أنت هنا

سوريا - "بعد الزلزال، صار أي صوت يرعبني"، هكذا عبرت مريم عن المأساة التي تعيشها في أعقاب الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا مؤخرًا، ومريم هي واحدة من آلاف النساء والفتيات اللواتي نزحن جراء هذا الزلزال المدمر،  "لن أنسى ذلك اليوم أبدًا"قالت مريم.

فبعد مرور ثلاثة أسابيع على وقوع زلزالين بلغت قوتهما 7.7 و  7.6 درجة على مقياس ريختر في جنوب تركيا وامتدت آثاره المدمرة إلى مناطق شمال سوريا ، صار هذا هو واقع عشرات الآلاف من النساء والفتيات في سوريا اللواتي استيقظن لمواجهة دمار هائل  وخسائر في الأرواح. وقد حلت هذه الزلازل بينما تستمر معاناة السوريين لأكثر من عقد من الزمن قاسىوا خلالها العنف والنزوح وعدم الاستقرار ما خلّف مجتمعات بأكملها تكافح من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية، فضلًا عما نجم عن ذلك من مخاطر غير مسبوقة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وقالت أم محمد من اللاذقية، وهي إحدى أكثر المحافظات تضررًا في سوريا: "استيقظت لأدرك أنني فقدت كل شيء في دقيقة - منزلي وملابسي وأموالي...أنا مصدومة ولا أجد ما أقوله. أشعر باليأس ولم يعد لدي أي أمل".

النساء والفتيات الأكثر تضرراً 

لا تفرق الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات والزلازل، بين الجنسين ولكن الآثار الناجمة عنها ليست كذلك. فمن بين ملايين الأشخاص الذين تضرروا من جراء هذه الحالة الطارئة، من المنتظر أن تلد 44.000 امرأة في الأشهر الثلاثة المقبلة، وستعاني حوالي 6600 امرأة منهن من مضاعفات الحمل والولادة. وحتمًا هن بحاجة  إلى اهتمام خاص ورعاية وتدخلات استثنائية لتلبية احتياجاتهن الملحّة.

وقد أوضحت السيدة ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان لمنطقة الدول العربية أن "الوضع بالنسبة للسوريين في جميع أنحاء المنطقة أسوأ حالًا مما كان عليه في أي وقت مضى... فالنزوح الجماعي، وتفاقم الأزمات الاقتصادية في المنطقة، وتفشي وباء الكوليرا، والأعمال العدائية المستمرة والجديدة، والانتهاكات الصارخة و المستشرية لحقوق الإنسان، كلها عوامل أدت إلى تعريض الأرواح للخطر. وكما هو الحال في جميع الأزمات الإنسانية، فإن النساء والفتيات يكن الأسوأ حالًا".

وقد نتج عن الأضرار التي لحقت بمرافق الرعاية الصحية نقص في خدمات التوليد ورعاية الأطفال حديثي الولادة المنقذة للحياة. وأثر ذلك على الإحالات للولادات العادية والطارئة على حد سواء، مما قد يزيد من مخاطر اعتلال الأمهات ووفيات يمكن الوقاية منها. وقد تؤدي حالات الطوارئ هذه إلى تفاقم خطر حدوث مضاعفات بسبب الولادة المبكرة والإجهاض والتهديدات بالإجهاض، الأمر الذي يزيد الطلب على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية.

وأضافت السيدة بكر: "هناك مخزون من الأدوية لعلاج الإصابات والأمراض الأساسية والبسيطة للغاية مثل الأنفلونزا، فما بالك بشيء معقد مثل إجراء عملية قيصرية".

في حالات الأزمات الإنسانية، عادة ما تواجه النساء والفتيات مخاطر متزايدة تهدد رفاههن وسلامتهن وكرامتهن. وفي كثير من الأحيان، تتأثر صحتهن النفسية والانجابية ورفاههن بشكل عام تأثرًا كبيرًا في حالات الكوارث هذه، وتصبح عرضة لأخطار جسيمة. إذ تتقلص قدرتهن على الوصول إلى الخدمات الضرورية لصحتهن وحمايتهن وبقائهن على قيد الحياة، وذلك في أحسن الأحوال، أما في أسوأها فهي تتقوض تمامًا، في وقت يكن فيه في أمس الحاجة إلى إلى تلك الخدمات، بجانب ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

وقالت أميرة وهي تجلس منهكة في درجات حرارة منخفضة للغاية تصل للتجمد في حلب: "الجو شديد البرودة، ونحن بحاجة إلى بطانيات ومراتب وملابس شتوية. فنحن ننام في الحدائق العامة بعد انهيار منزلنا".

الاستجابة لاحتياجات النساء والفتيات في مجالي الصحة والحماية

يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤه في جميع أنحاء سوريا على تلبية الاحتياجات الأساسية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، وعلى ضمان إتاحة وتوافر مجموعة الخدمات الأولية الدنيا والخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية والتي تقدم في وقت الأزمات – وهي سلسلة من الأنشطة الضرورية المنقذة للحياة اللازمة للاستجابة للاحتياجات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية وتقدم للسكان المتضررين في بداية الأزمات الإنسانية. ويتواجد موظفو صندوق الأمم المتحدة للسكان على الأرض حيث يعملون مع الشركاء  من أجل ضمان تنفيذ خطة الاستجابة للطوارئ في الوقت المناسب وبجودة عالية، فضلًا عن تقييم الوضع الحالي والاحتياجات الضرورية.

وكجزء من التزامه بعدم إغفال أي شخص أو إهمال احتياجاته وحقوقه، كثف صندوق الأمم المتحدة للسكان من جهود التوعية التي يبذلها لتعزيز سبل الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الهامة والضرورية في شمال غرب سوريا. فمن خلال نشر العيادات المتنقلة، تمكنت الطواقم الصحية من تقديم الخدمات الأساسية المنقذة للحياة والمعلومات والإحالة إلى الأشخاص المحتاجين الذين يعيشون في المناطق الأكثر تضررًا من الزلازل. وحتى الآن، تم توزيع 215 مجموعة من مجموعات الصحة الإنجابية الطارئة فى الأوضاع الإنسانية لخدمة أكثر من 49000 امرأة. وتشتمل مجموعات الصحة الإنجابية الطارئة فى الأوضاع الإنسانية على الأدوية الأساسية والتقنيات الصحية والأدوات والمستلزمات الضرورية لتنفيذ أهداف مجموعة الخدمات الأولية الأساسية الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية والتي تقدم في وقت الأزمات.

ولأول مرة عقب الزلزال، تلقى حي الشيخ مقصود - وهي منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة السورية في شمال حلب - دعماً إنسانياً. حيث تضم المنطقة أكثر من 17000 شخصاً تضرروا من جراء الزلزال، أكثر من نصفهم من النساء. ووفر صندوق الأمم المتحدة للسكان للنساء والفتيات في الحي حقائب الكرامة التي تحتوي على مستلزمات النظافة الشخصية الأساسية، وتشمل فوطاً صحيةً للحيض وصابون للاستحمام والملابس الداخلية ومسحوق للغسيل ومناديل صحية ومصباح يدوي ومعجون أسنان وفرشاة أسنان ومشط ومجموعات مستلزمات للحوامل والمرضعات وملابس شتوية للأسر، كلها موضوعة داخل حقيبة يسهل حملها. ويلبي كل صنف من هذه العناصر احتياجاً خاصا ًمن الاحتياجات الأساسية للنساء والفتيات.

ولم يتكشف بعد النطاق الكامل للضرر والحجم الفعلي للأزمة. فبعد أن عانت سوريا من ويلات حرب استمرت 12 عامًا تقريبًا، جاء الزلزال ليضرب مدنها وبلداتها في وقت بلغت فيه الاحتياجات الإنسانية في البلاد أعلى مستوياتها منذ بدء الصراع. ويناشد صندوق الأمم المتحدة للسكان بشكل عاجل توفير 24.8 مليون دولار في صورة تمويل سريع ومرن ومستدام لتقديم المساعدة لملايين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها في سوريا.

* تم تغيير الأسماء من أجل الخصوصية والحماية.