أنت هنا

صندوق الأمم المتحدة للسكان، نيويورك – ينتشر العنف الجنسي في جميع أنحاء العالم. هذا حقيقي حتى في أوقات السلم والاستقرار، لكنه يتصاعد أثناء الأزمات الإنسانية.

ففي النزاعات، يمكن أن تصبح أجساد النساء ساحات للمعارك، حيث يُستخدم الاغتصاب كوسيلة للإذلال وفرض السيطرة.  كما تنهار نظم الحماية أثناء الكوارث الطبيعية، مما يترك النساء والفتيات مستضعفات.  كما كثيرا ما يُنظر إلى زواج الأطفال، وهو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، باعتباره آلية للتأقلم مع الوضع بين الأسر المتضررة من الأزمات.

ومع هذا فإن المفاهيم المغلوطة الشائعة حول العنف القائم على النوع تفضي في نهاية المطاف إلى وصم الناجيات وتقويض الجهود الرامية إلى الحفاظ على سلامة الأشخاص.

في 19 أغسطس/آب، يُتيح اليوم العالمي للعمل الإنساني فرصة التفكير في المهمة الهائلة المتمثلة في حماية أولئك المتضررين من الحروب والكوارث والاضطرابات.  لذا كجزء من دعوتها إلى التحرك، تطالب حملة #ليسوا_هدفا بحظر كافة أشكال العنف الجنسي، وبتقديم الدعم الذى يركز على مساعدة الناجيات، وبمحاسبة مرتكبى العنف الجنسي.

 

ويعد اليوم العالمي للعمل الإنساني أيضا فرصة للاعتراف بأنه لا سبيل للوفاء بالتزامات العالم الإنسانية ما لم يتم تحطيم الأساطير التي تؤبد العنف وتعرقل حصول الناجيات على الخدمات التي يحتاجنها.

وفيما يلي، يتصدى صندوق الأمم المتحدة للسكان لخمسة مفاهيم مغلوطة خطيرة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.

مأوى للنساء في إحدى المدن الساحلية في اليمن. © صندوق الأمم المتحدة للسكان اليمن

الأسطورة 1: ضحايا العنف القائم على النوع لا حول لهن ولا قوة

في كثير من الأحيان يتم تصوير النساء اللاتى يتعرضن للعنف القائم على النوع في وسائل الإعلام على أنهن شديدات الضعف، واهنات ومضطربات. وواقع الأمر أن افتراض قلة الحيلة هذا ضار بالناجيات.

يتخذ رد فعل االنساء اللاتى  يتعرضن للعنف القائم على النوع أشكالا متنوعة يصعب أحصاؤها. فبعضهن يكنَ غاضبات، فيما تكون الأخريات منهن غارقات في الحزن والاكتئاب. هذا فيما لا يكون لبعضهن أي رد فعل ظاهري واضح. إن الافتراضات المغلوطة حول الطريقة التي من الفترض أن تتصرف بها الناجيات تؤدي إلى التشكيك في الروايات الحقيقية عن العنف.

ينظر صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أولئك اللواتي يتعرضن للعنف القائم على النوع باعتبارهن ناجيات أكثر من كونهن ضحايا، وقادرات، لا على التعافي فحسب بل على التحرك والقيادة أيضا.

ويمكن، بل وينبغى، أن يتم تمكين الناجيات من العنف القائم على النوع. فالناجيات أنفسهن هن أفضل من يعبر عن احتياجاتهن وشرح التحديات التي تواجههن والتي يمكن أن تشمل الوصمة ونقص الخدمات القضائية وسوء فرص الحصول على الرعاية الطبية أو نقص الدخل للوصول إلى الخدمات التي يحتاجن إليها.

يمكن للبرامج، متى نُفذت على الوجه الصحيح، أن تساعد النساء على إيجاد الحماية من العنف، والمطالبة بإنفاذ القانون، واكتساب المهارات لدعم أنفسهن وأسرهن.

فبعض الناجيات يتطوعن من تلقاء أنفسهن ليصبحن مناصرات للنساء والفتيات.

سيدات نازحات يحصلن على حقيبة الكرامة التى يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان في الصومال. تحتوي حقائب الكرامة على مستلزمات منقذة للحياة. © صندوق الأمم المتحدة للسكان – الصومال

الأسطورة 2: أثناء الكوارث الإنسانية، تكون التدخلات المنقذة للحياة، كتوفير الغذاء والمأوى، أكثر أهمية من التصدى للعنف الجنسي وللعنف القائم على النوع.

غالبا ما يتم تهميش العنف القائم على النوع بوصفه "قضية نسائية" ويُعامل على أنه من الاعتبارات الثانوية في العمل  الإنساني.

إلا أن التصدي للعنف القائم على النوع ينقذ الأرواح، وهو أولوية في كل استجابة لحالات الطوارئ.

يمكن للعنف الجنسي في حد ذاته أن يكون قاتلا، وغالبا ما يكون كذلك في كثير من الأحيان. إذ أنه بعد وقوع العنف، قد تتعرض الناجيات لعواقب – كالعجز أو الوصم الاجتماعي – مما يمنعهن من الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة.  بل وحتى الخوف من العنف يمكن أن يكون مميتا، حيث أنه يمنع النساء والفتيات من جمع الحطب أو من الوقوف في الطوابير للحصول على الطعام.

لكن البرامج المخصصة للتصدي للعنف توفر الحماية في كل مرحلة. 

حيث يحول علاج حالات الاغتصاب دون انتقال  فيروس نقص المناعة المكتسبة وغيره من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي.  كما يمنع استخدام وسائل منع الحمل العاجلة حدوث الحمل غير المقصود، الذى من الممكن أن يكون خطيرا خاصة أثناء الأزمات الإنسانية.

كما  يمكن لمنع العنف أن ينقذ الأرواح. فعلى سبيل المثال يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوزيع حقائب الكرامة على النساء والفتيات المستضعفات، وهي حقائب لا تقتصر على الصابون والفوط الصحية وإنما تضم أيضا المصابيح الكهربائية وأجهزة الاتصال اللاسلكي ليتمكنَ من التحرك بسلام أثناء الأزمة.

يوفر صندوق الأمم المتحدة للسكان مجموعات علاج ما بعد الاغتصاب وغيرها من المستلزمات الصحية الأساسية في جنوب السودان،
حيث كان العنف الجنسي واسع الانتشار. © صندوق الأمم المتحدة للسكان/تيم ماكولكا

الأسطورة 3: لا يمكن لعمال الإغاثة الإنسانية أن يتحركوا إلا عند وجود دليل على العنف الجنسي.

كثيرا ما يُعتقد أن توافر الأدلة شرط مسبق لإمكانية تحرك عمال الإغاثة الإنسانية أو لتخصيص الأموال للتصدي للعنف القائم على النوع. وواقع الأمر أن الاستغلال الجنسي والعنف من قبل الشريك الحميم وغير ذلك من أشكال الانتهاك تُعد من التهديدات المعروفة في كل أوضاع الطوارئ.

وحتى في أوقات السلم، يمثل جمع الأدلة تحديا حيث يؤدى الإحساس بالخزي والتعرض للتهديد والشعور بالخوف إلى التزام الناجيات الصمت، كما تُقابل الإبلاغات عن الانتهاكات  بالتشكيك والرفض المعتادين.

أما في حالات الأزمات، فإن هذه الظروف تكون أكثر وضوحا.

ولكننا نعلم أن النزوح وانهيار نظم الحماية يضاعفان خطر العنف. ولقد تم توثيق الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي كأحد تكتيكات الحرب في كافة الصراعات الأخيرة. 

لا يتساءل أحد عندما يقوم العاملون في مجال العمل الإنساني بإعداد الطعام أو الخيام أو الإمدادات الطبية قبل حدوث إعصار، متوقعين أن هذه الإمدادات ستنقذ الأرواح. وينبغى أن ينطبق المنطق نفسه على البرامج التي تمنع أو تتصدى للعنف القائم على النوع. فانتظار توفر الأدلة على وجود انتهاكات واسعة النطاق هو أمر غير  أخلاقي؛ فلابد للتحرك أن يحدث في أول لحظات الاستجابة لأزمة من الأزمات.

خلال إحدى جلسات التوعية حول العنف القائم على النوع في مدينة تعز، اليمن. © صندوق الأمم المتحدة للسكان – اليمن

الأسطورة 4: يعني التصدي للعنف القائم على النوع فرض أفكار وقيم معينة على ثقافات أخرى

يتواجد العنف القائم على النوع في كل بلد وثقافة ومجتمع. وهو أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا، ومع ذلك فهو أقلها من حيث الإبلاغ عنه حول العالم، مما يؤثر على ما يقدر بـ 35 في المائة من النساء. كما يتعرض أيضا الرجال والفتيان للعنف القائم على النوع. هذا حقيقي في كل مكان.

وهناك شبه اعتراف عالمي بأن هذا النوع من العنف غير مقبول وخاطئ. فمعظم أفعال العنف القائم على النوع – وإن لم تكن كلها – محظورة من قبل الحكومات حول العالم. كما يعترف طيف واسع من المواثيق والمعاهدات الدولية بأن العنف القائم على النوع يُعد انتهاكا لحقوق الإنسان. 

وتضطلع الحكومات الوطنية بمسؤولية حماية مواطنيهم من العنف القائم على النوع المرتبط بالنزاعات. يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الحكومات والمسؤولين المحليين لدعم العمل على منع العنف القائم على النوع والاستجابة لآثاره. على سبيل المثال، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتدريب ضباط شرطة ومحامين وقضاة لضمان إنفاذ القوانين الوطنية.

سيدات حوامل في أحد المرافق الطبية داخل مخيم للحماية في جوبا. يجب أن تقدم خدمات الإغاثة الإنسانية بطرق تقلل المخاطر على النساء والفتيات.
© صندوق الأمم المتحدة للسكان جنوب السودان/أرلين كالاجويان ألانو

الأسطورة 5: الخبراء دون غيرهم يستطيعون التصدي للعنف القائم على النوع

تحتاج الناجيات من العنف القائم على النوع إلى مساعدة حساسة ومتخصصة. يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان – الذي يقود تنسيق جهود منع العنف والاستجابة لآثاره في حالات الطوارئ – الكثير من هذه الخدمات، بما في ذلك العلاج الطبي السري، وتقديم المشورة التي تراعي الحساسيات الثقافية ويدعم كذلك المساحات الآمنة.

لكن هذا لا يعني أن الخبراء دون غيرهم هم من يستطيعون أو من ينبغي أن يستجيبوا للعنف الجنسي. فكل العاملين في المجال الإنساني يحملون على عاتقهم مسؤولية العمل من أجل الحد من المخاطر التى تتعرض لها النساء والفتيات.

وعلى سبيل المثال، يمكن لمجموعات الإغاثة التي توفر المياه النظيفة أن تضمن وجود عدد كاف من نقاط التوزيع لمنع النساء والفتيات من السفر لمسافات طويلة وخطرة للوصول إلى مضخات المياه. ويمكن لمجموعات الإغاثة التي تتولى تجهيز المراحيض في المخيمات أن تضمن تزويد الطرقات المؤدية لها بالإضاءة الكافية لتقليل الاعتداءات.

إن أهم واجب أساسي لكل مشتغل بالعمل الإنساني هو أن يخدم الناس الأكثر استضعافا. ولكي يتمكن من أداء هذا الدور فلابد له أن يلتزم بوضع نهاية للعنف القائم على النوع.