أنت هنا

في قلب كل أزمة، تتألق الفتيات المراهقات كمنارة للأمل والمرونة والصمود. فلا شيء يعادل حجم الصعوبات التي يواجهنها إلّا عزيمتهن الثابتة وتوقهنّ المُتّقد إلى مستقبل أكثر إشراقًا. 

"عندما وصلت الحرب إلى حلب، توقفت فجأة عن كوني فتاة، لأن العالم توقف عن معاملتي كذلك." هذا ما قالته سارة وهي شابة سورية كانت تسرد ذكرياتها في الأزمة السورية التي نشأت في خضمّها. وسرعان ما تحولت التهديدات ضد الفتيات والتي كانت تلوح في الأفق إلى واقع محتوم، وهكذا أصبح حال سارة كحال العديد من الفتيات في مجتمعها. 

تُواصل سارة حديثها: "بين عشية وضحاها، أصبحت كل الفتيات مستهدفات مثلي. فتم اختطاف العديد منهن أو اغتصابهنّ أو قتلهنّ. وأما الناجيات منهنّ ممن لم يتعرضن لأي من هذه المصائر فلم تكن آفاق حياتهنّ أفضل بكثير."

في جميع أنحاء المنطقة العربية، تُحدد الأزمات الإنسانية حياة الفتيات من أمثال سارة، حيث تقضي الكثيرات منهنّ سنوات تكوينهن في محاولات النجاة من العنف والنزوح والفقر المدقع والتهديدات الصحية المتزايدة. ومع احتفال العالم باليوم الدولي للطفلة في عام 2023، لا يزال العنف وعدم الاستقرار يُخيّمان على سوريا وفلسطين واليمن والسودان والصومال ولبنان وبلدان أخرى في جميع أنحاء المنطقة، مع تزايد المخاوف من صراع إقليمي أوسع نطاقًا من شأنه أن يسبب معاناة لا حصر لها للمدنيين الأبرياء. 

وكما هو الحال في جميع الأزمات، تتعرض الفتيات المراهقات لخطر خاص. إذ غالبًا ما تعرضهن الفوضى وانهيار الهياكل المجتمعية لمستويات عالية من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الزواج القسري وزواج الأطفال والاتجار بالبشر والاستغلال. ويؤدي انقطاع الفرص التعليمية إلى زيادة ضعفهنّ وبالتالي إلى تهميش فرصهن في الحصول على التنمية الشخصية  والاستقلال الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن محدودية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الصحة الإنجابية، تعرض حياتهنّ ومستقبلهنّ للخطر. هذه المخاطر معا لا تنتهك حقوقهنّ الأساسية فحسب، بل يُمكن أن تؤدي أيضًا إلى إستمرار استضعافهنّ، وهذا سيقلّل من قدرتهن على المساهمة في تعافي مجتمعاتهن ودعم قدرتها على الصمود. 

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أشرك صندوق الأمم المتحدة للسكان الفتيات المراهقات ممن يعشن في أوضاعٍ إنسانية في العديد من البرامج المصممة لزيادة فهم أحوالهنّ ودعمهن وتمكينهنّ. وقد لعبت تلك البرامج دور المنصات التي كانت الفتيات بحاجة كبيرة إليها لتوصيل أصواتهن والمشاركة بخبراتهنّ في الحياة في أوقات الأزمات على أمل إيجاد طريق إلى مستقبل أكثر تفاؤلاً. وبالنسبة للكثيرات، فإن المستقبل غامض وغير مأمون. وعلى حد تعبير جمانة، وهي فتاة مراهقة من غزة نجت من الأعمال العدائية عام 2021، "الحروب تأتي وتذهب، لكن تأثيرها يبقى إلى الأبد."

ومع ذلك، ووسط هذا المشهد القاتم، تتألق مرونة الفتيات الصغيرات. مثال ذلك داليا، لاجئة من الرقة، تحلم بعالم تتساوى فيه الفرص. وتؤكد: "أريد أن أعيش في عالم تمتلك فيه كل فتاة حق الاختيار والقوة لتعيش الحياة التي تريدها." وعلى الرغم من أنها واجهت العنف الأسري وفظائع الحرب، إلا أنها لا تزال مصممة على أن تصبح مهندسة معمارية وأن تعيد بناء وطنها. ومثلها مثل العديد من الفتيات الأخرياتْ، لم تسمح لتجاربها المؤلمة بأن تُخمد شغفها أو أحلامها بمستقبل أفضل.

تعكس هذه القصص مرونة وروح الفتيات الصغيرات التي لا يمكن إنكارها في جميع أنحاء المنطقة. فإن شغفهن بتحسين ذواتهنّ والتعلم، ووعيهن الشديد بظروفهنّ، وقدراتهن التي لا تتزعزع على التكيف والارتقاء لا تجعلهنّ ناجياتٍ فحسب، بل منارات للأمل في مجتمعاتهنّ. ولا يمكن أبداً للمنظمات الإنسانية والإنمائية في جميع أنحاء العالم أن تستغني عن رؤاهنّ وتجاربهنّ.

وتقول ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية: "في عالم محفوف بالتحديات، يجب ألا يتم اعتبار وجهات النظر ونقاط القوة الفريدة لفتياتنا المراهقات كإضافاتٍ مفيدة فحسب، بل هي الأُسس التي ينبغي البناء عليها. فمن الضروري ألا تكون برامجنا صديقة للفتيات فحسب، بل يجب أن تقودها الفتيات، مما يمكّنهن من تشكيل مستقبلهن وإثراء نسيج مجتمعاتنا في المنطقة العربية وخارجها."

ويجب أن يصبح تمكين المراهقات أولوية للمجتمع الدولي. لقد حان الوقت للاعتراف بقيمتهنّ، ورعاية نموهن النفسي والاجتماعي، وتزويدهن بالأدوات اللازمة لتحديد مصائرهن. ويجب أن يتم تصميم البرامج التي تمنحهن  الاستقلالية والقوة والتي توصل أصواتهن. 

وتجسد كلمات رُبى، وهي فتاة مراهقة من إدلب، هذه الضرورة تمامًا: "أعرف العالم الذي أريد أن أعيش فيه. ساعدوني في بنائه، ولن أتوقف عن العمل أبدًا. "