أنت هنا

 

"أنا أرقص منذ الطفولة المبكرة، وسأواصل  الرقص حتى النهاية"، هكذا كتبت ريما البالغة من العمر 13 سنة تدمر في سوريا: "ذات يوم، أتمنى أن أرقص في جميع أنحاء العالم وأقابل راقصات وراقصين مشهورين يمكنهم تعليمي حركاتهم."

ريما واحدة من نحو 40 فتاة مراهقة قمن بالكتابة وتقديم رؤى وشهادات وأبدعن  أعمالاً فنية، تم جمعها في مطبوعة "بكلماتها"، وهي مبادرة أطلقها المركز الإنساني الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان لسوريا والدول العربية، لصالح الفتيات المراهقات المقيمات في مناطق  تشهد أزمات إنسانية في  المنطقة العربية. حيث تم الوصول لفتيات مقيمات في لبنان والأردن والعراق وفلسطين وسوريا، وطلب منهن التعبير بشتى الوسائل عما يدور في أذهانهن  وكانت النتيجة باقة شاملة وملهمة  من السرديات القوية المؤثرة.


رسم : جيل جوسشالك

في 2021، كانت عدة دول بالمنطقة العربية تحاول التأقلم مع الآثار الممتدة للأزمات الإنسانية القائمة منذ فترة طويلة والأزمات الجديدة. فأزمة سوريا و اليمن تعدتا عامها العاشر، في حين أن هناك أزمات استجدتمؤخراً في السودان ولبنان وأسفرت عن اضطرابات إضافية في الشبكات المجتمعية، وعرضت حياة وكرامة الملايين للخطر. وفي الوقت نفسه، فإن أثار كوفيد-19 فاقمت من التحديات التي تواجه المجتمعات في هذين البلدين، وعرقلت الحصول على الخدمات المنقذة للحياة وفاقمت من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.

من خلال مطبوعة"بكلماتها" نقدم نظرة فريدة من نوعها ومباشرة عن حياة الفتيات المراهقات المقيمات في هذه الظروف، والكثير منهن قضين سنوات تكوين  شخصياتهن في خضم الأزمة والنزوح والعنف. لكن قصصهن وأعمالهن الفنية تظهر أن الفتيات المراهقات لديهن قدرة غير محدودة على التصميم والتعافي والتحول، وفي حالات عديدة يخترن أن يعشن واقعهن في ظل قدرة صمود مدهشة ونظرة إيجابية لمستقبل أفضل.

أحلامها 

الفصل الأول من "بكلماتها" جاء بعنوان "أحلامها"، وهو يقدم بشكل مباشر الروح المدهشة والوعي الكبير والخيال الثري للفتيات المراهقات رغم تعرضهن لتحديات الأزمات الضخمة.

"أريد أن أصبح صحفيّةً لأنه لا بدّ  أن تُسمَع قصصي والكثير من القصص الأخرى." هكذا قالت نالين البالغة من العمر 16 عاما وهي سورية لاجئة في مخيم قوشتبة في إقليم كردستان العراق: "أريد توثيق كل شيء: العنف ضد النساء والأطفال وشجاعة الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل مستقبل الشعب السوري."


رسم : جيل جوسشالك

الصداقة والفهم المتبادل هما سمتان كبيرتان في سردياتهن وكثيراً ما تكون مرتبطة بإحساس بالتقدير والولاء القوي. والأهم أن الفتيات المراهقات في الأزمات يظهرن بشكل دائم الوعي بالتحديات التي تعترضهن مع اختيار الكثيرات أن يصبحن جزءاً من الحل.

"عندما ترين الكثير من المعاناة من حولك، فهذا لا يُغيّركِ فقط، بل إذا حالفك الحظّ، يمكنك أيضًا أن تلعبي دورًا في الاستجابة لهذه المعاناة" هكذا أوضحت مايا من عمان بالأردن: "ولهذا السبب قررت أن أتطوع لمساعدة الفتيات الأخريات اللائي عايشن تجارب أسوأ من التي اختبرتها أنا."

هذا الشغف المتقد’ والعمل على التحول الجذري رددت صداه أيضاً عهد، وهي مغنية راب وشاعرة موهوبة، وقد دأبت على استخدام فنها في النضال من أجل حقوق النساء والفتيات: "إنني أشجع كل فتاة على الدفاع عن حقها في التعبير عن نفسها بالشكل الذي تختاره. أصواتنا ورسائلنا عن المساواة بين الجنسين يجب أن تصل إلى الناس حتى يفهموا ما نتعرض له ونمر به".

واقعها

"عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري، علمتُ أن الأحلام تسمى أحلامًا لأنها بعيدةٌ جداً عن الواقع،" هكذا قالت شام من إدلب، سوريا، وتبلغ من العمر 17 عاماً. قصتها التي نجدها في الفصل الثاني بعنوان "واقعها" تتعامل مع باقة عريضة من القضايا الصعبة التي تنتشر من خلال قصص قريناتها، وتظهر الواقع المزدوج للفتيات المراهقات في المنطقة.

"أن أكون فتاة في مجتمعي يعني أن أشعر وكأنني لاجئة مدى الحياة: فحياتي مُقيّدة، ومجبرة على الشعور بالخجل من ذاتي وتهديد دائم،" هكذا كتبت هلا البالغة من العمر 18 عاماً، من سوريا، وقد أشارت إلى أنه بينما جعلت الأزمات الإنسانية الأمور أسوأ على الفتيات مثلها، فإن "القيود التي تحكم حياتهن اليوم كانت موجودة دائماً، بغض النظر عما يحدث من حولهن."


رسم : جيل جوسشالك

الفتيات المراهقات في الأزمات الإنسانية كثيراً ما يعلقن في شبكة من العنف، تظهر في سنوات المراهقة المبكرة وتلاحقهن لما تبقى من حياتهن. التحرش والعنف الأسري والزواج القسري أو المبكر والعنف الجنسي والحرمان من التعليم والموارد هي بعض أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي التي تواجهها الكثيرات، وتزداد المخاطر في ظروف الأزمة.

كما قالت هلا، فإن أشكال العنف موجودة لكنها تسوء عندما يحدث اضطراب في شبكات الحماية أثناء الأزمات الإنسانية. هلا نفسها أُخرجت من المدرسة في سن 14 عاماً وأجبرت على الزواج من رجل عمره ضعف عمرها، وهجرها بدوره بعد أقل من عام بعد أن قال إنها لا تنجب. تزوجت من بعده، وهذه المرة من رجل أكبر سناً، وأنجبت  صبياً.

كتبت عن طفلها قائلة: "أحبه من كل قلبي، هو عالمي، وهي مثلي  لا حيلة له ، لكنه أيضاً جزء من السلسلة الخفية التي تقيدني."

بالنسبة إلى سيرينا البالغة من العمر 17 عاماً من بيروت بلبنان، فإن فرص المستقبل الأفضل أصبحت أقل احتمالاً بعد انفجار مرفأ بيروت فيآب/أغسطس 2020. قالت: " عندما تكون دائمًا في بيئة تعمل ضدك، وتحدُّ كلَّ جانبٍ من جوانب حياتك، يصبح من المستحيل تمامًا مواصلة العمل نحو أي هدف. إلا أننا ما زلنا نفكّر بالمستقبل، وذلك لأن شباب لبنان تعلموا بالطريقة الصعبة أنه لا أمل لنا إلا في أنفسنا. فكل فتاة في مثل سني تريد أن تكون جزءًا من الحل وكل ما تحتاجُ إليه هو مكانٌ لتبدأ منه."

انتصاراتها 

رغم التحديات الكثيرة المحيطة بهن، تستمر الفتيات المراهقات في تجاوز واقعهن لخلق واقع يخصهن، ويظهرن من خلال ذلك المعنى الحقيقي للقدرة على الصمود. الكثير من الناجيات اللاتي تم ضمت قصصهن هذه المطبوعة أصبحن فنانات وطالبات استثنائيات وناشطات وصانعات للتغيير في مجتمعاتهن، في شهادة واضحة على عمق قدرتهن على التعافي والتحول الإيجابي.

"الفتاة التي تعاني عجزاً سمعياًعليها أن تضاعف جهودها لكي يلاحظها الناس،" هكذا قالت أمل البالغة من العمر 19 عاماً من دمشق، وهي مثل فتيات كثيرات يعشن بالإعاقة، اضطرت لمواجهة التمييز طيلة حياتها. لكن، تقول أمل أن إعاقتها أصبحت مصدراً للقوة وتلهمها الاعتماد على النفس والاستقلالية.

"اتخذت قرارًا بأن أصبح أفضل مصففة شعر في المدينة." هكذا كتبت أمل، مضيفة: "أعتزم الاستمرار والتحرر من القيود التي فُرضت عليّ حتى من قبل ولادتي. الآن، بدعم من النساء والفتيات الأخريات من حولي، لدي أمل."

الفتيات مثل أمل مستمرات في تحدي المستحيل في سعيهن للعثور على مكان لهن في خضم الأزمة. في قصصهن وفنهن ومقابلاتهن، يستمر إظهارهن القدرة على تجاوز المعايير والممارسات الضارة التي تعيق تطورهن، بل وتحويلها وتغييرها، ويخترن أن يجدن القوة في خضم الأزمة.

كتبت جنة، وهى لاجئة تعيش في منطقة كردستان في العراق، ونجت من التحرش الجنسي ومحاولة الاعتداء: "هناك فتيات أكثر وأكثر يدركن أن التعرض لمثل هذه المعاملة من أي أحد أمر غير مقبول ببساطة. كل فتاة لها الحق في العيش بكرامة وفي ظل عدم التعرض للأذى."

كما تخبرنا الفتيات أن آثار البرامج الإنسانية المصممة خصيصاً لهن مهمة كل الأهمية، لا سيما ما يتعلق بإتاحة المساحات الآمنة المخصصة لهن، حيث يمكنهن التعافي والاختلاط ببعضهن والحصول على الخدمات والتوجيه.

قالت ميراف البالغة من العمر 19 عاماً والتي انضمت إلى جنة في عدد من الأنشطة التي استضافها المركز الآمن المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان في مخيم قوشتبة للاجئين: "بعد أن تعرفت على السيدة ليلى، أصبحت أجد بعض الأمل في الحياة مرة أخرى. فقد كان مجرد وجودها في حياتي مساعدة كبيرة لي؛ فقد أظهرت ليلى بالنسبة لي كل ما يمكنني أن أكون عليه، واستمعتْ إلى مخاوفي وآمالي دون أن تجعلني أشعر بالذنب أو الخجل."

في الوقت نفسه، فإن الفتيات المراهقات المحظوظات بالعثور على الدعم الذي يحتجنه كثيراً ما يتمكنّ من نحت مساراتهن الخاصة نحو مستقبل أفضل. بالنسبة إلى كفى من حلب، التي كانت دائماً تريد أن تبدأ شركة ملابس خاصة بها لكن أصبحت أماً في سن الخامسة عشرة فالأمر كذلك. بعد الحصول على تدريب وخدمات مشورة في مركز آمن بمجتمعها، سرعان ما وضعت خطة لمستقبلها ومضت نحو العمل. اليوم، هي تدير أحد أنجح المتاجر في حلب، الذي يقدم أيضاً التدريب وفرص كسب الدخل للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة. كما قالت: "هذه ليست إلا البداية."

رسالة من مريم 

في ختام فصول "بكلماتها" رسالة من مريم، وهي السفيرة الافتراضية لصندوق الأمم المتحدة للسكان عن الفتيات المراهقات في المنطقة العربية. وضعت مريم رسالتها الأولى في 2020، إذ طالبت بمستقبل أفضل للفتيات مثلها من الراغبات في تحقيق إمكاناتهن كعميلات للتغيير في مجتمعاتهن. وقد رددت صدى صوت الكثير من الفتيات التي قابلهن صندوق الأمم المتحدة للسكان، إذ أكدت مريم على ما يعرفه المجتمع الإنساني بالفعل عن الفتيات المراهقات: أنهن يرغبن فيه وقادرات على تحقيق الكثير وأن يحققن ذاتهن، حتى في أسوأ الظروف.


رسم : جيل جوسشالك

"إذا كانت قصص فتيات مثلي تخبرنا بأي شيء، فهو أننا جميعًا نناضل من أجل نفس الحق: أن يُنظر إلينا على قدم المساواة، وأن نحصل على فرص لاختيار الحياة التي نريد أن نعيشها، واختيار من نريد الزواج منه ومتى." وأضافت: " كل ما نطلبه هو أن يستمع إلينا أولئك الذين لديهم القوة- بما في ذلك العاملون في المجال الإنساني – وأن يعاملونا كشركاء متساوين، وأن يقدموا لنا برامج مبنية على احتياجاتنا نحن."

وتختتم مريم برسالة من لانا، الناجية من العنف الجنسي البالغة من العمر 18 عاماً من حلب، سوريا: "الفتيات المراهقات لسن عاجزات كما يعتقد الناس. مع أننا صغيرات لكننا قويّات، ويمكننا المساعدة في الوصول إلى عالم أفضل إذا أتيحت لنا الفرصة."