الأمم المتحدة، نيويورك – تهدد الأشكال الكثيرة لعدم المساواة الاقتصادات والمجتمعات والأمم، وفقا لتقرير حالة سكان العالم 2017، وهو التقرير الرئيسي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي صدر هذا الأسبوع.
إلا أن أشكال عدم المساواة لا تتعلق فقط بالثروة. إذ أن، وفقا للتقرير، تُعزز أشكال عدم المساواة الاجتماعية والعرقية والسياسية كلها بعضها بعضا، مما يحاصر الأفراد في حلقة من الفقر والتهميش.
وفي جميع أنحاء العالم، يضاعف النوع الاجتماعي من أوجه عدم المساواة هذه. حيث لا يحصل عدد كبير جدا من النساء والفتيات على الرعاية الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، مما يعني عجزهن عن الحصول على خدمات تنظيم الأسرة أو رعاية ما قبل الولادة، واضطرارهن أحيانا للولادة في ظروف غير آمنة.
وتكون أولئك الفتيات والنساء اللائي يدخلن مرحلة الأمومة مبكرا، أو لعدة مرات، أكثر عرضة للإصابات الناتجة عن الولادة، أو العجز أو حتى الوفاة. فهن أقل قدرة على إتمام تعليمهن أو دخول القوى العاملة المأجورة، مما يترك أسرهن أكثر فقرا ويجعل مستقبل أطفالهن أكثر قتامة.
من الممكن أن تقوض عدم المساواة أهداف المجتمع الدولي الرامية إلى القضاء على الفقر، وإنهاء حالات الوفاة التي يمكن الوقاية منها وتحقيق الاستدامة.
لكن هناك خطوات واضحة يمكن أن تساعد على تحقيق تكافؤ الفرص في ساحة المنافسة. وفيما يلي 10 تحركات من أجل عالم أكثر مساواة.
1. الوفاة بكافة الالتزامات والواجبات تجاه حقوق الإنسان المتفق عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
على كافة البلدان الامتثال للحقوق في العمل والتعليم والصحة – بما في ذلك الصحة الإنجابية.
هذه الحقوق منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وبرنامج عمل المؤتمر الدولي حول السكان والتنمية سنة 1994، كما وفي غيرها من وثائق حقوق الإنسان المتفق عليها على نطاق واسع.
بل إن لدى البلدان الأطراف في هذه الاتفاقيات إمكانية عمل المزيد: فبإمكانهم ترسيخ المساواة في الحقوق في قوانينهم وأعرافهم الوطنية. إن جعل المساواة مبدأ قانونيا، خاصة على أعلى المستويات، كالدستور، يمكن أن يضع حجر الأساس لإنهاء القوانين والممارسات التمييزية.
2. تحطيم الحواجز التي تحول دون وصول الشابات إلى معلومات وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
تسهم الرعاية بالصحة الجنسية والإنجابية بما هو أكبر بكثير من مجرد الحفاظ على صحة النساء والفتيات. فهي تمكنهن من أن يصبحن سيدات متعلمات وعاملات وممكنات. ومع هذا، فالقوانين والأعراف التمييزية والفجوات في الرعاية الصحية تمنع الكثيرات والكثيرات من الحصول على هذه الخدمات – أو حتى المعلومات عن هذه الخدمات.
ولعل العقبات تكون أعلى بالنسبة للمراهقات، اللائي يمكن أن يواجهن الوصم أو حتى العراقيل القانونية عندما يحاولن الوصول إلى المعلومات أو وسائل منع الحمل أو غيرها من أشكال الرعاية الخاصة بالصحة الجنسية.
وتكون العواقب وخيمة: ففي كل عام في البلدان النامية، تنجب نحو 7.3 مليون فتاة قبل بلوغهن 18 عاما. وتكون لدى الربع فقط منهن المعرفة الكافية لحماية أنفسهن من فيروس نقص المناعة البشرية، على الرغم من أن غالبية الإصابات الجديدة تحدث بين الشابات والفتيات.
لابد للخدمات الصحية أن تزيح العقبات التى تحول دون تقديم الرعاية، على سبيل المثال عن طريق إمداد الشباب بالرعاية المجانية والسرية وخاصة المستشارين المدربين، وعن طريق نشر معلومات مدعومة بالحقائق على نطاق واسع.
3. توصيل الرعاية الضرورية والمنقذة للحياة، الخاصة بمرحلة ما قبل الولادة وما بعدها، للنساء الأكثر فقرا.
في كل يوم، تموت أكثر من 800 امرأة أثناء الولادة. تقع هؤلاء النساء ضمن الفئة الأكثر فقرا واستضعافا في العالم – وهن لسن إلا نقطة في بحر. وفي مقابل إلى كل امرأة تموت بسبب مضاعفات تتعلق بالحمل، يتعرض عدد أكبر بكثير من النساء للإصابة أو العجز.
ومع هذا، فإن غالبية هذه القصص المأساوية يمكن منعها تماما، والوقاية منها تمثل استثمارا جيدا. إذ تظهر الدراسات أن تحسين خدمات المتعلقة بالصحة قبل الولادة وبالأمومة يساعد على تعزيز الإنتاجية الاقتصادية والأرباح مدى الحياة.
4. الوفاء بكافة الاحتياجات لتنظيم الأسرة التي لم يتم تلبيتها، وإعطاء الأولوية للنساء في الـ40 في المائة الأكثر فقرا من الأسُر
إن الحصول على تنظيم الأسرة الآمن والطوعي هو حق إنساني. ومع هذا ففي كل عام تحدث 89 مليون حالة حمل غير مقصود و48 مليون حالة إجهاض في البلدان النامية.
وتؤدي حالات الحمل غير المقصود هذه إلى خسائر هائلة في صحة المرأة ومستقبلها، ليس فقط بزيادة خطر تعرضهن للإصابة أو الوفاة أثناء الولادة، وإنما أيضا بتقييد قدرتهن على الالتحاق بالمدرسة والاستمرار فيها، وكذلك بقوة العمل.
5. توفير الأرضية لحماية اجتماعية شاملة، توفر الدخل الأساسي الآمن وتغطي الخدمات الأساسية، بما فيها الاستحقاقات والدعم المتعلقين بالأمومة.
تتمثل إحدى طرق معالجة أوجه عدم المساواة في توفير حماية اجتماعية شاملة. ويعني هذا أن يتمتع كل شخص بدخل أساسي آمن، كالحصول على معاش إذا تقاعد أو دعم مالي إذا سقط في براثن الفقر. كما ويمكن للحماية الاجتماعية الشاملة أن تغطي الأمومة والعجز واستحقاقات الطفل.
6. دعم خدمات كرعاية الطفولة، لتمكين النساء من دخول القوة العاملة المأجورة
تواجه النساء قائمة طويلة من المساوئ في مكان العمل. فهن يواجهن من العقبات أمام وصولهن للوظائف مرتفعة الأجر أكثر مما يواجهه الرجال على سبيل المثال. وعندما تنجنب النساء، يكون من المرجح أن يواجهن "عقوبة على أمومتهن"، حيث يحصلن على أجر أقل من نظيراتهن اللاتي ليس لديهن أطفالا. ويُطاح بكثير من الأمهات خارج قوة العمل تماما لأنهن غير محميات من التمييز، فهن يفتقرن لإجازة الأمومة أو لا يحصلن على رعاية الطفولة ميسورة التكلفة.
لكن ثمة إجراءات يمكن أن تساعد على بقاء النساء في مكان العمل. فعلى سبيل المثال، تعزز رعاية الطفولة ذات التكلفة المعقولة مشاركة النساء في قوة العمل، كما هو الحال بالنسبة لإجازة الأمومة والأبوة، وغيرها من الخيارات التي توفر المرونة للوالدين.
7. تبني سياسات تقدمية تهدف لتسريع وتيرة زيادة الدخل بين الـ40 في المائة الأكثر فقرا، بما في ذلك عن طريق زيادة الاستثمارات في رأس المال البشري، في الفتيات والأمهات.
للقضاء على الفقر المدقع، لابد وأن يرى الـ40 في المائة الأكثر فقرا زيادة أسرع في الدخل. ويستلزم هذا استثمارات كبرى في رأس مالهم البشري.
إن تسحين الحصول على التعليم والخدمات الصحية وجودة كل منهما، وبخاصة للفتيات والشابات المهمشات، هو خطوة مهمة نحو هذا الهدف.
8. إنهاء العقبات التى تحول دون حصول الفتيات على التعليم الثانوي والعالي، والتحاقهن بفروع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
على الرغم من سنوات التقدم، فلا تزال الفتيات أكثر احتمالا من الفتيان لأن يتسربن من المدرسة خلال مرحلة التعليم الابتدائي. ويزداد هذا التفاوت سوءا في المرحلة الإعدادية.
لكن هناك مجموعة متنوعة من الإجراءات التي يمكن أن تحسن معدلات استمرار الفتيات في المدرسة وتشمل: إلغاء الرسوم المدرسية أو توفير دعم للأسر الفقيرة؛ ضمان أن تكون المدارس آمنة ومزودة بمرافق صحية منفصلة للفتيات؛ وتزويد المدارس بالوجبات.
كما أنه يجب أن ينظر إلى التعليم على أنه الطريق للحصول على عمل لائق. ويعني هذا القضاء على أوجه التحيز القائم على النوع الاجتماعي التي تمنع النساء والفتيات من السعي للحصول على الوظائف التي تتعلق بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
9. تسريع الانتقال من الوظائف غير النظامية إلى الوظائف النظامية اللائقة – بالتركيز أولا على القطاعات التي تضم نسباً كبيراً من العاملات الفقيرات –وفتح المجال أمام حصول النساء على الخدمات الائتمانية وامتلاك العقارات.
يشتغل كثير من فقراء العالم البالغ عددهم مليار شخص بأعمال غير نظامية، كمزارعي كفاف أو خدم بالمنازل أو عمال يوميين. لا توفر هذه الوظائف أي مميزات مع الحصول على أجر زهيد والقليل من الحماية، إن وجدت.
إن نقل هؤلاء العمال المستضعفين إلى الوظائف النظامية مع الحصول على أجر كريم من شأنه أن يحسن الإنتاجية ويقوي الاقتصادات. كما وأن تخفيف مسؤوليات رعاية الطفولة غير مدفوعة الأجر عن كاهل النساء – من خلال مشاركة الرجال في تحمل نصيب منها أو بتوفير خدمات الرعاية – سيحدث فارقا كبيرا.
كذلك فإن زيادة الوصول إلى الخدمات المصرفية والائتمانية منخفضة التكلفة سيساعد على القضاء على الفقر. لابد من إيلاء اهتمام خاص أيضا للمستضعفات من النساء، اللائي قد يواجهن عقبات اجتماعية أو قانونية تحرمهن من الميراث أو من تكوين الثروة.
10. السعي إلى قياس جميع أبعاد عدم المساواة ودراسة تأثيرها على بعضها البعض، وتعزيز الروابط بين البيانات والسياسة العامة.
إن أوجه عدم المساواة غير مفهومة، وغالبا ما تكون غير مرئية. حيث تختفي الفجوات الشاسعة في الثروة والفروقات الكبيرة بين الجنسين في الناتج المحلي الذي، على سبيل المثال، يخفق في احتساب ما يقدر بـ 10 تريليونات دولار سنويا، قيمة عمل النساء غير مدفوع الأجر.
لذا فهناك حاجة إلى قياسات أفضل لتوضيح واقع عالم اليوم الذي تسوده عدم المساواة. ولابد أن تكون هذه البيانات الجديدة محل اعتبار عند رسم السياسات فتكون الجهود موجهة مباشرة صوب أولئك الذين يعانون أسوأ الظروف وأكبر أشكال الاستضعاف، وهم أولئك الذين تخلفوا أبعد ما يكون عن الركب.