قصص الألم والتغيير في معركة كسر السلسلة
في زاوية مظلمة من منزل متواضع في اليمن، تروي أم حنين قصتها بصوت يملؤه الحزن: "رأيت طفلتي الرضيعة، التي لم تكمل سوى أيامها الأولى، تحتضر أمام عيني بسبب عملية ختان وحشية مزّقت جسدها الصغير. نزفت حتى فقدت وعيها، ولم يمضِ وقت طويل حتى فارقت الحياة." وتتابع، ودموعها تنهمر: "لا أريد لأي أم في هذا العالم أن تمر بمعاناتي."
تجسد قصة أم حنين الواقع المرير لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)، التي لا تزال متجذرة في بعض المجتمعات اليمنية، رغم آثارها الجسدية والنفسية الكارثية. فبين العادات الاجتماعية المتوارثة وغياب القوانين الرادعة، يستمر هذا الانتهاك الصامت بحق الفتيات.
لحظة قرار: كسر السلسلة
في حضرموت، وبينما كانت أم أمينة تستعد لاستقبال مولودتها الأولى، غاصت في دوامة من الذكريات والمخاوف. عاشت سنوات تسمع قصص الفتيات اللواتي عانين من الألم بعد ختانهن. لكن شيئًا ما تغير بداخلها عندما تلقت جلسة توعية نظمتها شبكة "سفراء الأطفال"، إحدى المبادرات المنبثقة عن البرنامج المشترك بين صندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف.
"هذه ابنتي، وأنا مسؤولة عن صحتها وسعادتها"، أعلنت أم أمينة، متحدية ضغوط الأسرة والمجتمع. رفضها القاطع لهذه الممارسة ألهم العديد من النساء في حيّها، حيث بدأت أخريات في إعادة التفكير في هذه العادة، والسعي نحو حماية بناتهن من خطر الختان.
الثمن الفادح للممارسات الضارة
لم تكن خديجة، الأم اليافعة التي تعيش في منطقة نائية، تعرف أن ختان طفلتها سيحمل لها ألمًا لا يُحتمل. عند بلغت ابنتها فاطمة أسبوعها الأول، خضعت للختان كما هو الحال مع كثير من الفتيات في مجتمعها. لكن ما حدث بعدها كان مأساويًا. نزيف حاد لم يترك لها فرصة للنجاة.
"لقد فقدت ابنتي الصغيرة، لقد سُرق مني أغلى ما أملك"، تروي خديجة، والغصة تخنق صوتها. لكنها رفضت الاستسلام للحزن، وقررت أن تكون صوتًا للحق، لتنضم إلى حملات التوعية، محذّرة الأمهات الأخريات من المصير الذي واجهته ابنتها.
من مدافعة عن الختان إلى مناهضة له
كانت عمة أم آية واحدة من أشد المدافعين عن ختان الإناث، حتى أنها أقنعت ابنة أختها بإجراء العملية لإحدى بناتها، التي كادت تفقد حياتها بسبب تلك الممارسة الضارة.
لم يتوقع أحد أن تتغير قناعاتها. ولكن بعد سنوات، واجهت العمة الحقيقة القاسية، وأدركت حجم الضرر الذي كانت جزءًا منه. تقول بصوت يملؤه الندم: "لا أصدق الذنب العظيم الذي ارتكبته. كل ما أطلبه من الله أن يغفر لي خطيئتي"
اليوم، أصبحت عمة أم آية من أبرز الناشطات في شبكة "شامخات"، وهي مجموعة نسائية تعمل على توعية المجتمعات بمخاطر ختان الإناث، كما أنها رفضت المشاركة في أي عمليات ختان أخرى. وتؤكد العمة بحزم: "لم أعد أتحمل رؤية تلك الأدوات. لن أسمح لأي امرأة باستخدامها".
الأمل في التغيير
رغم أن 19% من النساء اليمنيات خضعن لهذه الممارسة، إلا أنه لا زال هناك أمل. تتزايد حملات التوعية، وينضم المزيد من الأشخاص إلى الجهود الرامية إلى إنهاء هذه الممارسة الضارة.
وداد، إحدى الناجيات، أصبحت مناضلة قوية ضد ختان الإناث، وتستغل أية فرصة للدفاع عن الفتيات، سواء في الأسواق أو التجمعات النسائية أو حتى في الشوارع، حيث توزع المنشورات التوعوية وتشجع الأمهات على حماية بناتهن من هذه الممارسة.
دعوة للتحرك
إن القضاء على ختان الإناث في اليمن ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب تضافر الجهود. فالتعليم، والتوعية، والإصلاحات القانونية، كلها أدوات ضرورية لكسر هذه الحلقة من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث). علينا دعم الجهود التي تُبذل وإعلاء أصوات الناجيات والدفع نحو تشريع قوانين تحمي الفتيات من هذا الانتهاك.
لا ينبغي لأية فتاة أن تعاني في صمت، ولا ينبغي لأي أم أن تتحمل ألم فقدان طفلتها بسبب هذه التقاليد. لقد حان وقت التغيير. فلنكن جميعًا صوتًا لإعلاء الصرخات الصامتة، حتى لا تُسمع مجددًا.