"فقدت الرغبة في الحياة"، هكذا تقول أمينة*، لاجئة سورية وأم لأربعة أطفال تعيش في لبنان. وتضيف: "لكن الأخصائية الاجتماعية قالت لي إنني ما زلت شابة، وأنه لا يزال لدي الكثير لأحققه في حياتي."
بعد تعرضها للعنف من زوجها بسبب رفضها إنجاب المزيد من الأطفال، لجأت أمينة إلى الأخصائيين الاجتماعيين في المساحة الآمنة المخصصة للنساء، المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان – وهي واحدة من العديد من الملاذات الآمنة التي تقدم الدعم للنساء والفتيات في لبنان.
حضرت أمينة عدة دورات، ما ساعدها في استعادة ثقتها بنفسها وفهم حقوقها.
وعن ذلك تقول: "كل ما تعلمته في تلك الجلسات كان جديدًا بالنسبة لي. أدركت أن لي الحق في التعبير عن رأيي."
يُعد العنف القائم على النوع الاجتماعي أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم، حيث تتعرض حوالي واحدة من كل ثلاث نساء لشكل من أشكال العنف في مرحلة ما من حياتها.
وتزداد حالات العنف ضد النساء والفتيات خلال الأزمات، وفي المناطق الأكثر تضررًا في المنطقة العربية، أفادت ما يقرب من ثلثي النساء والفتيات بمعاناتهن من العنف خلال حياتهن.
يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان استجابات شاملة تركز على الناجيات، من بينها توفير خدمات صحية واجتماعية وقانونية عالية الجودة، بالإضافة إلى دعم المساحات الآمنة للنساء والفتيات والتي تقدم خدمات حيوية للاجئات وغيرهن من النساء والفتيات.
تقول أمينة: "أحرص دائمًا على زيارة المركز، فأشعر هنا بالثقة والدعم الكامل."
كسر القيود
"تزوجت عندما كنت في الثالثة عشرة فقط"، تقول سماح من سوريا. "كان الأمر صعبًا للغاية، حيث كنت أتحمل المسؤولية الكاملة عن أطفالنا ومنزلنا. كنت مضطربة وأشعر بالأسى، فقد كنت لا أزال طفلة، وكانت المسؤوليات تفوق قدرتي."
إن الزواج المبكر يسلب الفتيات طفولتهن، ويحرمهن من أحلامهن ومستقبلهن، ويشكل خطرًا على صحتهن. ورغم التقدم المحرز في الحد من هذا الانتهاك الصارخ لحق أساسي من حقوق الإنسان، لا تزال واحدة من كل خمس فتيات في المنطقة العربية تتزوج قبل بلوغها سن الثامنة عشرة.
تقول سماح: "كنت أشعر أنني بلا قيمة في المنزل. لم تكن لدي أي حقوق." ولذلك لجأت إلى أحد المساحات الآمنة المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا.
"بعد أن سمعوا قصتي واكتشفوا موهبتي في الرسم، تم تسجيلي في دورة التمكين. أكملت دراستي واجتزت امتحان البكالوريا، لكن الرسم كان شغفي دائمًا، وكنت أرغب في دراسة الفنون الجميلة. ونجحت في امتحان القبول بالجامعة، وبدأت الدراسة."
واصلت سماح دراستها وحصلت على مرتبة الشرف الأولى في الفنون الجميلة من جامعة دمشق.
وتقول بفخر: "أشعر الآن بأنني قوية ومستقلة." وتطمح أن يعرف الجيل القادم من الفتيات أن بإمكانهن أيضًا تحقيق أحلامهن. "أريد لبناتي أن يكملن تعليمهن، ولن أسمح لأحد أن يحرمهن من حقهن في التعليم ومن تحقيق أهدافهن."
دور الرجال الحاسم في التغيير
للآباء والرجال والأولاد دور أساسي في منع الزواج المبكر، وفي القدس، يصر عبد السلام أسعد، البالغ من العمر 41 عامًا، على أن تحصل بناته على بداية جيدة في حياتهن.
يقول أسعد: "زوجتي وأنا تزوجنا في سن مبكرة، ولا أريد لبناتي أن يمررن بالتجربة نفسها."
شارك أسعد في برنامج " Brave Men " (الرجال الشجعان) المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يهدف إلى تثقيف الآباء والرجال والأولاد حول مهارات التربية الإيجابية، وتعزيز الأبوة الإيجابية، وبناء علاقات أسرية أفضل.
حتى الآن، وصل البرنامج إلى حوالي 6000 رجل وشاب يافع في فلسطين. واستفادوا من المبادرات والجلسات التي يقدمها البرنامج.
يقول أسعد: "أرغب في أن تمر بناتي بتجارب حياتية متعددة، ليتمكنّ بعدها من اتخاذ قراراتهن الخاصة ورسم ملامح مستقبلهن بأنفسهن. فالتعليم هو الأساس الذي يرتكز عليه مستقبلهن والركيزة الأساسية لتحقيقه."
قوة التحول وقيادة التغيير
"عالم خالٍ من ختان الإناث سيكون عالمًا بلا معاناة أو ألم أو خوف أو عار"، هكذا تقول فتحية، وهي معلمة من جيبوتي، ناشطة في الجهود الهادفة لإنهاء هذه الممارسة بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ورغم التقدم المحرز في الحد من هذه الممارسة الضارة، فإن حوالي 50 مليون فتاة في المنطقة العربية تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية.
في جيبوتي، تعرضت أكثر من 70% من النساء بين سن 15 و49 عامًا للختان. ورغم أن هذه النسبة تبقى مرتفعة جداً إلا أنه بفضل الجهود التوعوية مثل تلك التي تقوم بها فتحية، فقد شكلت تراجعاً ملحوظاً عن ما كانت عليه وهي 93%.
تقول فتحية: "اخترت أن أكون معلمة لأساعد الفتيات الصغيرات. اتخذت هذا القرار عندما رأيت أن أخواتي [اللواتي خضعن للختان] يعانين من ألم شديد أثناء الدورة الشهرية مقارنة بما أشعر به".
وفي الصومال، تشير التقارير إلى أن ما يقرب من 99% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 5 و11 عامًا قد تعرضن للختان.
ويقول الدكتور شعيب عبد القادر علي، الذي كان يمارس ختان الإناث سابقًا: "كنت أعتقد أن الفتاة غير المختونة لا تنتمي إلى الصومال." لكنه الآن، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، يكرس نفسه للعمل على إنهاء هذه الممارسة الضارة.
ويضيف: "أنا طبيب، وهدفي هو القضاء على هذه الممارسة الضارة."
لحظة فارقة
يمثل هذا العام، 2024، علامة فارقة، حيث يشهد مرور 30 عامًا على اعتماد حكومات العالم برنامج العمل التحولي الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994،
لقد وضع هذا الاتفاق حجر الأساس للعلاقة الوثيقة بين الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والمساواة بين الجنسين، وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، ولا يزال يمثل جوهرًا أساسيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
في البلدان التي تضع حقوق النساء والفتيات في الصدارة، تم إحراز تقدم ملموس نحو بناء مجتمعات أقوى وأكثر صحة ومرونة. وللوفاء بالتعهدات التي تم قطعها المؤتمر الدولي للسكان والتنمية نحو تحقيق السلام والازدهار والتنمية المستدامة للجميع، علينا جميعًا مضاعفة جهودنا لدعم حقوق ورفاه النساء والفتيات.
*تم تغيير الأسماء حفاظًا على الخصوصية والحماية.