أنت هنا

استضافت جامعة الدول العربية والمكتب الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية بمقر الجامعة يوم الثامن من أيار/ مايو إطلاق الإصدار الإقليمي من التقرير السنوي عن حالة سكان العالم لعام 2023 والذي حمل هذا العام عنوان "8 مليارات نسمة، وإمكانيات لا متناهية". وقد تم تنظيم فعّالية الإطلاق الإقليمية تلك بالشراكة مع المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط، وتضمنت الفعالية حلقة نقاشية شارك فيها مجموعة من الخبراء من الأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية والممثلين الحكوميين والباحثين في مجالات مختلفة؛ مثل علم السكان والإحصاء، والسياسات السكانية، والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والنوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، والعلوم الإنسانية.

وكان الإطلاق الإقليمي بمثابة فرصة فريدة للإشارة إلى القضايا السكانية والجوهرية بالغة الأهمية، لا سيما المخاوف المفرطة والأخبار والروايات المتداولة بشأن الانفجار أو الانكماش السكاني، وذلك بغرض المساعدة في إعادة تشكيل التفكير في الاتجاهات السكانية بما يتجاوز الأرقام. وقد عزز النقاش حول هذا الموضوع الهام الذي تناوله تقرير هذا العام من منظور إقليمي الربط بين محتوى  التقرير والسياسات السكانية في المنطقة العربية، مع تسليط الضوء في الوقت نفسه على التحولات النوعية في المنطقة العربية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في معالجة قضايا السكان والتنمية بطريقة أكثر شمولاً.

وفي كلمتها الافتتاحية، قالت الدكتورة ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية: "إن الحديث عن خفض معدلات الخصوبة أو زيادتها، لا يأخذ في الاعتبار حقوق الأشخاص في اتخاذ خياراتهم الإنجابية الخاصة، كما أنه لا يعترف بقدرة الأفراد على امتلاك القوة والإرادة للاختيار بشكل فعّال ومستقل ولا باستقلاليتهم الجسدية". وأضافت: "يمكننا تجنب سوء الفهم هذا من خلال التأكيد بشكل قاطع على أن الحقوق الإنجابية والاستقلالية الجسدية ينبغي أن تكون في صميم أي سياسة سكانية أو أي سياسة تتعلق بمسألة الخصوبة".

وقالت سعادة السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية بجامعة الدول العربية في الكلمة الافتتاحية التي ألقتها بهذه المناسبة: "إن لدينا مهمة مشتركة نضطلع بها مع صندوق الأمم المتحدة للسكان لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وعدم إغفال أو إهمال أي فرد أو تركه يتخلف عن الركب، والوصول إلى من فاتهم الركب من الفئات  الأكثر احتياجًا والأشد حرمانًا". وأضافت سعادتها: "لقد حرصت جامعة الدول العربية على المشاركة في استضافة الإطلاق الإقليمي للتقرير الرئيسي عن حالة سكان العالم لعام 2023، مما يؤكد اهتمامها والتزامها بأجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في المنطقة العربية والشراكة طويلة الأمد مع صندوق الأمم المتحدة للسكان".

كما قالت أبو غزالة: "ينبغي النظر إلى المسألة السكانية والتعامل معها من منظور حقوق الإنسان بنهج جديد يضع البشر في الجوهر وفي صميم الفكر والعمل. إذ لا يزال التصور المتعلق بالسكان يقتصر على القنبلة الديموغرافية أو الخلل الديموغرافي، ولا تزال حقوق الأفراد ضائعة في المنتصف بينما يتزايد القلق إزاء الاتجاهات السكانية، لا سيما مع انتشار الحروب والنزاعات المسلحة والاقتصادات الهشة والتغيرات المناخية، ونقص الغذاء والطاقة، بالإضافة إلى تفشي الأوبئة مثل كوفيد-19."

ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أن التركيبة السكانية المتنوعة تتطلب حلولًا ونهجًا متنوعة لتلبية الاحتياجات الصحية للجميع وضمان عدم التخلي عن أي شخص، وقال ا المنظري: "إن تعريف منظمة الصحة العالمية لـ" الصحة "هو حالة من الرفاه الجسدي والعقلي والاجتماعي الكامل ولا يقتصر على انعدام المرض أو العجز. وهذا يعني أن عالمنا لا يمكن قياسه من ناحية حجم السكان ومعدلات الخصوبة والوفيات والاعتلال فقط. علينا أن نوسع فهمنا لكيفية قياس السكان بما يتجاوز الأرقام".

وخلال الحلقة النقاشية التي أجراها فريق الخبراء، عرض المشاركون وجهات نظر ورؤى مختلفة بشأن القضايا المتعلقة بالشيخوخة السكانية، ومعدلات الخصوبة، وإشراك الشباب في صنع السياسات، وكيف يمكن أن يكون تحقيق المساواة بين الجنسين أداة لمعالجة التحديات الديمغرافية والقضايا العالمية مثل تغير المناخ.

وتناول الدكتور مصطفى البرغوثي، مؤسس ورئيس جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، مسألة الظروف الخارجية والضغوط التي تؤثر على السرديات والسياسات السكانية، فضلًا عن تنفيذ السياسات المعتمدة. كما شدد على أهمية المساواة بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بمناقشة القضايا الديموغرافية، حيث قال: "على الرغم من وجود دعم لفكرة حقوق المرأة، لا يزال هناك رفض لمبدأ التكافؤ ولفكرة المساواة بين الجنسين". 

وخلال الحوار التفاعلي أوضحت الدكتورة هدى رشاد، مديرة مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، كيف يمكن أن يحدث إغفال وتجاهل لحقوق الأفراد وإمكاناتهم بسهولة حين يتم إحصاء أعداد البشر فقط وتجاوز أهم المعالم السكانية، حيث قالت: "يذكرنا تقرير حالة سكان العالم بإخفاق السياسات السكانية التي ركزت على الأرقام في محاولة دفع الناس نحو خيارات إنجابية لا يرغبون في اتخاذها لأنفسهم"، مشيرة إلى أن تلك السياسات السكانية لم تفشل في الماضي فحسب، بل قوضت أيضا رفاه الأفراد وتعدت على حقوق الإنسان الخاصة بهم.

وتحدث الدكتور ماجد عثمان، الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، عن التحولات النوعية التي يجب مراعاتها في المنطقة العربية لمعالجة قضايا السكان والتنمية بطريقة أكثر شمولًا، الأمر الذي أدى إلى إجراء نقاش بنّاء وربط بشكل واضح بين رسائل التقرير والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، بالإضافة إلى العوامل المختلفة التي تؤثر على معدلات الخصوبة، بما في ذلك سبب أن الافتراضات التي تتناول المعدل العالمي لمستوى الإحلال في الخصوبة والبالغ 2.1 مضللة وبعيدة عن الواقع. كما تحدث عن الافتقار إلى سبل الحصول على الرعاية الصحية باعتباره عائقا كبيرا أمام تحقيق المساواة في الخصوبة، وكيف يجب التصدي لعدم المساواة إذا أردنا معالجة مشكلة العقم.