أنت هنا

صاحب السعادة

السيد خوسيه خافيير دي لا جاسكا لوبيز دومينغيز

رئيس مجلس الأمن

نيويورك

سيادة الرئيس،

أكتبُ إليكم بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة لكي أسترعي انتباه مجلس الأمن إلى مسألة أرى أنها قد تفاقِم التهديدات القائمة التي تكتنف صون السلم والأمن الدوليين.

لقد نشأ عمّا يربو على ثمانية أسابيع من الأعمال القتالية في غزة وإسرائيل معاناة إنسانية مروعة ودمارًا ماديًا وصدمة جماعية في شتّى أرجاء إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.

فقد قُتل أكثر من 1,200 شخص بوحشية، بمن فيهم 33 طفلًا، وأصيب الآلاف بجروح في أعمال إرهابية مقيتة ارتكبتها حماس وغيرها من الجماعات المسلّحة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهي أعمال أدنتُها مرارًا وتكرارًا. واختُطف نحو 250 شخصًا، من بينهم 34 طفلًا. وما زال أكثر من 130 في عداد الأسرى. وينبغي إطلاق سراحهم فورًا ودون شروط. والروايات الواردة بشأن العنف الجنسي خلال هذه الهجمات مروعة.

ويواجه المدنيون في جميع أنحاء غزة خطرًا جسيمًا. فمنذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية، أفادت التقارير بمقتل ما يزيد عن 15,000 شخص، أكثر من 40 في المائة منهم من الأطفال. وأُصيب آلاف آخرون بجروح. ودُمر ما يربو على نصف المنازل إجمالًا. وهُجِّر نحو 80 في المائة من السكان البالغ تعدادهم 2.2 مليون نسمة قسرًا إلى مناطق باتت تتضاءل على نحو متزايد. ويلتمس أكثر من 1.1 مليون شخص اللجوء في منشآت وكالة الأونروا في شتّى أرجاء غزة، مما ينشأ عنه ظروف تشهد الاكتظاظ وتحطّ من كرامة الإنسان وتفتقر إلى النظافة الصحية. ولا يجد الآخرون مكانًا يأوون إليه ويجدون أنفسهم مضطرين للمكوث في الشوارع. وتحيل المتفجرات من مخلفات الحرب المناطق إلى أمكنة غير صالحة للسُكن. وما من حماية فعّالة للمدنيين.

ويشهد نظام الرعاية الصحية في غزة انهيارًا. فقد تحولت المستشفيات إلى ساحات للمعارك، بل إن 14 مستشفًى من أصل 36 منشأة تزاول عملها جزئيًا. ويعمل المستشفيان الرئيسيان في جنوب غزة بثلاثة أضعاف طاقتهما الاستيعابية، والإمدادات الطبية والوقود آخذة في النفاد منهما. كما يؤوي هذا المستشفيان الآلاف من المُهجّرين. وفي ظل هذه الظروف، سوف يموت المزيد من الأشخاص دون أن يحصلوا على العلاج في غضون الأيام والأسابيع المقبلة.

لا مكان آمنًا في غزة.

وسط القصف المتواصل الذي تشنّه قوات الدفاع الإسرائيلية ودون توفّر المأوى أو الأساسيات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، أتوقع أن ينهار النظام العام بكامله قريبًا بسبب الظروف البائسة، مما يجعل حتى المساعدات الإنسانية المحدودة أمرًا من ضرب المستحيل. بل قد تتكشّف فصول حالةٍ أسوأ بشوط بعيد، بما تنطوي عليه من الأمراض الوبائية والضغط المتزايد الذي يدفع باتجاه التهجير الجماعي إلى البلدان المجاورة.

يدعو مجلس الأمن، في القرار 2712 (2023)، إلى «زيادة توفير هذه المساعدات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين، وخاصة الأطفال.»

إن الظروف الراهنة تجعل من تسيير مساعدات إنسانية معقولة أمرًا مستحيلًا. ونحن، مع ذلك، نُعِدّ خيارات لرصد تنفيذ هذا القرار، حتى لو كنا ندرك أن ذلك متعذر في ظل الظروف الراهنة.

وبينما يستمر إيصال الإمدادات عبر رفح، فالكميات ليست كافية وشهدت انخفاضًا بعدما انتهت الهدنة. إننا ببساطة عاجزون عن الوصول إلى المحتاجين في غزة. فقد تقوّضت قدرة وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها في مجال العمل الإنساني بفعل نقص الإمدادات ونفاد الوقود وانقطاع الاتصالات وتنامي انعدام الأمن. وانضم العاملون في المجال الإنساني إلى الغالبية الساحقة من المدنيين الغزيين الذين أُجْلُوا إلى جنوب غزة قبل انطلاق العمليات البرية. وقُتل ما لا يقل عن 130 من زملائنا في وكالة الأونروا، وكثيرون منهم قُتلوا مع أُسرهم.

إننا نواجه خطرًا جسيمًا يتمثل في انهيار المنظومة الإنسانية. فالحالة تشهد تدهورًا سريعًا إلى كارثة بما تنطوي عليه من تداعيات ربما لا يكون ثمة سبيل إلى إزالتها وعكس مسارها على الفلسطينيين عن بكرة أبيهم وعلى السلام والأمن في المنطقة. ويجب تفادي هذه النتيجة بأي ثمن.

تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية استخدام كل ما في جعبته من نفوذ لمنع المزيد من التصعيد ولوضع حد لهذه الأزمة. إنني أحثّ أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية. وأؤكد مجددًا مناشدتي للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية. فهذا أمر مُلحّ. ينبغي تجنيب السكان المدنيين المزيد من الأذى. فمع وقف إطلاق النار، يمكن استعادة وسائل البقاء ويمكن إيصال المساعدات الإنسانية على نحو آمن وفي الوقت المطلوب في جميع أنحاء غزة.

وتفضلوا، سيدي الرئيس، بقبول فائق الاحترام والتقدير.

أنطونيو غوتيريش