الأمم المتحدة، نيويورك - قالت إسبيرانس، القابلة في مستشفى كيشيرو العام شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: "ساعدتُ هذا الأسبوع في 19 ولادة، اثنتان منها كانتا حالات طارئة مهددة للحياة". وأضافت: "نعمل في ظروف صعبة، ونخشى ألا نتمكن من إنقاذ الجميع. لكننا صامدون".
في كل عام، تحدث ثلاثة أرباع وفيات الأمهات في 25 دولة فقط، معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا. تعاني معظم هذه الدول من النزاعات والكوارث المناخية، وتعتمد أيضًا على هياكل المساعدات الخارجية لدعم أنظمتها الصحية. ولكن مع تقليص التمويل الإنساني بشكل كبير، تشهد الخدمات المنقذة للحياة، كتلك المقدمة في كيشيرو، تقليصًا حادًا.
"نحن لا نرفض أي شخص، لكن الاحتياجات تتجاوز قدرتنا"، أوضح الدكتور فابريس بيشينغ، مدير المستشفى. "نحن نفتقر إلى كل شيء، من أكياس الدم إلى الأدوية. وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاء آخرين، لا يزال بإمكاننا تقديم الخدمات، ولكن إلى متى؟"
بمساعدة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الأمم المتحدة للصحة الجنسية والإنجابية، يُعد مستشفى كيشيرو أحد المرافق القليلة في مقاطعة شمال كيفو التي مزقها النزاع والتي تقدم رعاية الأمومة. ومع نزوح مئات الآلاف من الناس وعدم قدرتهم على الحصول على حتى الخدمات الأساسية، اضطرت معظم المستشفيات إلى الإغلاق بسبب انعدام الأمن ونقص الإمدادات والموظفين الذين اضطروا أنفسهم إلى النزوح.
"بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاء آخرين، لا يزال بإمكاننا تقديم الخدمات، ولكن إلى متى؟"
إنه سيناريو يتكرر في سياقات الأزمات حول العالم، حيث تُغلق المرافق الصحية أبوابها ويفقد عدد لا يُحصى من العاملين الصحيين وظائفهم، في الوقت الذي يحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى مساعدتهم بشكل عاجل. ومع ذلك، وكما هو موضح في مبادرة جديدة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، هناك أدلة كثيرة على وجود حل بسيط ومنقذ للحياة وفعّال من حيث التكلفة: تدريب وتوظيف ونشر المزيد من القابلات.
1) العالم يخاطر بالتراجع عن التقدم المحرز في مجال صحة الأمهات
إن النساء والأطفال حديثي الولادة في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراعات أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل والولادة بمرتين، ويمثلون أكثر من 60 في المائة من وفيات الأمهات على مستوى العالم.
إن التخفيضات الكبيرة في التمويل لن تؤدي إلا إلى تفاقم هذه الأرقام، حيث من المرجح أن يتعاظم العجز المقلق بالفعل بحوالي 900 ألف قابلة ماهرة. وفي اليمن، حيث تتم ستة من كل عشر ولادات بدون قابلة وحيث لا تتلقى أربع نساء من كل عشر رعاية ما قبل الولادة، فإن معدل وفيات الأمهات هو من بين أعلى المعدلات في المنطقة.
نورا هي واحدة من أربع قابلات ماهرات فقط في جزيرة قمران في محافظة الحديدة. تعمل في مركز صحي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان ويخدم حوالي 5,000 امرأة وفتاة في ثلاث قرى. قالت: "سأسير في الوحل، وعبر الفيضانات وأقاتل ضد كل الصعاب - لأن كل ولادة يجب أن تكون قصة فرح لا ذكرى حزينة."

ويعني النقص الحاد في الموارد في الجزيرة أن النساء اللواتي يعانين من ولادات عالية الخطورة يجب أن يبحرن بقارب عبر المياه الغادرة إلى أقرب مستشفى، تليها رحلة طويلة بسيارة إسعاف. تذكرت نورا امرأة دخلت في المخاض مصابة بمضاعفات خطيرة أثناء نقلها بالقارب الليلي: مع عدم وجود معدات، ولّدت نورا الطفل بأمان، ونجت كل من الأم والطفل..
"سأسير في الوحل وعبر الفيضانات وأقاتل ضد كل الصعاب - لأن كل ولادة يجب أن تكون قصة فرح وليس ذكرى حزينة."
لكن نقص الأموال يعني أن صندوق الأمم المتحدة للسكان لا يمكنه الاستمرار في دعم المركز الصحي، مما يكلف نورا وظيفتها ويعرض حياة الكثيرين في مجتمعها للخطر. للأسف، فإن حالتها بعيدة كل البعد عن أن تكون حالة فردية: في جميع أنحاء اليمن، لن يتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان بعد الآن من تدريب أو توظيف أكثر من نصف القابلات البالغ عددهن 1,492، والمخطط لهن التدريب في عام 2025، مما يعني أن أكثر من 590,000 امرأة في سن الإنجاب ستفقد إمكانية الحصول على الرعاية التي توفرها القابلات، وسيتأثر إجمالا حوالي 2.3 مليون شخص.
2) فقدان الوظائف يهدد حياة ملايين النساء والفتيات
غالبا ما تكون القابلات العاملات الصحيات الوحيدات المتاحات في البيئات الإنسانية - حيث يدعمن الولادات المأمونة، وإدارة المضاعفات، ويوفرن وسائل تنظيم الأسرة ورعاية الناجيات من العنف. عندما يختفي التمويل، لن تستطيع القابلات العمل، وتغلق المراكز الصحية وتُفقد الأرواح.
وقد تلقى صندوق الأمم المتحدة للسكان بالفعل تقارير عن ارتفاع معدلات الوفيات بين النساء والأطفال حديثي الولادة في مناطق النزاع والسياقات الهشة. وفي غزة، قالت هدى شعبان: "النساء الحوامل والمرضعات هن من بين الفئات الأكثر ضعفا وبحاجة إلى الاهتمام والتوجيه. بصفتي قابلة، أواجه تحديات بسبب النقص الحاد في الإمدادات الطبية والانهيار الوشيك لنظام الرعاية الصحية"

تعاني المراكز الصحية في جميع أنحاء غزة من ضغوط هائلة، ونقص في الكادر الطبي، وصعوبة الوصول إليها بشكل متزايد بسبب نقص سيارات الإسعاف، والقيود على الحركة، وعمليات الإجلاء، والتهديدات الأمنية. لذا، يُعدّ تعزيز خدمات القبالة المجتمعية أكثر أهمية من أي وقت مضى لضمان حصول النساء على الرعاية الصحية عندما يكنّ في أمسّ الحاجة إليها.
وأضافت السيدة شعبان التي تلقت تدريبا من صندوق الأمم المتحدة للسكان: "لا توجد مستشفيات تقبل حاليا النساء الحوامل، مما يتركهن دون الحصول على رعاية ما قبل الولادة المنتظمة. هناك عدد قليل جدا من العيادات المتاحة، والنقاط الطبية الحالية توفر الحد الأدنى من الاهتمام للنساء الحوامل."
ومع فقدان التمويل الأمريكي، من المرجح أن يتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من نشر 63 قابلة فقط من أصل 93 قابلة كان يخطط لنشرهن في غزة في عام 2025، ولن تحصل هؤلاء على المعدات التي يحتجنها للقيام بعملهن بفعالية.
3) القابلات يوفرن رعاية صحية فعالة من حيث التكلفة ومنقذة للحياة
إن الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة بواسطة القابلات يؤدي إلى تجنب ثلثي وفيات الأمهات والمواليد الجدد، ويساهم في خفض تكاليف الرعاية الصحية، ويؤدي إلى زيادة إنتاجية القوى العاملة. أظهرت الدراسات أن كل دولار واحد يتم استثماره في القبالة يدر ما يساوي 16 دولارا من العوائد، وينقذ الأرواح ويضمن الاستقرار وتعزيز الاقتصادات.
"لقد عهد إلي بحماية الحياة خلال أكثر لحظاتها ضعفا وإعجازا - الولادة"، قالت القابلة حليمة بوكار شيتيما في بورنو في شمال شرق نيجيريا. "يتجاوز عملي الرعاية البدنية - إنه يتعلق بتمكين النساء وتحصين الأسر ورعاية المجتمعات."
السيدة شيتيما هي واحدة من القابلات المتفانيات على الخطوط الأمامية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في منشأة صحية في مخيم للنازحين للأشخاص الفارين من العنف. "كل حياة يتم إنقاذها تحكي قصة قوية عن المرونة والتأثير العميق للرعاية الرحيمة.

كل قابلة تُجبر على التخلي عن دراستها أو عملها أو طموحها نتيجة عدم حصولها على التقدير يعني أن حياة امرأة أخرى حامل معرضة للخطر. تطلق مبادرة تعزيز القبالة الجديدة التابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان نداءً عاجلاً لزيادة التمويل والتدريب والدعوة للقبالة، بما في ذلك في حالات الأزمات: من خلال رعاية ماهرة ومحترمة وقائمة على الأدلة، يجب أن تكون القابلات في صميم أنظمة صحية قوية.
"يتجاوز عملي الرعاية الجسدية - إنه يتعلق بتمكين النساء وتحصين العائلات ورعاية المجتمعات."
في عاصمة هايتي، بورت أو برنس، تكرس القابلات جهودهن لتقديم الخدمات الاجتماعية والمساعدة النفسية إلى جانب الرعاية الصحية. لكن قدرتهن على القيام بذلك مقيدة بالعنف والنهب وانعدام الأمن الذي لا هوادة فيه.
قالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة نتاليا كانيم، إن "العنف الجنسي تستخدمه العصابات كأداة لبث الخوف والسيطرة على أجساد النساء والفتيات"، مشيرة إلى أن العديد من المستشفيات اضطرت إلى الإغلاق بسبب نفاد الأدوية والموظفين فيها.
في بورت أو برانس، تعمل القابلة نعومي نويل في مشروع لصندوق الأمم المتحدة للسكان، بدعم من الصندوق العالمي، للكشف والوقاية من العدوى المنقولة جنسيًا، بما فيها فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). أوضحت قائلةً: "في مواجهة آفة فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، نحتاج إلى متخصصين مؤهلين ومتعددي التخصصات في مجال الرعاية الصحية لتقديم الرعاية وتنفيذ تدابير وقائية شاملة لتحقيق هدف القضاء على أي إصابات جديدة بحلول عام 2030". وأضافت: "من المهم تثقيف الشباب والبالغين الأصحاء وتوعيتهم بالسلوك الجنسي المسؤول".
"ادعموا القابلات"

في الصومال، تعمل القابلة نديفو عبد الحكم علمي في مركز صحي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتم استدعاؤها إلى حالة طوارئ تهدد الحياة في مخيم للنازحين خارج العاصمة مقديشو..
"لا يمكننا إهمال الأم في حالة حرجة - علينا أن نتصرف."
قالت لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "منشأتنا غير مجهزة للمضاعفات ولكن لم يكن لدينا الوقت لنقل [الأم] إلى المستشفى، لذلك عالجناها في المخيم بأدويتنا".
كل من الأم والطفل آمنان، لكنه سيناريو كان من الممكن أن ينتهي بسهولة بشكل آخر أكثر مأساوية. "أحد التحديات التي نواجهها في حالات الأزمات هو أن الأمهات يمكن أن يصلن في حالة صعبة. إنه أمر صعب عندما لا يمكنك مساعدة شخص محتاج بشكل كامل، لكن لا يمكننا إهمال أم في حالة حرجة ".
وأضافت "في كل أزمة يواجهها بلد ما، فإن القابلات هن اللواتي يتحملن العبء. في الفيضانات، نغادر منازلنا لمساعدة الأمهات. في النزوح، نتبعهن وندعمهن. بغض النظر عن الأزمة، فإن القابلات دائما موجودات".
"ادعموا القابلات حتى يتمكن من إنقاذ الأمهات."