أنت هنا

اللاذقية، سوريا - أنجبت "نهى" الطفلة "هدى" في 5 شباط/ فبراير في مدينة اللاذقية، غرب سوريا. تتذكر الأم الشابة الآن كم كانت متطلعة في الماضي لمستقبل واعد ملؤه الأمل لابنتها.

لم يمهل القدر"هدى" فرصة لتنام ليلة كاملة في غرفة النوم التي جهزتها لها أمها بعناية قبل مولدها. فعند حلول الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، كان كل شيء قد انهار. اهتزت الجدران، وتداعت الأسقف. وسُمعت أصوات مفزًعة من كل صوب وحدب. تعد اللاذقية أكثر المناطق تضرراً في سوريا من زلزالين عنيفين حدثا الأسبوع الماضي، حيث طالت أضرار هذان الزلزالان حوالي 1.3 مليون شخصًا وأجبر عشرات الآلاف على النزوح من منازلهم.

صارت معظم المباني تقريبًا أنقاضًا على الفور - ومن بينها المبنى الذي كانت تعيش فيه "نهى". قالت: "لقد انهار منزلنا للتو". هربت من منزلها، وهي تنزف بغزارة، محكمة الإمساك بابنتها التي تبلغ من العمر يومًا واحدًا فقط، واستطاعت الوصول إلى إلى مأوى أقيم داخل مدرسة على عجل. كانت المدرسة مزدحمة، وتعم أرجاؤها بالجرحى. فتشت "نهى" الغرفة بحثًا عن شخص يقدم لها المساعدة، لكنها لم تجد حولها سوى الفوضى.

في الوقت الذي بلغت فيه "نهى" عامها العشرين، كانت قد عاشت بالفعل أكثر من نصف حياتها عالقة في منتصف الأزمة السورية الممتدة، والتي بدأت مع بداية حرب أهلية وحشية طويلة الأمد واستمرت مع حدوث الصدمات المناخية وكتب آخر فصولها مؤخرًا عند حدوث أسوأ كارثة طبيعية شهدتها المنطقة على مدى العصر الحديث. أثر الزلزال على حوالي 8.8 مليون شخص على الأقل في سوريا، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 5,700 شخص وإصابة أكثر من 10,000شخص. ومن المتوقع أن تتزايد هذه الأرقام المروعة مع مرور الأيام والأسابيع، وأن تتضاءل فرص العثور على ناجين.

الكارثة التي فاقمت الأزمة 

وسط هذه الكارثة، يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن هناك ما يزيد عن 130.000 امرأة حامل في سوريا، ستلد منهن حوالي 14,800 امرأة في الشهر المقبل. وحسب هذه التقديرات، ستعاني حوالي 6,600 امرأة من مضاعفات الحمل والولادة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وسيحتجن إلى الوصول إلى سبل الرعاية الصحية الطارئة المنقذة للحياة، والتي يوجد افتقار تام إليها في الوقت الحالي. 

ولمواجهة انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء، وفرت فرق صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤها في حلب، وحماة، واللاذقية الملابس الشتوية، والبطانيات، وحقائب المستلزمات الخاصة بصحة الأم وحقائب مستلزمات النظافة النسائية (المعروفة بحقائب الكرامة). كما وصلت إمدادات متضمنة لحقائب الصحة الإنجابية إلى حلب، بما في ذلك المستلزمات والمعدات الخاصة بحالات الولادة الطارئة، حيث يقوم ما يزيد عن 30 فريقًا متنقلًا أيضًا بتقديم خدمات الصحة الإنجابية والاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي للنازحين. وتضم الفرق ذات الصلة طبيب أمراض نسائية، وقابلة (ممرضة توليد)، وعامل في مجال الدعم النفسي.

قامت إحدى الفرق بمداواة جروح "نهى" والتحقق من سلامة وصحة مولودتها في الملجأ، وقدموا لها حقيبة المستلزمات الأساسية الخاصة بصحة الأم بما يشمل على سبيل المثال بطانية وملابس وصابون وحفاضات للأطفال، وهي التي ستحتاجها الأم وابنتها "هدى" في الأسابيع القادمة.

وبالنسبة للمولودة "هدى" فبداية حياتها مؤلمة للغاية مثل الكثير من الأطفال الذين عاشوا هذة الكارثة. فالناجون من الأطفال والنساء وكبار السن في حاجة ماسة إلى الدعم النفسي، لاسيما كبار السن لأنهم الأكثر عرضة للتأثر بالصدمة والإصابة بالذعر الشديد. يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان إطلاق خط هاتفي للمساعدة خاص بالنساء اللائي تتعرضن للعنف، مع إرشادهن للدعم النفسي والمساعدة الطبية، حيث يعاني الكثير من الأفراد من صعوبة التكيف مع الآثار المأساوية للزلزال على حياتهم ومجتمعاتهم.

الاحتياجات المتزايدة و الموارد المتضائلة

إن المستشفيات مكتظة بأعداد مهولة من الإصابات كما تعانى بنقص في القدرات الطبية والجراحية وندرة الوصول لوحدات العناية المركزة. أما بالنسبة للمنشآت التي لم يدمرها الزلزال، فقد أدى الانقطاع الشامل للكهرباء إلى نقص الوقود كما أجبر العديد على وقف تقديم خدماتهم.

ففي منطقة شمال غرب سوريا، التي تضم أكثر من 4 مليون فردًا كانوا في حاجة بالفعل إلى المساعدة الانسانية قبل وقوع الزلزال، كان صندوق الأمم المتحدة للسكان جزءًا من أول قافلة عابرة للحدود تصل بمستلزمات الإغاثة التي اشتدت الحاجة إليها منذ حدوث الأزمة. ومن خلال التعاون الميداني مع الشركاء، تم توزيع الآلاف من حقائب الكرامة وتوفير حقائب مستلزمات الصحة الإنجابية لتلبية احتياجات قرابة 150,000 فرد.



قام صندوق الأمم المتحدة للسكان وشريكته جمعية تنظيم الأسرة السورية بتوزيع حقائب الكرامة على ملجئين في مدينة اللاذقية لآلاف النساء والفتيات النازحات بسبب الزلزالين المدمرين. © صندوق الأمم المتحدة للسكان بسوريا 

إن الإمدادات ستساعد في إجراء أكثر من 800 عملية قيصرية وأكثر من 30 ألف ولادة طبيعية، في حين يقَدم الدعم إلى تسعة مرافق صحية من أجل توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد اثنا عشر مكانًا آمنًا للنساء والفتيات يستمر في ضمان حصولهن على حماية كافية تمنع بشكل حاسم العنف القائم على النوع الاجتماعي والدعم المتمثل في الاستجابة .

إن النقص الدائم في إمدادات المستشفيات في جميع أنحاء سوريا - وخاصة في الشمال الغربي – والذي كانت تعانى منه البلاد بالفعل قبل حدوث تلك الأزمة الأخيرة، يعني أن الناجين من الزلزال الذين تعرضوا للإصابة قد لا يتمكنوا من الحصول على العلاج الضروري على وجه السرعة. وتعاني المستشفيات من عجز في الإمدادات والازدحام الشديد، فالعديد منها تضرر أو دمر، بالإضافة إلى الافتقار الشديد إلى الوقود والأدوية.

إن الحجم الكامل للأزمة والأضرار التي تسببت بها لا تزال تتكشف مع مرور الوقت. فبعد المعاناة من آثار الحرب التى دامت 12 عامًا، ضرب الزلزال سوريا في وقت قد بلغت فيه الاحتياجات الإنسانية أعلى مستوياتها منذ بدء الصراع. ويناشد صندوق الأمم المتحدة للسكان على وجه السرعة الحصول على 24,8 مليون دولار في شكل تمويل سريع ومرن ومستدام لتقديم المساعدة لملايين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها في سوريا.