ثلاثة أسباب تدفعنا لوضع حد لزواج الأطفال
محبوسات في منازلهن، ممنوعات من الذهاب إلى المدرسة، معزولات عن أسرهن وأصدقائهن، ومجتمعاتهن- هكذا هي حياة غالبية الطفلات العرائس، إذ تتم الاستعاضة عن التعلم في المدارس، واللعب مع أصدقائهن، والتمتع بطفولتهن بالمسؤوليات والأعباء المنزلية، وتربية الأطفال، وهن مازلن أطفالاً، الأمر الذي يشكل خطورة على حياتهن وحياة أطفالهن ومستقبل مجتمعاتهن.
إن زواج الأطفال يلحق أضرارًا فادحة بالفتيات، ويهدد حياتهن وصحتهن، ويحد من آفاقهن المستقبلية. وكثيرًا ما تحمل الفتيات الأطفال اللائي يتم إجبارهن على الزواج في مرحلة المراهقة، مما يعرضهن لمخاطر الحمل أو مضاعفات الولادة، وتكون هذه المضاعفات في بعض الأحيان سببًا رئيسيًا لوفاتهن.
"في سن الرابعة عشرة، تزوجت في حفل صغير من ابن عم لي يكبرني بعشر سنوات. تركت المدرسة وأصدقائي وأسرتي. لم أكن سعيدة ولكن لم يكن لدي خيار سوى قبول الأمر، وفي غضون شهر، أصبحت حاملاً." هكذا تحدثت ابتسام *، عروس طفلة من اليمن، عن تجربتها.
ويحد الزواج المبكر من فرص الفتيات وآفاق توظيفهن في المستقبل، وتترتب عليه آثار طويلة الأجل تنعكس على أسرهن. وتعاني الفتيات اللاتي يتركن الدراسة من تداعيات صحية واقتصادية أسوأ من تلك التي تعاني منها الفتيات اللاتي يواصلن تعليمهن، وفي نهاية المطاف، يصبح أطفالهن وأسرهن أسوأ حالًا أيضًا.
زواج الأطفال هو انتهاك لحقوق الإنسان
على الرغم من القوانين المناهضة لها، لا تزال ممارسة زواج الأطفال واسعة الانتشار، فهي نتاج خبيث للفقر والجهل وعدم المساواة المتأصلة بين الجنسين. وفي ظل الصراعات الدائرة وحالات الطوارئ الإنسانية الواسعة النطاق في المنطقة العربية، يتزايد خطر تعرض النساء والفتيات للعنف ولزواج الأطفال، ويستمر الأمر في التفاقم من جراء جائحة كوفيد-19.
وعن ذلك تقول أمل *، وهي عروس طفلة من مصر: "كان زوجي حاد الطباع سريع الغضب، يضربني باستمرار، حتى أنه كسر أحد ضلوعي. وكنت أنا عديمة الحيلة عاجزة وأتعرض للإهانة والسباب بألفاظ نابية، وبعد أربعة أشهر صرت حاملًا."
إن الزواج المبكر يزيد من خطر تعرض الفتيات والنساء للعنف الجنسي والبدني والنفسي، وما يترتب على ذلك من تداعيات يعانين منها طوال حياتهن. والشابات المتزوجات وهن أطفال أكثر عُرضة للعنف الجسدي، أو للعنف الجنسي من الشريك الحميم، أو لكلاهما من الشابات المتزوجات وهن بالغات. كما إنهن أقل قدرة على الدفاع عن أنفسهن، وأقل قدرة على التخلص من العلاقات التعسفية، فضلًا عن أن الأمراض النفسية شائعة بين الطفلات العرائس من جراء تعرضهن للعنف، ويغلب اعتقاد الفتيات اللواتي يتزوجن صغارًا أن ضرب الزوجة له ما يبرره، عما تراه النساء اللائي يتزوجن في عمر أكبر.
"في المرة الأولى التي ضربني فيها، كنت مفطورة القلب، لكني لم أفكر في أن هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق، إذ كنت أعتقد أنه جزء من الزواج."، كان ذلك ما قالته مايا*، وهي عروس طفلة من الأردن، عن التجربة المريرة التي مرت بها مع زوجها الذي اعتاد ممارسة العنف معها.
لزواج الأطفال عواقب وخيمة
كثيرًا ما تعاني الفتيات المتزوجات في سن صغيرة من آثار صادمة طويلة الأمد تحد من خياراتهن في الحياة وقدراتهن على اتخاذ قرارات مستقلة. إنه يقضي على طفولتهن ويؤثر سلبًا على حقوقهن في التعليم والصحة والحماية. وفي الغالب تكون هؤلاء الزوجات الصغيرات غير قادرات على مناقشة المسائل المتعلقة بالعلاقة الحميمية، أو استخدام وسائل منع الحمل بطريقة فعّالة، مما يجعلهن عُرضة للحمل المبكر غير المرغوب فيه، بل وأحيانًا للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي.
وفي كثير من الأحيان يتم الضغط على الطفلات العرائس لإنجاب طفل بعد فترة وجيزة من الزواج بالرغم مما ينطوي عليه الحمل المبكر من مخاطر. ومن شأن منع زواج الأطفال أن يساعد على الحد من مخاطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والوفيات والإعاقات النفاسية، بما في ذلك ناسور الولادة. وتعد المضاعفات الناجمة عن الحمل والإنجاب هي السبب الأول لوفاة الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا.
وتحدثت أفراح *، وهي عروس طفلة من الصومال، عن هذه المخاطر التي تعرضت لها من جراء الحمل المبكر قائلة: "حملت بعد فترة وجيزة من زواجي، وكدت أموت بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل في سن 15 عامًا، فقد كنت أعاني من طول مدة الولادة أثناء عملية المخاض."
زواج الأطفال يحرم الفتيات من التمتع بالقدرة على الاختيار
تُحرم الطفلات العرائس من الحق في اختيار من يتزوجن ومتى، وبالتالي اختيار الوقت المناسب للحمل وعدد الأطفال الذين يرغبن في إنجابهم، وهي أهم قرارات الحياة. فاختيار الشريك هو قرار بالغ الأهمية، ويجب اتخاذه بحرية ودون خوف أو إكراه. إن زواج الأطفال يهدد حقوق الفتيات ويعرضهن للخطر، مثل الحق في التعليم والصحة والبقاء والتطور على أكمل وجه. غير أن الزواج، بالنسبة للفتاة، يعني عادة نهاية لتعليمها، ومن ثم إقصاء فرصتها في الحصول على وظيفة، فهو يسرق اختياراتها في الحياة.
وعن ذلك الحق المسلوب في اختيار شريك الحياة والوقت المناسب للزواج قالت سامية*، من العراق، وقد لاحت على ملامح وجهها الصغير ومضة من الغضب لوهلة: "لم أكن أريد أن أتزوج، فقد كنت مجرد طفلة بعمر لا يتجاوز 15 سنة، لكني أُرغمت على ذلك."
إن وضع حد لزواج الأطفال وإنهائه تمامًا هو أمر ضروري لتمكين ملايين الفتيات من الحصول على فرصة لحياة أفضل وتحقيق إمكاناتهن الكاملة. كما أنه يساعد على تفادي التكاليف الاقتصادية الكبيرة المتعلقة بالخصوبة والصحة والتغذية والتعليم والدخل - ليس للفتيات أنفسهن فحسب، بل أيضًا لأسرهن ومجتمعاتهن المحلية وبلدانهن.
من حق جميع الفتيات أن يتمتعن بحقوق الإنسان وأن ينعمن بإمكانات هائلة. لقد خُلقت الفتيات كافة على نحو سواء دون أي تفرقة، غير أنهن لا يحظين بفرص متكافئة. فأولئك المعرضات لخطر زواج الأطفال والمتزوجات في سن صغيرة هن بحاجة إلى الحماية وإلى البرامج التي تحترم حقوقهن ويكون من شأنها تصحيح أوضاعهن نحو الأفضل.
ويشجع صندوق الأمم المتحدة للسكان السياسات والبرامج والتشريعات الرامية إلى إنهاء زواج الأطفال، ويدعم الاستثمارات القائمة على الأدلة والتي تركز على الفتيات وتمكنهن من الحصول على المعلومات والمهارات والخدمات التي يحتجن إليها للتمتع بالصحة والتعليم والأمان، مما يساعدهن على الانتقال بنجاح إلى مرحلة الرشد. ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضًا على دعم احتياجات الفتيات المتزوجات، ولا سيما في مجال تنظيم الأسرة وصحة الأم.
ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الحكومات وشركاء المجتمع المدني، على جميع المستويات، لتعزيز وحماية حقوق الإنسان للفتيات، ويدعم الحملات المبتكرة، ويعزز التشريعات والبرامج الرامية إلى إنهاء زواج الأطفال. فقد أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالاشتراك مع اليونيسف، في عام 2016، البرنامج العالمي لتسريع العمل لإنهاء زواج الأطفال في 12 من أكثر البلدان التي تعاني من انتشاره ومن تبعات أعبائه الثقال.