كوكس بازار، نبجلاديش – تعتبر الحدود بين بنجلاديش وميانمار موقعاً لأزمة اللاجئين الأسرع نموا في العالم. فقد وصل أكثر من 620,000 من اللاجئين الروهينغا من ولاية راخين المجاورة في ميانمار إلى منطقة كوكس بازار خلال ثلاثة أشهر فقط.
ومع تدفق المزيد من اللاجئين يوميا تغص المستوطنات بالأعداد الكبيرة. فقد أصبح تركز اللاجئين الآن من بين الأكثر كثافة عالميا. هذا بالإضافة إلى أن أكثر من نصف الوافدين من النساء والفتيات.
يقع العبء الأكبر للأزمة على كاهل أولئك النساء والفتيات، المهمشات والمستضفعات أصلا. وتشير تقارير إلى تفشي العنف الجنسي، فيما تصل الكثيرات منهن إلى المنطقة وهن في حاجة إلى رعاية ما الأمومة وغيرها من خدمات الصحة الإنجابية.
ومع هذا وفي ظل النزوح، هناك دعم وأمل وشفاء وصلابة حيث تظهر النساء في الخط الأمامي للاستجابة. فمن متطوعات إلى أخصائيات اجتماعيات وقابلات، تعتني النساء بنظيراتهن.
كابوس لا ينتهي
يسابق العاملون في مجال الاستجابة الإنسانية الزمن لتلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة ووضع الخطط للتعامل مع الوضع المعقد والمطول أمامهم.
فهم يواجهون حجما من الاحتياجات الهائلة. إذ يصل الأشخاص بعد مسيرة عدة أيام عبر التلال والأنهار وعلى امتداد خط الساحل، وقد نال الكثيرون من المآسي نصيبا لا يتخيله عقل.
قالت إحدى النساء لصندوق الأمم المتحدة للسكان في مستوطنة بالوخالي: "الجروح السطحية تلتئم، لكن الجرح الداخلي لن يندمل أبدا." فقد مات زوجها وأفراد عائلتها الستة عندما أُحرق منزلهم. وتعرضت للضرب والطعن. "تطاردني الكوابيس كل ليلة، لا أجد للنوم سبيلا."
وحتى قبل أن يصلوا إلى المخيمات، يبقى العنف – وخاصة العنف القائم على النوع الاجتماعي مصدر قلق كبير.
كثير من النساء إما وحيدات الآن أو ربات لأسرهن. ويشكل الزحام الشديد والخصوصية المحدودة مخاطر كبرى على سلامتهن وسلامة أطفالهن. ويمكن للأعمال الأساسية، كجمع المياه أو الحطب، أو الاستحمام أو استخدام المراحيض أن يعرضهن للخطر.
أما النساء الحوامل والأمهات الجدد فهن في احتياج شديد لخدمات صحة الأمومة.
أنجبت ميرولا مولودها قبل ما يقارب الشهر. جرت الولادة داخل خيمة مؤقتة بمساعدة والدتها. وهى لديها الآن ثلاثة أطفال لترعاهم – إضافة إلى زوجها، صدام، الذي يتعافى من إصابة بطلق ناري.
نساء يساعدن نساء
ومع ذلك، وبالرغم من هذا الوضع المضطرب، تبرز النساء كقائدات وعاملات في المجتمع للتوعية يتواصلن مع بعضهن البعض لمد يد العون والمساعدة.
أما مونوالا فقد كانت تعيش بالفعل في بنجلاديش عندما تصاعدت الأزمة هذا الصيف. وهي متطوعة من الروهينغا في مستوطنات اللاجئين حيث تُعرف النساء والفتيات عن المساحات الآمنة والصديقة للنساء التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي اماكن آمنة لتلقي المعلومات والرعاية الطبية والإحالة للحصول على المشورة.
تساعد هذه المساحات النساء على إستعادة شعورهن بالمجتمع. وقد بدأ البعض يطلقن عليها "شانتي غار" التي تعني "الملاذ الآمن."
قالت مونوالا: "النساء بحاجة لنوع من الدعم ليس بوسع أي طبيب تقديمه. الجرح مفتوح داخلهن. تتفهم النساء لدى وصولهن هنا أنه لا يتم توفير دعم مالي لهن، وهن يقُلن إن ما نقدمه يساوي أكثر من ذلك بكثير."
في مستوطنة مؤقتة في ليدا، يبحث الأشخاص عن "العمة ليلى"، وهي وافدة أخرى من الروهينغا تعيش في بنجلاديش منذ سنوات. كما وأنها توجه الناس إلى المساحات الصديقة للنساء.
قالت: "عندما أجد إحدى الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي بين الوافدين الجدد أو في الشوارع، أحرص على احضارها إلى هنا. تحب النساء المساحات التي تمكنهن من التعبير عن أنفسهن بحرية. وأحيانا يجلبن أطفالهن للعب داخل هذه المساحات."
إن لهؤلاء النساء دورا هاما. تقول موسرافا، مديرة البرامج في إحدى المساحات: "فالمتطوعات يكن محل ثقة لأنهن يعشن وسط المجتمع ويعرفن اللغة والثقافة." كما وأنهن يعرفن كيف يجدن النساء المحتاجات للمساعدة. تضيف موسرافا: "تواجه النساء من العنف الكثير، لذا لا يمكننا أن نتوقع منهن دائما أن يأتين إلى هنا طلبا للمساعدة. أحيانا يكون علينا أن نذهب نحن إليهن."
قالت نور بيغم، متخصصة اجتماعية من صندوق الأمم المتحدة للسكان: "تخضع مشاركة النساء في الحياة العامة لقيود شديدة. فهن ليس مسموحا لهن بالجلوس في المقاهي والمشاركة بقصصهن أو تجاذب أطراف الحديث. لهذا من الأهمية أن يكون لدى النساء مساحة كهذه."
القابلات تنقذن الأرواح
كذلك تقدم القابلات المدعومات من صندوق الأمم المتحدة للسكان الرعاية المنقذة للحياة، في المساحات الآمنة وفي العيادات المتنقلة التي توفر خدمات الصحة الإنجابية. وهن يقدمن مجموعة من الخدمات بما في ذلك رعاية ما قبل الولادة وخدمات الولادة الآمنة ورعاية ما بعد الولادة وكذلك الإدارة السريرية لحالات الاغتصاب.
في العيادة المتنقلة في بالوخالي، قامت قابلة تتحلى بعزيمة قوية، اسمها شريفة، ببناء طاولة للولادة من الخيزران بيديها.
أما في مخيم كوتوبالونغ للاجئين، تعيش سيباكون وهي في الأسبوع الـ25 من حملها الأول. كانت قد وصلت قبل يومين فقط، بعد أن سارت لسبعة أيام هربا من العنف في بلدها. استيقظت وهي تحس بأن ثمة شيء خطأ، فالجنين لم يكن يقوم بحركاته المعتادة.
في المرفق الصحي بالمخيم، طمأنتها قابلة بأن الطفل بخير، وأنها تحتاج للراحة للتعافى من الإجهاد.
قالت سابيكون: "شعرت بخوف شديد وعدم يقين هذا الصباح، لكني الآن أشعر بالسكينة. أشعر بالاطمئنان."
تخفيف العبء – معا
أشارت رافيا، المتخصصة الاجتماعية في صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن النساء يمثلن المدخل للوصول إلى المجتمع ككل برسائل عن الخدمات والأمان وحقوق الإنسان. وأوضحت: "سيرجعن إلى أسرهن وصديقاتهن وينشرن هذه المعلومات. فإذا زودنا النساء بالمعلومات فسينشرنها في محيط أبعد."
وتعمل النساء أيضا على كسر دائرة الوصم المتأصلة حول النجاة من العنف الجنسي.
فرت إحدى المتطوعات الروهينغا إلى بنجلاديش قبل عقد من الزمن، أثناء اندلاع العنف في فترة سابقة. قالت: "أُخذت أختي إلى مدرسة محلية وتعرضت للاغتصاب والتعذيب على مدار خمسة أيام. لم تكن هناك أية خدمات كهذه متاحة لأختي عندما وصلنا هنا...عادة في مجتمع ما إذا تعرضت للاغتصاب، ينالك الوصم والنبذ."
أما اليوم، فهي وغيرها من عضوات المجتمع يطالبن بالتغيير. قالت: "لا ينبغي لمجتمعنا أن يصدر الأحكام على هذا الأمر بعد الآن. فمجتمعنا يتشاطر هذه التجربة. إنها تعذيب جماعي، لكننا في هذا معا ونستطيع أن ندعم بعضنا البعض...لا بد أن نتشارك معا وأن نحمل عبء الصدمة كلها."