أنت هنا

بونتلاند، الصومال –"لقد شعرتُ بالعجز... نظرتُ حولي لأرى من فعل بي هذا، لكن الظلام كان حالكًا. ركضت إلى الخيمة مذعورة، وجدت أسرتي لا تزال مستغرقة في النوم."

هكذا تحدثت خديجو*، 11 عاماً، التي غامرت بالذهاب إلى المرحاض على بعد أمتار قليلة فقط من خيمتها، لكنها بمفردها في الظلام كانت فريسة سهلة لمعتدٍ جنسي. فمن قلب العتمة، ظهر رجل وسحب الفتاة بسرعة، ووضع يده على فمها لإسكاتها أثناء اغتصابها.

بعد فرار مغتصبها، وجدت خديجو طريقها إلى المنزل وهي تقاسي أشد درجات المعاناة من الرعب والألم. حاولت أن تغفو لكنها كانت تنزف طوال الليل.

تحدثت خديجو لصندوق الأمم المتحدة للسكان عن رد فعل والدتها إزاء معاناتها فقالت: "أخبرت أمي بما حدث لكنها لم تصدقني. تجاهلت توسلاتي لها لكي تذهب بي إلى الطبيب و أعطتني أحد أوشحتها لوقف النزيف الذي استمر لعدة أيام، حتى صرت ضعيفة و أصبت بالمرض."

تعيش خديجو مع والدتها وأربعة من أشقائها الأصغر سنًا منذ العام الماضي في خيمة صغيرة في مخيم شابيلي لمن أجبروا على النزوح من منازلهم بحثًا عن ملجأ من الجفاف المهلك الذي عصف بالصومال على مدار العامين الماضيين. وكانت أسرة خديجو قد غادرت منزلها حين نفقت آخر ماشيتهم ولاحت المجاعة في الأفق.  لكن والدها اختار البقاء على أمل أن تهطل الأمطار في النهاية وتتمكن الأسرة من العودة للمنزل.

غير أن آماله كانت بلا جدوى؛ فحتى يومنا هذا، يحتاج ما يقرب من نصف عدد السكان  هناك، حوالي 7.8 مليون شخص، إلى مساعدات إنسانية فورية ومستدامة، ومنذ يناير 2021، نزح 1.1 مليون صومالي بسبب انحباس الأمطار والجوع الشديد، ما يزيد على 80% منهم نساء وأطفال، يرزحون تحت وطأة الأوضاع الطارئة والعيش في مخيمات النازحين، مما جعلهم أكثر عرضة لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال وسوء المعاملة.



امرأة نازحة تستمع إلى ممرضة وهي تشرح الأثر السلبي لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث على الفتيات الصغيرات في جاروي، بونتلاند.
© صندوق الأمم المتحدة للسكان الصومال/توبين جونز

الأمل والرجاء وسط أجواء يكتنفها اليأس

يضم المخيم الواقع في شمال شرق مدينة بوساسو أكثر من 40 ألف شخص من المناطق المتضررة من الجفاف في كركار وهرجيسا وجاردو. وعلى الرغم من توفر الغذاء والماء في المخيم، فإن الحياة هناك لم تكن بالأمر السهل على الإطلاق؛ فلا توجد خدمات طبية، وبدون وجود أي نظام صرف صحي صالح للاستخدام، يضطر الناس للتواري في الغابة لقضاء حاجتهم.

وفي كثير من الأحيان، تضطر النساء إلى انتظار حلول الظلام على أمل الحصول على بعض الخصوصية، حيث تكون الشوارع مهجورة في وقت مبكر من المساء، وهكذا تمكن مهاجم خديجو منها.

ونظرًا لعدم وجود أي مرفق صحي يمدها بالرعاية أو الدعم، بدأت خديجو في عزل نفسها، والتعامل مع الصدمة الجسدية والنفسية وحدها. وعن تلك الفترة قالت لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "شعرت أن لا أحد يهتم بي. ولم أعد أثق بالناس، لأني كنت أرتاب  فيهم وأعتقد أنهم سيؤذونني."

بعد شهر تقريبًا، زار المخيم فريق من المساعدين القانونيين المجتمعيين من المنظمة المحلية غير الحكومية HILI Somalia "هيلي صوماليا" وعلموا بالهجوم. وأبلغوا خديجو بوجود عيادة متنقلة للمساعدة القانونية يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، تقدم المشورة والدعم القانوني للنساء والفتيات وغيرهن من المستضعفين والمهمشين.

 

معاناة النساء والفتيات من أزمة متعلقة بالصحة الجنسية

الاغتصاب، وعنف الشريك الحميم، والتحرش الجنسي، والاستغلال والاعتداء الجنسيين، والزواج القسري، وزواج الأطفال، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والإجهاض القسري، ليست سوى بعضٍ من الأشكال المدمرة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي تفيد التقارير بتصاعد وتيرته بين النازحين في الصومال. 



امرأة نازحة تستمع إلى ممرضة وهي تشرح الأثر السلبي لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث على الفتيات الصغيرات في جاروي، بونتلاند.
© صندوق الأمم المتحدة للسكان الصومال/توبين جونز

ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن ما يقرب من مليوني امرأة وفتاة مراهقة في سن الإنجاب من بين المتضررين من الجفاف؛ فمع وجود مرفق واحد فقط من كل خمس مرافق صحية يعمل بشكل كامل في جميع أنحاء البلاد، فإن صحتهن الجسدية والعقلية عرضة لأخطار جمّة مع استمرار الجفاف، وتضاؤل الموارد الغذائية، وزيادة عمليات النزوح.

ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الصومال على توسيع نطاق عملياته الإنسانية من خلال توفير خدمات منقذة للحياة ذات جودة عالية وفي حينها، فضلًا عما تتسم به من سرية، وذلك للتخفيف من حدة الحالات المتزايدة للعنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة لها. وتعمل حاليًا ست عيادات متنقلة للتوعية في مخيمات النازحين داخليا، وتقديم خدمات العيادات الخارجية الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، وتنظيم الأسرة، والإحالات، عند الحاجة، إلى أقرب مرافق صحية. ويجري توسيع الأماكن الآمنة والملاجئ ومراكز الرعاية المتكاملة في مخيمات النازحين داخليا والمناطق الأكثر تضررًا من الجفاف لضمان حصول الناجين من العنف على الرعاية الطبية الشاملة والصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي الذي هم في أمس الحاجة إليه للتعامل مع الصدمات التي يتعرضون لها.

أما بالنسبة لخديجو، فقد كان مجرد الاستماع إليها وإمكانية إجراء تحقيق أمرًا مشجعًا، إذ قالت: "كانت السيدة على استعداد للاستماع إليّ، لقد صدقتني". "آمل أن أحصل على العدالة".