أنت هنا

ماذا نعني عندما نقول أن هناك ناجية واحدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي؟ ما الذي نعنيه حينما نقول أن هناك عشر ناجيات، أو مائة أو مليون؟ كيف نعيد الإنسانية لهذا الرقم كي يكشف لنا عن الحيوات الكاملة التي يخفيها وراءه ؟


بدأ حوار حول العنف القائم على النوع الاجتماعي في الطريق
Photo ©UNFPA_Palestine

قرر أندرز تومسن، رئيس مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بفلسطين، أن يقود دراجته الهوائية بطول المسافة التي يتطلبها وقوف كل الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي جنبًا إلى جنب متشابكات الأيدي. وقد استغرقته الرحلة أربعة أيام وامتدت لـ294 كيلو مترًا ليقود مترًا واحدًا عن كل ناجية من الـ294 ألف ناجية في فلسطين بحسب تعداد الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء.

يقول تومسن: "إن لهن أسماء، هن أشخاص. بدأت الإحصائية في اتخاذ بُعد جديد في اليوم الثالث والرابع من الرحلة. كنت قد تعبت كثيرًا وفكرت أن المسافة بعيدة للغاية حتى أنني شككت في صحة الإحصائية. قلت لنفسي: لابد أن هناك خطأ ما في هذا الرقم، لأنه لو وقفت كل الناجيات جنبًا إلى جنب، سيشكلن سلسة بشرية طويلة بشكل لا يصدق."

وكان تومسن قد خطط الرحلة مع صديقه، مارسين بيوس، ليقدم تمثيلاً ملموسًا لحجم العنف الواقع على النساء في فلسطين بشكل لا يمكن إغفاله كأزمة وطنية بالغة الأثر والانتشار.

في الطريق، قابل تومسن شابة أخبرته أنها تتمنى لو تستطيع ركوب دراجة هوائية بدورها.

يتذكر تومسن اللقاء قائلاً: "سألتني لو كان لدراجتي اسم وأخبرتها أنني سأطلق اسمها على دراجتي. ولذلك فإن اسم دراجتي الآن هو منار. فعلت ذلك لأتذكر دومًا أن تلك الأحلام الصغيرة، لكن عظيمة القيمة، هي الدافع وراء جهودنا لتمكين النساء والفتيات من التعبير الجسدي عن أنفسهن عن طريق ممارسة الرياضة سواء لعب كرة القدم، أو الجري، أو ركوب الدراجات أو غيرها من الأنشطة. هذا كله جزء من أسلوب الحياة الصحي الذي نحاول أن نجعله ممكنًا عن طريق برامجنا الموجهة للشباب."

كما ذكرته منار بآية، فتاة من غزة في الخامسة عشر من عمرها، كانت قد قالت في لقاء مع صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخرًا أن ركوب الدراجات الهوائية هو أحد الأحلام البسيطة التي تعد مستحيلة بالنسبة للكثير من فتيات غزة. وفي نفس اللقاء قالت ابتهال، وهي شابة في الرابعة والعشرين من غزة، أن أكبر أحلامها هو أن تزور الضفة الغربية في يوم من الأيام.

علق تومسن على ما قالته ابتهال قائلاً: "شعرت بالأسى حين شاهدت تلك المقابلة. حتى في الضفة الغربية، تجد طرق المستوطنات والأسوار والخوف مما يدفع بالناس للانعزال في قراهم ويرفضون الخروج من مجتمعاتهم الصغيرة بسبب الخوف."

كما يرى تومسن أنه لا يمكن فصل ظروف الأزمة الإنسانية الممتدة بفلسطين والاحتلال العسكري وسيطرة الخوف عن محاولة فهم العنف القائم على النوع الاجتماعي في السياق الفلسطيني: "تلك العوامل الخارجية تتسبب في العديد من المشكلات مثل غياب تقدير الذات ونسبة البطالة العالية بالإضافة لتجربة الإذلال على نقاط التفتيش في بعض الأحيان. من المرجح أن تكون تلك العوامل مؤثرة على زيادة معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي قد يرتبط بالتنفيس عن كل تلك الضغوط."



رحلة أندرز تومسن على طول مسار إبراهيم بالضفة الغربية
مخططة بالأحمر ©UNFPA_Palestine

وقوبلت مبادرة تومسن بالكثير من الاحتفاء، خاصةَ من الشركاء والمسؤولين الفلسطينيين. فتلقى تومسن في اليوم التالي لنهاية رحلته دعوة لجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية حيث منحة ثلاثة وزراء فلسطينيين جائزة تكريمية تقديرًا لمساهمته، كما كتبت عدة منصات إعلامية عن المبادرة. وبدأ تومسن في التخطيط بالفعل مع عدة شركاء ومجموعات شبابية لتحويل التجربة لمبادرة وطنية لينظم كل مجتمع وقرية رحلة بالدراجة لمتر واحد عن كل ناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

يعتقد تومسن أن أحد الأسباب التي أدت للاحتفاء برحلته التي امتدت على طول مسار إبراهيم، وهو مسار للمشي وركوب الدراجات يمتد بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، هو أن الرحلة كانت أيضًا بمثابة تقدير لفلسطين وللشعب الفلسطيني: "كانت رؤية الطبيعة المتنوعة لفلسطين تجربة رائعة خاصة في الأجزاء

البعيدة منها والتي لا يملك الكثيرون الفرصة لزيارتها. أتمنى أن تتاح الفرصة للجميع في الداخل الفلسطيني وفي الخارج أن يقوموا بالرحلة نفسها، وأتمنى أن يستطيع الجميع رؤية الجانب الجميل من فلسطين."