أنت هنا

العنف الرقمي: شر خفي يهدد حياة النساء والفتيات وسلامتهن

يعد العنف الرقمي الموجه ضد النساء والفتيات خطيرًا ومدمراً، مثله مثل العنف الموجه ضدهن في الواقع. نعم، هو افتراضي، لكنه يحمل في طياته عواقب حقيقية وخيمة. فالعنف عبر الإنترنت هو مسألة تتعلق بالصحة العامة تترتب عليها آثار سلبية و تبعات مدمرة. إذ ينجم عنه أضرار جسيمة سواء كانت بدنية، أو استغلالاً جنسياً، أو أضراراً نفسية أو اقتصادية، فضلًا عما يسببه من تقويض لثقتهن بأنفسهن وتقديرهن لذاتهن.

ويتضح جانب من التأثير النفسي الناجم عن التعرض للعنف الرقمي فيما ذكرته سهام * من اليمن، فقد قالت: "فكرت في الانتحار حتى لا تدمر سمعتي وسمعة أسرتي وسمعة عائلتي بأسرها."

وعلى الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض على مدار حياتهن للعنف البدني أو الجنسي من قبل الشريك الحميم أو للعنف الجنسي على يد شخص غير شريك - وهو رقم ظل ثابتاً دون أن يطرأ عليه تغيير كبير خلال العقد الماضي. ومع ذلك، فإن معدل الانتشار العالمي للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات يبلغ 85٪، ويشمل ذلك النساء اللواتي عانين منه شخصيًا أو شهدنه ضد نساء أخريات.

وينتشر العنف الرقمي بصورة صارخة، فهو متفشي بشكل مخيف، متخطيًا كل الحدود، وغالبًا ما يكون مجهول الهوية. ويستهدف العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تيسره التكنولوجيا جميع النساء والفتيات اللائي يستخدمن التكنولوجيا، غير أن فئات معينة من النساء هن الأكثر عرضة لمخاطره، نظرًا لطبيعة عملهن أو هويتهن أو لولوجهن مواقع معينة للحصول على بعض المعلومات والخدمات، ويشمل ذلك الصحفيات والسياسيات والناشطات وعضوات الحركات النسائية والعاملات في المجال الأكاديمي والفتيات الصغيرات.

وبينما نعلم أن الكثير من العنف الرقمي يحدث من حولنا، فإننا لا نعرف بعد ما يكفي عنه. ولكي نتمكن من وضع حد له وإيقافه، فنحن بحاجة إلى تحديده وقياسه. ويتعين علينا أن نفهم على نحو أفضل الأشكال التي يتخذها، وما الأثر الذي يحدثه، وما الذي يصلح للتصدي له ومنعه. وفيما يلي خمسة أشكال للعنف الرقمي يجب أن نكون على دراية بها:

التعقب السيبراني

التعقب السيبراني هو استخدام التكنولوجيا لملاحقة ومراقبة أنشطة وسلوكيات شخص ما والتربص به في الوقت الآني أو في الماضي. وعادة ما ينظر إليه على أنه امتداد للتحرش والملاحقة خارج نطاق الإنترنت، ويتم باستخدام أدوات تكنولوجية، وهو ينطوي على مجموعة من السلوكيات غير المرغوب فيها والمتكررة، سلوكيات تطفلية تنطوي على المضايقة أو التهديد، والتي تعتبر في بعض الحالات علاقات عادية أو مواعدة طبيعية نسبيًا.

وتقول زهرة*، إحدى الناجيات من العنف الرقمي: "عرف زوجي السابق كلمة مرور الفيسبوك الخاصة بي وقرأ رسائلي مع الأقارب والأصدقاء. وكلما تلقيت طلبًا من صديق ذكر، كان يتهمني بإقامة علاقة مع هذا الشخص أو إنني أرغب في ذلك، وهذا غير صحيح."

ويتضمن التعقب السيبراني، على سبيل المثال، مراقبة أو تتبع موقع الفتاة أو السيدة أو أنشطتها أو كلاهما باستخدام أجهزة تعقب المواقع GPS وبرامج التجسس و كاميرات وميكروفونات وتطبيقات المواعدة القائمة على موقع الشخص والتحقق من سجلات البريد الإلكتروني أو المكالمات أو الرسائل، علاوة على مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها.

 

القرصنة واختراق الحسابات الشخصية 

القرصنة هي استخدام التكنولوجيا للوصول غير القانوني أو غير المصرح به إلى النظم أو الموارد لغرض الحصول على معلومات شخصية أو تغيير المعلومات أو تعديلها أو الافتراء على الناجيات أو ممارسة العنف ضد المنظمات النسائية أو كل ما سبق.

وأوضح مثال على ذلك ما أفادت به بلقيس*، وهي إحدى الناجيات من العنف الرقمي من تونس، حيث قالت: "عندما كنت في الثالثة والعشرين من عمري، اخترق أحد الأشخاص حسابي على الفيسبوك، وأنشأ حساباً باسمي على موقع إباحي وتلاعب بصورتي الموجودة على حسابي على الفيسبوك باستخدام برنامج الفوتوشوب ووضعها على أجساد عارية". وعن شعورها حيال ذلك قالت: "شعرت وكأنني بلا قيمة. لم أستطع النوم ولا التركيز في دراستي، لقد كان مختلًا عقليًا."
 

استقاء المعلومات الشخصية " Doxxing "

استقاء المعلومات الشخصية هو عملية الكشف دون الموافقة عن معلومات التعريف الخاصة بشخص ما على الإنترنت، ويتضمن ذلك نشر المعلومات الشخصية التي تتسم بالخصوصية والحساسية مثل عنوان المنزل والبريد الالكتروني وأرقام الهواتف ومعلومات الاتصال الخاصة بأفراد الأسرة، وكثيرًا ما يفضي ذلك إلى المزيد من المضايقات والتحرش الجسدي وعبر الإنترنت، مثل تلقي كميات كبيرة من الرسائل المسيئة والتهديدات عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف أو البريد.

الإساءة القائمة على الصور

الإساءة القائمة على الصور هي استخدام الصور، والتي غالبًا ما تكون ذات طبيعة جنسية، من أجل عرض جسد المرأة أو استغلالها أو إذلالها أو مضايقتها والتحرش بها. ويتضمن ذلك نشر بدون موافقة لصور حميمية، وهو ما بات  مشكلة واسعة الانتشار في مختلف أنحاء العالم.  لقد أصبح الجميع تقريبًا يتبادلون الصور ومقاطع الفيديو على الإنترنت، إذ يساعدنا هذا على التواصل مع أسرنا وأصدقائنا، غير أنه يتم استخدام الصور الحميمية كأسلحة أو أدوات ضد النساء والفتيات.

وعن هذه التجربة المريرة قالت سهام*، وهي واحدة من الناجيات من العنف الرقمي من اليمن: "طلب مني أن أبادله صورًا ومقاطع فيديو لي لا أرتدي فيها حجابي أو عباءتي، وهو ما فعلته لأنني وثقت به. لكن عندما قررت عدم مقابلته مرة أخرى، هددني بنشر صوري على الإنترنت."

الانتقام الإباحي

الانتقام الإباحي هو أيضًا أحد أشكال الإساءة القائمة على الصور، ويتمثل في نشر وترويج صور جنسية أو إباحية لأشخاص دون موافقتهم. ويمكن لنشر صور خاصة وحميمية للنساء والفتيات دون موافقتهن أن يدمر سمعتهن وعلاقاتهن مع الآخرين، ليس هذا فحسب، بل يمكن أن يؤثر تأثيرًا كبيرًا على صحتهن العقلية ورفاههن.

عن ذلك قالت رشا*، إحدى الناجيات من العنف الرقمي من فلسطين: "طلب مني خلع ملابسي. لم أكن أدرك أنه كان يسجل مكالمة الفيديو. ثم علمت أنه شارك مقاطع الفيديو مع أصدقائه، وشاركها أصدقاؤه مع والديّ"، وأضافت: "عقب ذلك أخبرني والدي أنني لا أستطيع مغادرة المنزل أو حتى الذهاب إلى المدرسة."

التحرش عبر الإنترنت

يشمل التحرش عبر الإنترنت مجموعة من السلوكيات غير المرغوب فيها أو غير المرحب بها أو سلوكيات غير مصرح بها، ذات طبيعة جنسية. وهو سلوك متكرر يهدد شخصاً ما أو يخيفه أو يسيء إليه من خلال إرسال تعليقات أو صور مهينة أو مسيئة.

لقد تعرضت سهام *، وهي واحدة من الناجيات من العنف الرقمي من اليمن لهذا النوع من التحرش، وتحدثت عن ذلك فقالت: "بدأ في تهديدي وابتزازي، إذا لم أخرج معه ومع أصدقائه، وإذا لم أستسلم لرغباته، فسوف ينشر صوري ومقاطع الفيديو الخاصة بي على الإنترنت."

إطلاق حملة #حتى- هوني- يتحاسب للدعوة إلى معاقبة المجرمين 

 يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على فهم كيفية ظهور العنف الذي تيسره التكنولوجيا، وعلى أن تتاح كافة المساحات أمام الجميع، لاسيما النساء والفتيات بشكل آمن وخالٍ من العنف. كما يبذل صندوق الأمم المتحدة للسكان جهوداً مضنيةً من أجل إنهاء جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي أينما كان والذي يتزايد انتشاراًعلى الإنترنت في الآونة الأخيرة.

وفي تونس، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالشراكة مع مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" حملة #حتى_ هوني_ يتحاسب، (باللهجة التونسية) كجزء من برنامج "مساواة". وتستهدف حملة التوعية الرامية إلى التصدي للعنف الرقمي الموجه ضد النساء والفتيات إنشاء شبكة تضامن عبر الإنترنت، وذلك من خلال تعبئة وسائط الإعلام الجماهيرية، ورفع مستوى الوعي العام والمعرفة، وإيجاد سبل للوقاية والحماية.

 

bodyright: حق نشر جديد لحماية جسم الإنسان عبر الإنترنت

وعلى الصعيد العالمي، أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان حملة " Bodyright ". وهو وسم لـ "حق نشر" جديد يهدف إلى التأكيد على ضرورة الحماية من العنف الرقمي، والمطالبة بتيسير سبل إنفاذ وتحقيق هذه الحماية. ويتمثل جوهر هذه الحملة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في دفع شركات التكنولوجيا وواضعي السياسات إلى التصدي لانتهاك حقوق الإنسان وحماية الاستقلالية الجسدية عبر الإنترنت والتعامل معهما بجدية على النحو الذي يتعاملون به مع انتهاك حقوق النشر.

 

* تم تغيير الأسماء والتفاصيل التي تكشف عن الهوية من أجل الخصوصية والحماية