أنت هنا

"معظم الناس في سوريا اليوم فقدوا الأمل في مستقبل أفضل.". هذا ما قالته ريما، وهي شابة من حلب، حصلت مؤخراً على خدمات في إحدى المساحات الآمنة التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان. وأكملت لتقول: "لقد أصابهم اليأس."

كما ذكر عددٌ لا يكاد يحصى من الأشخاص الذين تلقوا خدمات يقدمها صندوق الأمم المتحدة للسكان على مدى السنوات الماضية نفس الكلام الذي قالته ريما. والعديد ممن تحدثوا إلى صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخراً كانوا أيضاً ناجين من الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا في شباط/فبراير 2023، أي قبل أسابيع فقط من دخول البلاد عامها الثالث عشر من الأزمة الإنسانية التي دفعت مجتمعات بأكملها إلى حافة الهاوية. 

وقبل وقوع الزلازل، كان 15.3 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وهو أعلى رقم منذ بداية الأزمة في عام 2011. ويشمل ذلك 7.7 مليون امرأة وفتاة، 4.2 مليون منهن في سن الإنجاب. كما يوجد في البلاد أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم حيث يبلغ عددهم 6.8 مليون شخص. وإن تراكم جملة من  التحديات، كالنزوح الجماعي وكوفيد-19 والأوبئة الصحية الأخيرة مثل الكوليرا والانهيار الاقتصادي، يجعل الأزمة السورية واحدة من أكثر حالات الطوارئ الإنسانية تعقيداً في العالم وواحدة من أكثر السياقات تحدياً للمرأة، فمن المرجح أن يكون عام 2023 هو أسوأ عام تعيشه النساء هناك حتى الآن. وقد أدت الزلازل الأخيرة إلى تفاقم هذه التحديات بشكل كبير، حيث أثر على ما يقرب من 9 ملايين شخص، لا سيما في المناطق الشمالية من البلاد حيث يعيش هناك ملايين النازحين ظروفاً قاسية. 

وفي الوقت نفسه، لا يزال أكثر من 6.8 مليون من السوريين اللاجئين  يعيشون في خمس دول مجاورة، وهي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، وما يقرب من نصفهم من النساء والفتيات. وبالإضافة إلى كونهم الأكثر تأثراً بالزلازل الأخيرة في تركيا، فإنهم ما يزالون يعانون من الآثار البعيدة المدى للنزوح وعدم الاستقرار، والتي تشمل التمييز والتدهور الاقتصادي وتصاعد مخاطر الاستغلال والإساءة. 

وتقول ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية: "الوضع بالنسبة للسوريين في جميع أنحاء المنطقة أسوأ مما كان عليه منذ سنوات. فقد تكالبت التحديات جميعها كالنزوح الجماعي والأزمات الاقتصادية المتفاقمة في المنطقة وتفاقم وباء الكوليرا والأعمال العدائية المستمرة والجديدة والانتهاكات المتفشية لحقوق الإنسان، لتعريض حياة الناس للخطر. وكما هو الحال في جميع الأزمات الإنسانية، فإن النساء والفتيات هن الأكثر معاناةً."

وقد أظهرت التقييمات ومناقشات مجموعات التركيز التي أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان أن النساء والفتيات في سوريا والبلدان المضيفة، بالإضافة إلى معاناتهن من تمزّق النسيج الاجتماعي وفقدانهنّ للحماية الأساسية والخدمات القانونية، يواصلن التعامل مع تهديدات العنف القائم على النوع الاجتماعي اليومية، والتي غالباً ما تتفاقم بسبب التمييز على أساس العمر أو حالة النزوح أو الإعاقة أو الحالة الاجتماعية. ومما يثير القلق بشكل خاص تقارير النساء والفتيات في جميع أنحاء سوريا بأن العنف ضدهن قد أصبح يُنظر إليه على أنه أمرٌ طبيعي بعد أكثر من عقد من عدم الاستقرار، لا سيما في غياب أنظمة العدالة الفعالة لمحاسبة الجناة. 

ومنذ بداية الأزمة في عام 2011، سعى صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤه باستمرار إلى التخفيف من الأثر التراكمي على الفئات الأكثر استضعافاً، وتقديم برامج لضمان حصول النساء والفتيات دون انقطاع على الخدمات الصحية الجيدة وحمايتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وفي عام 2022 وحده، قدمت استجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان الإقليمية للأزمة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية لأكثر من مليوني شخص، في حين تم الوصول إلى أكثر من 815,000  شخص من خلال برامج مصممة للوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له، وشمل ذلك ما يقرب من  290,000 فتاة مراهقة. كما تم تزويد أكثر من 142,000 امرأة بالمساعدة النقدية والقسائم لتلبية احتياجاتهن العاجلة، في حين تم تقديم الخدمات لأكثر من 12,000 فرد من الأشخاص ذوي الميول والهويات الجنسية المختلفة.

وفي عام 2023، ستتطلب حماية حقوق السوريين وصحتهم وكرامتهم في جميع أنحاء المنطقة تضافر جهود المجتمع الدولي على نحوٍ لا يقبل المساومة، وهي مهمة أصبحت تشكل تحدياً متزايداً بسبب نقص التمويل المستمر والتحديات الجيوسياسية المستجدّة. وتأتي الاحتياجات الإضافية الناجمة عن الزلازل الأخيرة على رأس فجوات التمويل القائمة والكبيرة التي أدت بالفعل إلى إغلاق العديد من نقاط تقديم الخدمات، بما في ذلك عدد من المساحات الآمنة. وفي عام 2023، يجب معالجة هذه الثغرات، لأن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى مزيد من المعاناة والوفيات التي يمكن تجنّبها. 

ولن يدخر صندوق الأمم المتحدة للسكان أي جهد لمواصلة الدفاع عن حقوق النساء والفتيات وحمايتهن، وسيواصل العمل مع الشركاء في سوريا والبلدان المضيفة لضمان عدم ترك أحد خلف الركب.