العاصمة جيبوتي، جيبوتي - "هناك الكثير من الفتيات الصغيرات اللائي يحملن، ويجرين عمليات إجهاض سرية يجرمها القانون الجيبوتي. فالفتيات الصغيرات يُكرهن على ممارسة أعمال البغاء، ويقعن ضحية للاستغلال الجنسي، والكثيرات منهن يجبرن على الخضوع لعمليات الختان (تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية)"
هكذا تحدثت نفيسة، البالغة من العمر 44 عامًا، وهي واحدة من من القيادات النسائية المجتمعية في ومؤسسة جمعية "رسمي" "Rasmy" لرعاية المرأة، التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية. وتتبنى منذ عام 2011 قضية الدفاع عن حقوق المرأة لكن هذا التطور في حياة نفيسة حدث صدفة: "قبل خمسة عشر عامًا كان مكاني في المنزل، مع الأطفال – هكذا كان الحال."
لكن وفي أحد الأيام، تجاذبت نفيسة أطراف الحديث مع جارتها فردوسة*، التي كانت تعمل بالجنس وأسرت لها بأنها تعرضت للعنف من بعض الزبائن، حيث كانت تعيش في سكن غير آمن مع عدد من العاملات بالجنس الأخريات. وقالت لها أنها كانت تشعر بالوحدة والضعف بسبب التمييز والظلم الذي تعرضت له من الآخرين في مجتمعها.
وأصبحت الجارتان صديقتين مقربتين في وقت قصير، وأدركت نفيسة أن الأعراف الاجتماعية والتابوهات والصمت هم الأسباب الجذرية للعديد من المشاكل التي تواجهها النساء والفتيات في مجتمعاتهن. "إنها امرأة مثلها مثلي - فنحن متشابهتان في نواح كثيرة."
ومن هنا قامت نفيسة بتأسيس جمعية "رسمي " "Rasmy" للمساعدة في محاربة الأعراف الاجتماعية الضارة وكسر حاجز الصمت المحيط بالنساء والفتيات في جيبوتي. وسرعان ما تحولت المجموعة الصغيرة غير الرسمية إلى جماعة ومجتمع صغير تشعر فيه النساء بالأمان للتعبير عن أنفسهن دون تحفظ أو إصدار أحكام ضدهن.
والآن، تقدم عضوات "رسمي" "Rasmy " الدعم للناجيات من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية(ختان الإناث) والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى تقديم المشورة بشأن المسائل المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية الأخرى. وعن ذلك تحدثت نفيسة قائلًة: "بفضل التوعية التي قدمناها وتواصلنا المجتمعي أصبح عدد أكبر من الأمهات على دراية بمعاناة بناتهن، وبهذه الطريقة يتم إنقاذ الكثير من الفتيات."
تكوين تكتلات وجبهات موحدة
قالت إيمان، وهي إحدى القيادات النسائية المجتمعية في منطقة بلبالا جنوب مدينة جيبوتي: "جاءتني الدورة الشهرية للمرة الأولى بعد وفاة والدتي، لذلك اضطررت للحديث مع والدي بشأنها". "لقد كان الأمر صعبًا. فقد جعلت التابوهات التي نشأنا عليها من الصعب جدًا التحدث معه عن المسائل الحميمية وشديدة الخصوصية بالمرأة."
كانت إيمان قد تعرضت للختان (تشويه الأعضاء التناسلية للإناث) وهي طفلة، مما كان يتسبب لها بآلام خلال الدورة الشهرية. ونظرًا لافتقارها إلى المعرفة بالمشكلة، لجأت إلى والدها. وعن موقفه حيال هذا الأمر قالت إيمان: "كان يستمع لي وتعّلم كيفية دعمي في تلك الأوقات. وفيما بعد رفض أيضًا إجراء ختان لأخواتي الأصغر سناً."
وتشهد جيبوتي واحدًا من أعلى معدلات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في العالم، حيث يتم ختان أكثر من 70 في المائة من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عامًا - وذلك رغم تراجع هذه النسبة في السنوات الأخيرة من 93 في المائة بفضل جهود التوعية والمبادرات القانونية.
وعن ما تأمل إيمان تحقيقه بعد تجربتها الشخصية مع والدها قالت: "أود أن أرى مزيداً من الرجال مثل والدي". "قلة قليلة من الرجال يتحدثون بصراحة في هذه الأمور، لذا ستكون مهمتي هي مدهم بالشجاعة. فمن أجل إنقاذ الفتيات، ينبغي أن نصل إلى آبائهن."
ويعمل والد إيمان، جنبًا إلى جنب معها، على كسب التأييد بغية إنهاء تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في مجتمعهم، وذلك من خلال الأنشطة التي تقدمها إحدى المنظمات غير الحكومية هناك، وهي منظمة "قوافل ومعارف الصحراء" " Caravanes et Savoirs du Désert "، والتي تتألف من مجموعة متنقلة من الممثلين يقدمون عروضًا مسرحية تهدف إلى رفع الوعي بشأن مواضيع حساسة مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)، وغيرها من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. وهم يتطلعون إلى بناء جبهة موحدة وتكتل من الرجال والفتيان لمناهضة الممارسات الضارة وذلك بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وتحدثت إيمان عن موقفها الحالي من قضية العنف ضد المرأة، ومدى الوعي الذي اكتسبته من تدريب صندوق الأمم المتحدة للسكان ومن تجاربها الشخصية في الحياة فقالت: "لقد تعلمت التمييز بين الجوانب الإيجابية في ثقافتنا والجوانب المظلمة التي ينبغي تسليط الضوء عليها". "فعلى الرجال أن يدركوا أن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث لا يشكل عبئاً على المرأة فقط - فالعنف ليس قضية تخص النساء دون غيرهن."
كسر حاجز الصمت
تعد جمعيتا نفيسة وإيمان جزءاً من شبكة "هي وهن" Elle&Elles التابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، والتي تم إطلاقها في عام 2021 بهدف تقديم الدعم والتدريب للقيادات النسائية المناصرة لقضايا صحة المرأة وحقوقها والمدافعة عنها في بعض المناطق الأكثر فقرًا وحرمانًا في جيبوتي.
وقالت إيمان: "إن الانضمام إلى الشبكة فتح أمامي مسارا جديدا في الحياة..فقد تم تدريب النساء بجمعيتي، وأصبحنا جميعا مثقفات أقران. وحاليًا، أشارك قصتي مع الفتيات الصغيرات اللائي يبحثن عن من يستمع إليهن، تمامًا كما كنت أنا من قبل."
"قصتي، التي كان يكتنفها الصمت ذات يوم، أصبحت الآن رمزًا للأمل والصمود، وذلك بدعم من أبي وإصغائه لي وشدة حبه."
وتتألف الشبكة حتى الآن من ثماني جمعيات، تضم كلا منها نساءًمثقفات ومدربات من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان يعملن على التوعية بشأن الحمل غير المقصود، والإدمان على المخدرات، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والأمراض المنقولة جنسيا، وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية(ختان الإناث). كما يتم تدريب العضوات على التواصل مع المجتمعات المحلية لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي وإحالة الحالات ذات الصلة به.
وقالت عائشة إبراهيم جامع، رئيسة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في جيبوتي: "إن شبكة "هي وهن" " Elle&Elles " تجسد قوة وعزيمة هؤلاء النساء والفتيات المتفانيات في خدمة مجتمعاتهن".
ومنذ عام 2021، وصلت الشبكة إلى أكثر من 4000 شخص. وبفضل دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، أصبحت جمعية نفيسة منذ ذلك الحين الملجأ الأول والوحيد في جيبوتي للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي والذي يوفر المأوى والمشورة والغذاء والملابس.
وعن ما تقدمه الجمعية لهؤلاء النساء قالت نفيسة: "نحن نمد النساء بالشجاعة ونمنحهن الأمل، وإذا استطعت مساعدة امرأة أو فتاة واحدة فقط، فهذا بالنسبة لي نجاح."
*تم تغيير الاسم لأغراض الخصوصية والحماية