.
وتعترض هذه الظواهر المناخية المتطرفة السبل التي تتفاعل بها المجتمعات مع البيئة، وكيفية استفادتها من موارد الطبيعة. كما تترك هذه الأحداث بصمتها القاسية على الموارد الطبيعية، والأمن الغذائي، والبنية التحتية، والخدمات الاجتماعية والصحية، وسبل العيش، وتنعكس تأثيراتها غير المباشرة على المجتمعات، وعلى صحة وحقوق النساء والفتيات، لا سيما اللواتي يعانين بالفعل من التمييز.
إن النساء والفتيات، وغيرهن من الفئات المهمشة الأخرى، يتصدرن الصفوف الأولى في مواجهة هذا التغير المناخي العاتي، إذ يعانين بشكل أكبر من تداعياته، ورغم ذلك، كثيرًا ما يتم استبعادهن من اتخاذ القرارات ذات الصلة، مما يجعلهن يفتقرن إلى الموارد الضرورية للتكيف مع آثار تغير المناخ والاستجابة للصدمات المناخية. ومع ذلك، يمكن للنساء والفتيات أن يصبحن شعلة الأمل وصانعات التغيير الفعّال في معركة التكيف المناخي، حيث تؤدي مشاركتهن الفعالة في مبادرات الاستدامة إلى اتخاذ تدابير مناخية أكثر فعالية.
في المنطقة العربية، يسهم تغير المناخ في تفاقم ندرة المياه، وانعدام الأمن الغذائي، وتدهور الصحة العامة. ومع تزايد تواتر الكوارث الطبيعية والأحداث المناخية المتطرفة، تزداد التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة لعدم الاستقرار والصراعات
جهود صندوق الأمم المتحدة للسكان فيما يتعلق بقضية تغير المناخ
تهدف استراتيجية صندوق الأمم المتحدة للسكان المتعلقة بتغير المناخ إلى الحد من تأثير هذا التغير على النساء والفتيات والشباب وغيرهم من الفئات المهمشة، من خلال تعزيز قدرة الأفراد والأنظمة على التكيف مع التغيرات المناخية، وتسريع وتيرة التقدم نحو تحقيق برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تحقيق ذلك من خلال ثلاثة محاور: تقديم مقترحات جديدة بشأن تداعيات تغير المناخ، تحديد معايير اجتماعية وبيئية، ووضع استراتيجية لتحقيق الكفاءة البيئية.
وفي إطار المساهمة في تقديم مقترحات جديدة بشأن تغير المناخ، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية بالتعاون مع الشركاء الوطنيين والدوليين لدعم اتخاذ التدابير الاستباقية والتدخلات التكيفية التي من شأنها تعزيز مرونة النساء والفتيات وقدرتهن على التكيف في مواجهة التغيرات المناخية.
ينبغي أن تكون النساء والشباب في المنطقة العربية في صميم الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. ولذا، ساعد صندوق الأمم المتحدة للسكان في تأسيس تحالفات مع منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية المحلية التي تركز على المناخ والمرأة، بهدف حشد التمويل والدعوة إلى إحداث تغيير مستدام.
ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على سد الفجوة البحثية المتعلقة بالروابط بين النوع الاجتماعي والمناخ في المنطقة العربية، من خلال تحديد المسارات التي تربط بين الصحة الجنسية والإنجابية وتغير المناخ، بالإضافة إلى كيفية تأثير التغيرات المناخية على زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي. ويهدف تعزيز جمع البيانات وإنتاج الأدلة حول هذه الروابط إلى مساعدة البلدان في الاستعداد لحالات الطوارئ المناخية والاستجابة لها.
في عام 2023، أجرى صندوق الأمم المتحدة للسكان عملية تقييم عالمية لاستعراض مدى دمج الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ضمن الالتزامات الوطنية المتعلقة بالمناخ. ويقدم التقرير الإقليمي للدول العربية توصيات بشأن الكيفية التي يمكن بها للتقارير المستقبلية أن تكفل تحسين إدماج المسائل المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، فضلًا عن الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي في عملية صياغة السياسات المناخية الوطنية.
تم التحديث في 30 يوليو 2024