كل دقيقتين، تفقد امرأة أو فتاة حياتها بسبب الحمل أو الولادة. وبينما يمكن الوقاية من غالبية هذه المآسي وتجنب حدوثها، تزداد مخاطر التعرض لها بشكل ملحوظ في أوقات الأزمات.
وتُعزى العديد من هذه الوفيات إلى مضاعفات وأمراض كان بالإمكان تجنبها من خلال توافر الرعاية المناسبة قبل الولادة وأثناء الولادة وما بعدها، وهي خدمات تقدمها القابلات.
لقد نجحت العديد من البلدان في المنطقة العربية في تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في خفض معدلات وفيات الأمهات لتصل إلى أقل من 70 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية. وعلى الرغم من ذلك، كان متوسط الوفيات في المنطقة لا يزال يفوق ضعف هذا المعدل في عام 2017، حيث بلغ 151 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية.
ويوفر تطبيق "الولادة الآمنة" "Safe Delivery" للقابلات والعاملات في مجال الصحة إمكانية الوصول إلى الإرشادات والمبادئ التوجيهية المنقذة للحياة بشأن التعامل مع حالات الولادة ومعالجة مضاعفات حالات الولادة الخطيرة بطريقة آمنة.
وقد تم مؤخرًا تجربة التطبيق، والمصمم خصيصًا للمناطق ذات الموارد المحدودة، في العراق وسوريا ومخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن.
وتقول إحدى العاملات في مجال الصحة من جمعية العون الصحي الأردنية : "بفضل كونه أداة تدريب رقمية شاملة، قام تطبيق "الولادة الآمنة" بتحديث معارفي وخبراتي العلمية والعملية والارتقاء بها، و عزز ثقتي في قدرتي على التعامل مع أي سيناريو للولادة".
وأثبتت مجموعة من التدريبات والاختبارات أُجريت لتعريف العاملات في مجال الصحة في البلدان الثلاثة بالتطبيق، والذي يمكن تنزيله واستخدامه دون اتصال بالإنترنت، فاعليته في تحديث وتطوير مهارات القابلات والعاملات في مجال الصحة.
وأفادت المستخدمات بأهمية وفاعلية تطبيق "الولادة الآمنة" باعتباره أداة سهلة الاستخدام لتحديث معلوماتهن، وباعتباره كذلك مرجعاً سريعاً لكيفية التعامل مع مضاعفات الولادة الخطيرة مثل نزيف ما بعد الولادة، الذي يتسبب في 75% من حالات وفيات الأمهات في الأردن.
وتؤكد إحدى القابلات من جمعية العون الصحي الأردنية أهمية التطبيق وفائدته بقولها: "إن تطبيق "الولادة الآمنة" يشكل حلًّا مبتكرًا يوفر لنا معلوماتٍ أساسية ومقاطع فيديو إرشادية، مما يساعدنا بشكل كبير في التعامل مع مختلف السيناريوهات المتعلقة بصحة الأم والطفل، وتعزيز قدراتنا، وخفض معدلات الوفيات".
وتُعبر قابلة أخرى تعمل في منطقة السلمية بمحافظة حماة غرب سوريا عن امتنانها لمشاركتها في البرنامج التجريبي لتطبيق "الولادة الآمنة" قائلةً: "لقد كان التدريب الذي تلقيته وبدء العمل بالتطبيق بمثابة تجربة تحولية بالنسبة لي كعاملة في مجال الصحة، فقد زودني بالمهارات والمعرفة اللازمة لتقديم رعاية أفضل للنساء والفتيات ممن هن في حاجة إلى خدمات الأمومة، وأنا ممتنة لإتاحة مثل هذه الفرصة لي لأكون جزء من هذا البرنامج التجريبي".
وقد أثبتت المرحلة التجريبية لتطبيق "الولادة الآمنة" فعاليته في تعزيز التعلم من الأقران والدعم بين العاملين في مجال الصحة، كما ساهم في جهود تعزيز الكفاءات بين السلطات والهيئات المعنية بالصحة والشركاء.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الأمومة "Maternity Foundation"، ومقرها الدنمارك، قد قامت بوضع تصور لتصميم تطبيق "الولادة الآمنة"، وذلك بالتعاون مع جامعة كوبنهاجن وجامعة جنوب الدنمارك، وتم طرحه في 70 دولة منذ إطلاقه في عام 2015، ليصل إلى أكثر من 400,000 من المهنيين العاملين في مجال صحة الأمومة بحلول عام 2023. ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع مؤسسة الأمومة "Maternity Foundation" منذ عام 2016 على تعزيز مهارات القبالة وضمان تمتع النساء في جميع أنحاء العالم وفي كافة السياقات بولادات آمنة.
وقد تم إطلاق النسخة العربية لتطبيق "الولادة الآمنة" في عام 2022، لتتيح للقابلات والعاملات في مجال الصحة في البلدان العربية الاستفادة من محتواه المترجم والمكيف مع احتياجاتهن. وتتضمن هذه النسخة 13 نموذجًا إكلينيكيًا، إلى جانب مقاطع فيديو توضيحية متحركة، وتعليمات بشأن التدابير العملية، وقائمة مرجعية للأدوية، ومكون للتعلم الذاتي، حيث يمكن للقابلات اختبار معرفتهن والحصول على شهادة.
وقد تحدثت الدكتورة، هالة الخير، المسؤولة الفنية المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية في صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا عن التطبيق فقالت: "يوفر تطبيق "الولادة الآمنة" للقابلات والعاملات في مجال الصحة اللاتي يعملن في بعض البيئات والسياقات الأكثر صعوبة مرجعاً سريعاً وهاماً في التعامل مع مختلف حالات الولادة، وبالتالي يعدن إلينا بملاحظات جيدة ومفيدة حول الطرق التي يمكننا من خلالها تطوير التطبيق وتحسينه مع التقدم في العمل به" .
وتضيف إحدى القابلات العاملات في شمال شرق سوريا: "لقد ساعد التطبيق في تحسين كفاءتي في تقديم الرعاية لمريضاتي بشكل كبير، حيث يتيح لي سهولة الوصول إلى المعلومات والموارد المهمة والتي أصبحت بفضله في متناول يدي".
وفي العراق، يجري توسيع نطاق برنامج التدريب على تطبيق "الولادة الآمنة"، حيث يقوم الصليب الأحمر الدنماركي بتجهيز المتطوعين في 12 محافظة. وفي سوريا، تتم مشاركة التطبيق في مجموعات رسمية وغير رسمية للقابلات المجتمعيات. أما في الأردن، يبحث صندوق الأمم المتحدة للسكان عن الفرص المتاحة لإدماج تطبيق "الولادة الآمنة" في المناهج الوطنية للقبالة بالشراكة مع جمعية العون الصحي الأردنية الدولية ووزارة الصحة.
إن تطبيق "الولادة الآمنة" يمثل خطوةً هامة نحو تعزيز صحة الأمومة في البلدان العربية، من خلال تزويد القابلات والعاملات في مجال الصحة بمعلومات ومهارات حديثة من شأنها المساعدة في إنقاذ الأرواح وتحسين نوعية حياة النساء والفتيات.