أنت هنا

تعيش دهب السيد، ذات الستين عامًا، في حيِّ يقع على أطراف القاهرة. ما زالت تتذكر بشكلٍ مبهم الحماسةَ التي عمَّت مدينتها عند انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية فيها. لكن نظرًا لانشغالها بالعمل ورعاية عائلتها في ذلك الوقت، فقد خانتها الذاكرة في استعادة تفاصيل المؤتمر وتأثيراته. غير أنها شهدت في مراحل تالية من حياتها بعض التغيرات الطارئة  على المواقف تجاه النساء والفتيات والتي يمكن عزوها إلى المؤتمر الذي أقرَّ بأن إعمال حقوق الفتيات والنساء، وخاصة فيما يتعلق بخياراتهن الجنسية والإنجابية، هو أمر أساسيٌّ في التنمية. 


دهب في منزلها بالقاهرة ©UNFPA_Roger Anis 

لكونها فتاةً ترعرعت في كنف عائلة ريفية فقيرة من 15 فردًا، كانت خيارات دهب محدودة، حتى إن التعليم كان بعيدًا عن منالها. "لم تكن أمامي أي فرصٍ بخلاف الزواج، كان هذا هو المستقبل الوحيد الذي أراه أمامي،" تقول دهب.

وهي تتذكر اليوم الذي حضرت فيه امرأةٌ إلى بيتها لتشويه أعضائها التناسلية وهي العادة المعروفة باسم "ختان الإناث." لم يكن لدى دهب أدنى فكرة عما يجري، لكنها تتذكر الألم والدماء والمسحوق الذي استُخدم لإيقاف النزف. كما تتذكر كيف بقيت طريحة الفراش طيلة 15 يومًا حتى التأمت جراحها. لكنها عندما كبرت وأسست عائلةً بدورها، أخضعَت ابنتها لتشويه الأعضاء التناسلية أيضًا. "كان أمراً حتميًا،" على حد قول دهب. وقد أصرّت عائلة زوجها على القيام به كما كانت فرص الزواج متوقفة على ذلك وكانت جميع الفتيات يتعرَّضن للختان في ذلك الوقت. بالرغم من الانخفاض في معدل تشويه الأعضاء التناسلية في الأجيال الأصغر عمرًا في المنطقة العربية، مازالت تلك الممارسة تؤثر على 55 في المائة من الفتيات في الفئة العمرية من 15 لـ19 سنة.

اليوم، تعتقد دهب أن تعريض الفتيات لهذه الممارسة أمرٌ خاطئ، وقد نجت حفيدتها من هذا المصير بعد أن شاهدت دهب حملة عبر التلفاز وعرفت حجم الأذى الناجم عن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وعلمت أن هذا الإجراء بات اليوم غير قانوني.

 أنجبت دهب بعد زواجها أربعة أطفال بفواصل زمنية وجيزة. محاصرين بالفقر واعتلال صحة زوجها، قرر الزوجان عدم إنجاب المزيد من الأطفال. ولأنها لطالما اشتغلت بمهن عرضية، كالتنظيف وغسيل الملابس والرعاية، فهي لم تحصل يومًا على تأمين صحي يغطي تكاليف وسائل منع الحمل. لكن موانع الحمل الرحميَّة (اللولب) كانت مدعومةً في مصر، ولذلك بدأت باستخدامها.

توفّي زوجها، الذي كان يعمل منجِّداً، قبل 20 عامًا. منذ ذلك الوقت وتغطية تكاليف المعيشة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم. يعاني ثلاثة من أولادها من مشاكل طبية جعلتهم عاجزين عن العمل. ولتتمكن من إعالتهم، فضلاً عن إعالة نفسها، فهي تتولى عملين خلال النهار، ثم تعتني بشخص مسنٍّ ليلاً. ونادرًا ما تحظى بفرصة الذهاب إلى منزلها. وبالرغم من توقِها الشديد لتعلم القراءة والكتابة، لو أن لديها مزيدًا من الوقت، لاستغلته في جني المزيد من المال. بعد فترة وجيزة ستتلقى معاشًا بسيطًا من الحكومة، لكنه لن يكفي لإعالتها ولذلك ستواصل العمل. قالت: "النساء هن من يعملن ويكسبن المال لإعالة العائلة،" تقول ذلك وكأنه حقيقةً لا جدل فيها.

كثيرًا ما يتم وصف برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والذي ظهر للنور في عام 1994 بالـ"ثوري" لعدة أسباب منها إقرار البرنامج بالعلاقات المركبة بين قدرة الجميع على الوصول لخدمات الصحة الإنجابية، وتمكين المرأة وحقها في حياة آمنة من العنف، والتنمية المستدامة. ولذلك فقد أوصى برنامج العمل بحماية المجموعات الأكثر هشاشة مثل السكان الأكثر فقرًا والنازحين واللاجئين. بالنسبة لدهب، حياتها التي بدأت في أسرة فقيرة وزواجها في الثالثة عشر من عمرها وتعرضها لتشويه الأعضاء التناسلية وحرمانها من التعليم هي قضايا متصلة لا يمكن فصل أحدها عن الأخرى.

وبينما لم تتحقق وعود برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القضاء على الفقر وتعليم الفتيات وتمكين النساء بشكل كامل بالنسبة لدهب، إلا أنها أصرت على أن تمنح أبنائها مستقبلاً يختلف عن حياتها. فتقول دهب:

"للفتيات اختيار الآن وكان لابنتي اختيار في زواجها. علمت أبنائي الأربعة وأتمنى أن تتعلم كل حفيداتي. لا أريد لهن أن يصبحن أطباء ومحامين بالضرورة، بل أريد لهن أن يصبحن معلمات، يعلمن الصغار."

يمكنك الاطلاع على تقرير حالة سكان العالم لعام 2019 لتتعرف على مدى تقدم العالم في تحقيق وعود برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، كما يمكنك الاطلاع على ملف تفاعلي يلخص أهم النتائج من خلال هذا الرابط.