أنت هنا

الأمم المتحدة، نيويورك - أعلنت الأمم المتحدة اليوم أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 – ما يمثل علامة فارقة بالنسبة للبشرية - وأنه من المتوقع أن تصبح الهند الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في عام 2023، متجاوزة بذلك الصين. لكن ربما يكون الخبر الأكثر صدارة هو انخفاض معدلات الخصوبة إلى أدنى مستوى لها على مر التاريخ إذ يعيش ثلثا سكان العالم في الوقت الراهن في بلدان أو مناطق يقل فيها معدل الخصوبة عن معدل الإحلال الذي يبلغ 2.1 طفل لكل امرأة. 

وتأتي هذه البيانات في وقت يشهد ارتباكًا كبيرًا، حيث أودت جائحة كوفيد-19، التي لا نزال نعاني منها ومن تداعياتها، بحياة ما يزيد على 6 ملايين نسمة في جميع أنحاء العالم، كما سجل عدد النازحين قسرًا بسبب العنف أو الاضطهاد أو النزاعات رقمًا قياسيًا تجاوز الـ100 مليون، علاوة على ما أدى به تغير المناخ من فتك بالفئات الأكثر تهميشًا، هذا بالإضافة إلى التراجع فيما يتعلق بحقوق المرأة، الأمر الذي لا يزال يشكل تهديدًا لحياة النساء والفتيات ولكرامتهن وحريتهن ورفاههن في كل مكان.

ومع ذلك، فإن الوصول إلى هذه العلامة الفارقة في تاريخ الإنسانية يبعث أيضًا على التفاؤل، حيث يعيش 8 مليارات نسمة على وجه الكوكب في آن واحد. فهو يشير إلى التقدم المحرز في مجال الطب والنظم الصحية، كما أنه بمثابة مقياسًا لأوجه التحسن التي جرت في التعليم والتنمية، وعلامة بارزة فيما يتعلق ببقاء الإنسانية. علاوة على ذلك، فإن تراجع معدلات الخصوبة، إن دلّ، فإنما يدل على أن العديد من النساء والفتيات أصبحن أكثر قدرة على التحكم في خياراتهن الإنجابية.


فالنتينا، لاجئة أوكرانية تبلغ من العمر 72 عامًا، فرت من منزلها، أثناء الحرب مع روسيا، إلى جمهورية مولدوفا بحثًا عن الأمان. إذ تواجه المزيد من البلدان أثار تحول السكان إلى الشيخوخة وعدم الاستقرار الناجم عن ذلك، فبحلول عام 2050، من المتوقع أن يشكل السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا فأكثر ما يزيد على 20 في المائة من سكان العالم. © صندوق الأمم المتحدة للسكان في مولدوفا / إدوارد بيجو

 

ولقد كانت ردود الفعل على تلك الأخبار قطعًا متباينة

"إن بلوغ سكان العالم هذا الرقم يعني الوصول إلى المزيد من العلم والابتكار والاكتشافات. كما أن هذا النمو سيكون من شأنه الحث على إنتاج المزيد من التكنولوجيات والبحوث." هكذا تحدث أنطون مسوح، وهو مهندس سوري من حمص يبلغ من العمر 24 عامًا، وهو يبدو متفائلًا رغم الأزمة المدمرة التي طالت أمدها في بلاده، مؤكدًا: "أرى أنه سيكون أمرًا رائعًا."

لكن عبد الرحمن الورد، وهو ناشط يمني شاب يبلغ من العمر 26 عامًا، كان أكثر حذرًا. وقد عانت بلاده أيضًا من حرب لا هوادة فيها. إذ قال: "مع استمرار الجنون الذي يحدث في العالم، فإن وجود المزيد من الأفراد سيعني المزيد من المعاناة."

دعوة لاستثمارات أكثر حكمة

وجاءت ردود الفعل الأولية بشأن التوقعات وتأثيرها المحتمل، في المقام الأول، من منطقة الدول العربية حيث لا تزال المخاوف شديدة بشأن الكوارث الإنسانية.

فقد قالت ابتهال آيت لعياشي، القابلة في مستشفى تطوان للولادة بالمغرب: "في مواجهة الأزمات العالمية، بما في ذلك تغير المناخ وتدهور الموارد الطبيعية والأوبئة والحروب، أعتقد أن مستقبلنا بات مهددًا."

وأوضحت: "أعتقد أننا في طريقنا إلى الاكتظاظ السكاني، والذي يرتبط بعدم المساواة في توزيع الموارد وفي معدل النمو العالمي،" وذلك على الرغم من أنها أقرت بالتحديات التي ستشكلها معدلات الخصوبة المنخفضة: "هناك بلدان سوف تمثل الشيخوخة مشكلة حقيقية بالنسبة لها."

بينما كان البعض الآخر أكثر حذراً، على الرغم من المصاعب التي مروا بها وشهدوها في حياتهم، حيث قال ميمون مسفر، الذي يبلغ من العمر 31 عامًا وهو مدرب في مركز خدمات الشباب الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان في تعز باليمن، إن الرقم يحمل في طياته آفاق واعدة ومخاطر على حد سواء: "إن وصول العالم إلى 8 مليارات نسمة يعني أنه مليء بالموارد البشرية، التي يمكنها صنع الجنة على الأرض. غير أن هذا يحتاج إلى استثمار حكيم لتلك الموارد، وإلا سينتهي الأمر إلى جحيم مع غياب السلام والتعايش."

كما قالت زميلته، هند المجاهد، 26 عامًا، إن البشرية ليست قادرة على البقاء فحسب، بل أيضًا على الازدهار – طالما التزم القادة والزعماء بالسياسات الصائبة. "يمكننا تجنب مشاكل مثل انعدام الأمن الغذائي والبطالة وغيرهما، إلا أن ذلك يمكن أن يتحقق فقط من خلال الاستثمارات القوية في السكان، حتى يكونوا منتجين ويتمكنوا من تلبية احتياجات العالم."

تمكين النساء والفتيات

وقد دعا العديد إلى تمكين النساء والفتيات باعتبار ذلك استراتيجية رئيسية لبناء مستقبل أفضل. حيث أرجعت ميرفت إسماعيل الحاج، من حمص، سوريا، ارتفاع معدلات الخصوبة في المقام الأول إلى زواج الأطفال وحمل المراهقات في بعض أنحاء العالم. فقالت: "أهم سبب للزيادة السكانية هو الزواج المبكر للفتيات القاصرات، دون تفكير أو وعي."

وخلصت دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخرا إلى أن الأمهات اللاتي يبدأن الإنجاب في مرحلة المراهقة كثيرا ما ينجبن عددا أكبر بكثير من الأطفال، مما يعكس تهميشهن وافتقارهن إلى الدعم. ولكن عندما تتلقى الفتيات التثقيف الجنسي الشامل والخدمات الصحية عالية الجودة، مع تمكنهن من الالتحاق بالتعليم والانضمام إلى سوق العمل، فإنهن يصبحن قادرات على  اتخاذ قرارات مستنيرة وإيجابية بشأن حملهن وتوقيته واختيارهن لشريك الحياة.


أمهات وأطفال ينتظرون أن تراهم قابلة في مستشفى نتيمارو في كهانتشا، مقاطعة ميغوري، كينيا. © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ لويس تات

إن القدرة على اتخاذ هذا القرار بحرية أمر جوهري وضرورة لا غنى عنها، وذلك على حد قول لمى الرضا، 27 عاماً، وهي مديرة حالات بجمعية خيرية محلية في دير الزور، بسوريا. إذ قالت: "ينبغي أن يسعى الجميع إلى تكوين الأسرة التي ينشدونها. إنه إنجاز عظيم للبشرية أن تصل إلى 8 مليارات نسمة، وهو يعني أننا نسير على الطريق الصحيح."

وأضافت سولفانا هشام طيار، من اللاذقية بسوريا، أن تمكين المرأة من رسم مسارها الخاص أمر يدعو للتفاؤل: "عندما تحصل المرأة على التعليم، تصبح قوية وليست تحت رحمة أحد."

وبغض النظر عن حجم سكان العالم، اتفق جميع من ابدوا ردود أفعالهم على أن القادة وصانعي السياسات يجب أن يظلوا ملتزمين بحقوق الجميع على حد سواء، وهو ما لخصه السيد مسفر من اليمن بقوله: "إن الأرض ملك للجميع."

وقد اتفقت الدكتورة نتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، قائلة: "السكان والشعوب هما الحل وليسوا المشكلة. فالأرقام مهمة، لكن دعونا نتعامل معها بحرص. إن عالم يتسم بالمرونة يسكنه 8 مليارات نسمة، ويدعم حقوق وخيارات الأفراد، هو عالم يوفر إمكانات لا حصر لها – إمكانات وفرص للأفراد وللمجتمعات ولكوكبنا الذي نتقاسمه معًا من أجل تحقيق الازدهار والرخاء للجميع."