أنت هنا

رفح، قطاع غزة – " كان الأمرُ مرهقًا، لقد تعاملنا مع 78 حالة في ليلة واحدة". يوجد خمسة أسرّة فقط للولادة في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في رفح، حيثُ تعمل القابلة سميرة حسني قشطة. 

هذا المشفى هو أحد المستشفيات القليلة العاملة المتبقية في جنوب غزة. وقد زودها صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، بالإمدادات الأساسية مثل الأدوية ومستلزمات الصحة الإنجابية وصحة الأم، لكن المنشأة الصغيرة غير مؤهلة للتعامل مع كارثة بهذا الحجم. 

أوضحت السيدة قشطة أن: "كل النازحين موجودين في مدينة رفح، وكل العبء يقع على عاتقنا. يوجد عدد قليل جدًا من القابلات، وعدد قليل جدًا من الأسرّة، وعدد قليل جدًا من الأطباء".  

وصف الموظفون رعبهم بينما يتدفق عدد لا يُحصى من الجرحى والمرضى، بما يشمل النساء الحوامل والأمهات الجدد والرضّع. يموت الأطفال حديثي الولادة لأن الأم لم تتمكن من إجراء فحوصات ما قبل الولادة أو ما بعدها، أو بسبب عدم وجود أي مرافق للذهاب إليها. 

وكما أوضحت السيدة قشطة: "توقف معظمهم عن المتابعة منذ الشهر السابع. يأتون فقط للولادة، ويأملون في تحقُق الأفضل".

قال الدكتور أحمد الشاعر، أخصائي طب الأطفال في المستشفى، إن للقصف المتواصل والفرار بحثًا عن الأمان والشعور بالخوف أثر كبير على الكثيرين. "هذه هي نتيجة الرعب والقلق [...] اللذان يؤديان إلى الولادة المبكرة. مثل هذه الحالات تمثل تحديًا حتى في الأيام العادية – فما بالكم الآن. إن الوضع مأساوي".  


سهاد مطر، 36 عامًا، قامت برحلة شاقة من منزلها في جباليا إلى رفح أثناء حملها، ثم أنجبت لاحقًا بعملية قيصرية في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان.
  © صندوق الأمم المتحدة للسكان فلسطين/ بيسان عودة


 

أزمة صحة عامة

يأتي الارتفاع المُبَلغ عنه في حالات الولادات الطارئة في وقت تتعرض فيه المرافق الصحية المتبقية في غزة لإجهاد لا يُحتَمَل. وتنتشر الأمراض المعدية في الملاجئ المكتظة وغير الآمنة -وكذلك في المستشفيات التي تتعرض للهجوم أيضًا- في حين ينتشر الجوع والجفاف والموت في كل زاوية. 

بالنسبة للأطفال حديثي الولادة، إنها معركة غير متوازنة من أجل الحياة. يقول دكتور الشاعر: "علينا وضع أربعة أو خمسة أطفال في حضّانة واحدة … معظمهم لا ينجو". 

تنتشر العدوى من المراحيض والحمامات ذات الأوضاع غير الصحية، مما يشكل خطرًا خاصةً على النساء الحوامل والأطفال الصغار. أوضحت السيدة قشطة أن "معظم النساء يأتين مصابات بعدوى، الحمامات مشتركة والعدوى تنتقل بسهولة؛ فحتى الملابس الداخلية لا يمكنهم تغييرها باستمرار، كل ذلك يساهم في الإصابة بالعدوى". 

أُجبِر أكثر من ثلاث أرباع سكان غزة على ترك منازلهم منذ اندلاع الصراع، والكثيرون منهم اضطروا للنزوح عدة مرات. ويعاني معظمهم من ظروف مزرية وخطيرة، دون مأوى من العنف وفي خيام واهية فقط للحماية من الرياح والأمطار والبرد. في خضم هذه الكارثة، من المقرر أن تلد حوالي 5,500 امرأة في الشهر المقبل مع عدم حصولهن على أي مساعدة طبية، ويوجد أكثر من 155,000 امرأة حامل معرضة بشدة لخطر سوء التغذية. 

العديد منهن محاصر في رفح، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في غزة، حتى قبل تصعيد الأعمال العدائية. والآن تضخم عدد سكانها بنسبة 500 في المائة، حيثُ أصبح أكثر من 1.4 مليون فلسطيني تحت تهديد هجوم بري اسرائيلي وشيك. 

ومن بينهم سهاد مطر، البالغة من العمر 36 عامًا، والتي قامت برحلة شاقة من جباليا، وهي حامل، بعد قصف منزل عائلتها. "كل مرة يهطل فيها المطر، تغمر المياه الخيمة ويستغرق الأمر أيامًا حتى تجف الأسرّة. اليوم من المُقرر أن أجري عملية ولادة قيصرية، بعدها سأعود لنفس المعاناة". 

علاوةً على الظروف المعيشية المُريعة، فإنها لا تملك الضروريات الأساسية لرعاية مولودها الجديد، أو لرعاية نفسها. "الملابس التي بحوزتي تكفي ليوم الولادة فقط؛ وهذا كل شيء. الخيمة باردة جدًا، مهما غطينا. أكثر ما يقلقني هو كيف سأحافظ على دفء [مولودي الجديد]". 

إنها قلقة بشأن الولادة نفسها أيضًا. "أخبرونا أن من تحتاج لذلك عليها إحضار مرتبة ووسادة للنوم عليها إذا كانت بحاجة لدخول المشفى والولادة".

 


يؤدي نقص الإمدادات والأدوية والكهرباء إلى وضع أربعة أو خمسة مواليد في حضّانة واحدة، في مستشفى الهلال الإماراتي للولادة في رفح، حيث تعمل القابلة سميرة حسني قشطة.  © صندوق الأمم المتحدة للسكان فلسطين/ بيسان عودة


الخوف من المستقبل 

بالنسبة لمن يتمكنون من تأمين سرير، فإن الولادة محفوفة بالمخاطر. وصفت السيدة قشطة فقد جنين إحدى النساء مؤخرًا. "لم تعرف حتى [أنها فقدت الجنين] … لم تشعر بحركته لفترة من الوقت. وبالطبع، لم تتابع. إنها نازحة في خيمة. ما الذي سيأتي بها إلى هنا؟" 

وقد وقع أكثر من 360 هجومًا على المرافق الصحية في غزة، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ وترزح  المرافق التي مازالت تعمل -وموظفوها- تحت ضغط إنقاذ الأرواح وبالكاد يتمكنون من ذلك في ظل نقص المستلزمات الطبية . قالت السيدة قشطة: "نحن في أزمة. ليس بحوزتنا أدوات كافية. نقوم بالولادات بدون حتى ملاءات، مباشرةً على سرير من الجلد". 

“بينما تلد واحدة، نحضر حالة أخرى، ولا يوجد سرير. نقول 'قومي، اجلسي على الكرسي' وهي قد أنجبت للتو. لا توجد نظافة، ولا خصوصية [...] إنه وضع مزر". 

صندوق الأمم المتحدة للسكان يسعى جاهداً وقدر استطاعته لإيصال الإمدادات 

حيثما يُسمَح بالوصول، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوزيع الأدوية والمعدات الضرورية على المرافق الصحية في جميع أنحاء غزة، ومن بينها مستشفى الهلال الإماراتي في رفح. تشمل الإمدادات مستلزمات صحة الأمومة وما بعد الولادة ومستلزمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك لحالات الولادة الطارئة، بالإضافة إلى حقائب الكرامة ومستلزمات إدارة النظافة أثناء الدورة الشهرية. 

كما وفر صندوق الأمم المتحدة للسكان تحويلات نقدية لمرة واحدة للنساء ذوات الأوضاع الهشة، وعَقَد جلسات حول منع العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له. ولكن، هناك حاجة لأكثر من ذلك حيثُ تتعرض المجتمعات والمستشفيات لهجمات متزايدة والنظام الصحي في غزة على حافة الانهيار التام.