أنت هنا

ربما تكون الولادة من بين أخطر الأوقات التي تمر بها المرأة في حياتها وأكثرها إعجازًا في ذات الوقت. وتتذكر كل امرأة المشاعر المختلطة التي عاشتها وهي في سبيلها إلى أن تضع وليدها من إثارة وترقب وخوف وفرحة. إنه حقًا من الصعب تخيل مدى الخوف والقلق الذي تمر به المرأة الحامل – سواء أكانت أخت أو صديقة أو زوجة- وهي تدنو نحو واحدة من أهم لحظات حياتها. والآن، تخيل أنها تمر بهذه اللحظات وهي وحيدة وأن تلد تلك المرأة دون وجود أي شخص معها! وبدون أي مساعدة مهنية - إنه أمر مرعب!!

وعن تلك التجربة القاسية التي مرت بها عبيدة من اليمن، والتي تبلغ من العمر 17 سنة، قالت: " كنت أعاني آلام المخاض قرابة أربعة أيام، وفي النهاية، خرج الطفل من رحمي ميتًا. لم أتلق أي مساعدة من أي قابلة مدربة ، لم يكن هناك سوى أسرتي التي ساعدتني بأدوات بسيطة للغاية."

في الآونة الأخيرة، شهدنا تقدمًا كبيرًا في مهنة القبالة القديمة التي تسهم في جلب حياة جديدة لهذا العالم. وقد أسهم هذا التقدم في الحد من وفيات الأمهات والمواليد وحالات وفيات الأجنة، وفي تحسين صحة ورفاه النساء وحديثي الولادة والمراهقين في المنطقة العربية، غير أن هناك نقص حاد في عدد القابلات يصل إلى 128000 قابلة. ويشكل التفاوت وعدم التكافؤ بين الجنسين عاملاً غير معترف به يكمن وراء هذا النقص الهائل، بيد أن هذا التفاوت لا يمثل التحدي الوحيد. فهناك عامل آخر، وهو ضرورة وجود سياسات أفضل واستثمارات أكبر تتيح للقابلات التعليم والتدريب وفقًا للمعايير الدولية، والاضطلاع بدورهن وممارسة عملهن على نحو كامل، فضلًا عن الارتقاء بنظم الرعاية الصحية الأولية وتوفير سبلًا للتغطية الصحية الشاملة.

وتعد القابلات من بين العاملين الصحيين  الأكثر مهارة اللائي يمكنهن إنقاذ حياة الأمهات والأطفال أثناء الولادة.

وتقول أروى مولاتف، وهي قابلة يمنية تقدم خدمات القبالة منذ 22 عامًا: "تعمل القابلات الآن ليل نهار من أجل إنقاذ حياة الأمهات والأطفال حديثي الولادة...أشرف على خمس ولادات في الأسبوع، معظمها للنساء ممن ينتمين للفئات الفقيرة والمهمشة ومن النازحات".


تقدم أروى مولاتف خدمات القبالة منذ 22 عامًا، الصورة: صندوق الأمم المتحدة للسكان باليمن


وفيما يلي أربعة أسباب تجعل القابلات يستحقن المزيد من الاستثمار في قدراتهن وأماكن عملهن والاعتراف الكامل بمهاراتهن وإسهاماتهن.

القابلات ينقذن ملايين الأرواح كل عام

تستحق كل امرأة حامل أن تحظى بولادة آمنة، حتى لو كانت تعيش في ظل أزمة إنسانية. ولكن للأسف، ليس هذا هو واقع الحال. فكل دقيقتين، تموت امرأة أثناء الحمل أو الولادة، مُخلّفة ورائها أسرة محطمة وأحباء يقاسون مرارة الفراق. إن فرحة الإتيان بطفل إلى العالم بأمان هي لحظة تستحق كل أم التمتع بها. ولا ينبغي أن تكون الولادة الآمنة التي تتسم بالراحة واليسر في المنزل أو في العيادات ترفا بل حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان. ويمكن للقابلات توفير هذه الرعاية وإنقاذ الأرواح في هذه العملية. فإذا تم نشرهن بأعداد أكبر، حينئذ يمكن للقابلات المدربات تدريبًا جيدًا المساعدة في تجنب ما يقرب من ثلثي حالات وفيات الأمهات وحديثي الولادة، وذلك وفقًا لأحدث تقرير عن حالة القبالة في العالم.

تتذكر هورين يوسف، القابلة في مخيم خازير للنازحين في إقليم كردستان شمال العراق، أن "امرأة حامل تبلغ من العمر 35 عامًا جاءت إلى عيادتنا وهي تعاني من آلام في البطن". "بعد إجراء فحص طبي، أدركت أنها تمر بمرحلة مبكرة من الولادة على مدى الساعات الخمس الماضية وكانت بحاجة ماسة إلى نقلها إلى مستشفى الولادة في أربيل". أقلتهم سيارة إسعاف إلى المستشفى، لكن مخاض المرأة كان يتقدم بسرعة كبيرة. وتقول هورين: "كانت الأم خائفة للغاية وظلت تتوسل إليّ حتى أجلب طفلها إلى الحياة بأمان:"لا تدعيه يموت". "كان قلبي ينبض بسرعة. فقد كنت أعلم أن حياتهم في خطر".

ومن خلال تحركها السريع وإتخاذ ما يلزم من إجراءات عاجلة تمكنت هورين من إجراء ولادة للطفل بأمان، لكن العديد من النساء والأطفال حديثي الولادة ليسوا محظوظين بما يكفي لأن تتواجد في محيطهم قابلة مدربة جيدًا مثل هورين.



هورين يوسف تحمل المولود الذي أنجبته في سيارة إسعاف. © زيان

القابلات هن عامل أساسي في التغطية الصحية الشاملة

تضطلع القابلات بدور هام، ليس فقط في تقديم الرعاية الصحية لملايين النساء والفتيات، بل أيضًا في توفير المشورة قبل الولادة، وقبل الحمل، وبعد الولادة، ورعاية حديثي الولادة، وتقديم الدعم النفسي لمساعدة الأمهات وأسرهن على تربية أطفال أصحاء، لاسيما في ظل الظروف والأوضاع الإنسانية الصعبة نظرًا لما يتمتعن به من معارف ومهارات متميزة، ومكانتهن باعتبارهن من مقدمي الخدمات الذين يتصدرون الخطوط الأمامية، فضلًا عن قربهن الجغرافي والاجتماعي من المجتمعات التي يخدمنها.

قد تسير القابلات لمسافات طويلة تصل إلى أميال من أجل الوصول إلى النساء حيثما يتواجدن ومهما كان موقعهن الجغرافي – والذي غالبًا ما يكون عاملًا رئيسيًا لتحديد ما إذا كانت المرأة ومولودها سينجوان - أو قد يقمن بتخصيص مساحة في منازلهن لاستقبال النساء الحوامل ومساعدتهن على الولادة بأمان. ومع ذلك، لا تزال القابلات يواجهن العديد من التحديات التي تعوق عملهن وتنقلاتهن مثل الافتقار إلى الكهرباء في المناطق الريفية وأماكن النزوح ومخيمات اللاجئين.

وعن ذلك تقول حوا، وهي قابلة من غرب دارفور بالسودان: "حين لا توجد كهرباء، نحمل النساء اللائي يعانين من المخاض أثناء الليل من خيامهن، ونشعل النار في مكان مفتوح حتى نتمكن من العمل". 



القابلات في غرب دارفور أثناء مناوبة ليلية

وعلاوة على مهامهن السريرية الهامة، فإن للقابلات دور أوسع نطاقًا مثل النهوض بالرعاية الصحية الأولية والتغطية الصحية الشاملة، والتصدي للمسائل المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية والحقوق الإنجابية. كما يمكنهن أن يصبحن عوامل قوية لإحداث التغيير في المجتمعات، في تشجيع وتعزيز تمكين المرأة وتغيير السلوك بشأن تنظيم الأسرة، على سبيل المثال، وكذلك في التصدي للأعراف والمعايير والممارسات الاجتماعية الضارة والتي تفرق بين الجنسين، بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

القابلات مناضلات من أجل كفالة تمتع النساء كافة بالصحة الجنسية والإنجابية

تعد القابلات جزءً مهمًا للغاية من برنامج رعاية مفصل وطويل. إذ يتجاوز دورهن ولادة الأطفال، حيث تمتد مسؤولياتهن إلى ما هو أبعد من قسم الولادة. فهن يساعدن كذلك في تعزيز الصحة في المجتمعات المحلية، ودعم المرضى وأسرهم. ليس هذا فحسب، بل يمكنهن أيضًا أن يصبحن دعاة أقوياء للرعاية الكريمة وحقوق المرأة.

قالت فردوسالغة محمود، وهي قابلة تعمل في مستشفى شيكو في بالبالا بجيبوتي: "أرافق النساء في رحلتهن نحو الأمومة، وهذه مسؤولية كبيرة". وأضافت: "أبذل قصارى جهدي لضمان حصولهن على المعلومات الصحيحة، بما في ذلك المخاطر والمزايا المتعلقة بالاختيارات المتاحة، من أجل اتخاذ القرارات المناسبة لهن ولأطفالهن." 

ومع ذلك، تواجه القابلات تمييزًا مستمرًا بين الجنسين يحول دون قدرتهن على تحقيق الاستقلالية المهنية والقيام بالأدوار القيادية. كما أنهن يعانين من تفاوتات بين الجنسين في الأجور والنمو الوظيفي، مما يؤثر على الإبقاء عليهن.

وعن ذلك تحدثت بلقيس الطويتي، وهي قابلة من العاصمة اليمنية، قائلة: "بسبب الظروف القاسية التي تمر بها اليمن، لم يعد أحد يدفع لي. أعمل في الغالب مجانًا الآن أو أقدم استشارات عبر الهاتف. وأقدم خدمة القبالة في المنازل لأنه ليس لدي عيادة وتعرض منزلي لأضرار بالغة."

 توفر القابلات حلاً فعالاً من حيث التكلفة

لقد ثبت أن الرعاية التي تقودها القابلات باعتبارها نموذجاً للممارسة الفعّالة من حيث التكلفة وتوفير النفقات. وقد أظهر تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان عن حالة القبالة في العالم لعام 2021 بشكل لا لبس فيه أن الاستثمار في القابلات هو الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لتحقيق الأهداف المتعلقة بالحد من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، وحماية صحة المرأة وحقوقها. وتشير الأدلة إلى أنه إذا توفرت القابلات بأعداد كافية، وتم دعمهن، وتنظيمهن وفقًا لمعايير معترف بها، وعملن عبر نطاق ممارستهن الكامل باعتبارهن جزءاً من فريق متكامل في بيئة مواتية، سوف يتمكن من تلبية ما يقرب من 90 ٪ من الاحتياجات العالمية للتدخلات الأساسية في مجالات الصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأمهات والمواليد والمراهقين. وعلى الرغم من هذه الإمكانات الهائلة، تشكل القابلات أقلية صغيرة من القوى الإقليمية العاملة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأمهات والمواليد والمراهقين، ويحصلن على رواتب منخفضة لا يمكن مقارنتها بالمهن المماثلة وأحيانًا لا تكفي للعيش.

"بسبب الظروف القاسية التي يمر بها اليمن، لم يعد أحد يدفع لي. أعمل في الغالب مجانًا الآن أو أقدم استشارات عبر الهاتف. وأقدم خدمة القبالة في المنازل لأنه ليس لدي عيادة وتعرض منزلي لأضرار بالغة." هكذا تحدثت بلقيس الطويتي، وهي قابلة من العاصمة اليمنية، عن الظروف التي تقدم فيها خدماتها للنساء اليمنيات.

ولا يوجد حوافز أفضل لجعل القابلات أكثر أهمية في جميع النظم الصحية ولضمان تعليمهن وحمايتهن ومعاملتهن كمهنيات ينبغي أن ينلن التقدير والتكريم لما يقمن به من عمل له قيمة كبيرة.

ما هو دور صندوق الأمم المتحدة للسكان؟

إن جعل الأمومة تجربة أكثر أمانا هو ضرورة حتمية لحقوق الإنسان ويقع في صميم ولاية صندوق الأمم المتحدة للسكان. ويسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان جاهدا إلى جعل القبالة مهنة مستقلة تحظى بالاحترام وكامل الدعم، فضلًا عن إدماجها في النظم الصحية على نحو تام. فالقابلات هن البطلات المجهولات اللائي يقدمن الرعاية لحياة جديدة أقبلت لعالمنا، في الوقت الذي يقمن فيه أيضًا بحماية صحة ورفاهية وحياة الأمهات والأطفال في كل مكان.

ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى جانب ما يزيد على 40 شريكًا عالميًا وأكثر من 300 شريك وطني، على توسيع نطاق تعليم القبالة والسياسات المعنية بها والخدمات عالية الجودة المقدمة لأفرادها في جميع أنحاء العالم. ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤه أيضًا على الارتقاء بمناهج تدريب القبالة والنهوض بالمؤسسات والجمعيات الخاصة بها وتعزيز اللوائح المنظمة لها. ويمتد دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان للقبالة الآن إلى أكثر من 120 دولة، بما في ذلك البلدان الـ 39 ذات أعلى معدلات في وفيات الأمهات، والتي تتلقى دعمًا موجهًا من خلال الصندوق المواضيعي لصحة الأم التابع لصندوق الأمم المتحدة للسكان.