أنت هنا

 

بينما تتجه بعض أجزاء سوريا نحو الاستقرار، تجاوزت الأزمة السورية بالفعل نقطة اللا-عودة فيما يتعلق بالتغيير الذي امتد عبر الأجيال والأثر  السلبي المرجح أن يستمر على مدار أعوام طويلة قادمة. يظهر ذلك الأثر السلبي بشكل أكثر وضوحًا على حياة الفتيات السوريات اليافعات ممن عشن أكثر أعوام طفولتهن ومراهقتهن المبكرة في ظل الحرب والتهجير.


المضاعفات الطبية للحمل والولادة المبكرين هي السبب الرئيس في وفاة الفتيات اليافعات
 في لافئة العمرية من 15 لـ19 عام على مستوى العالم © UNFPA-Syria

تزداد عرضة النساء والفتيات للعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل كبير أثناء الأزمات الإنسانية وهو ما لايختلف كثيرًا في سوريا والمنطقة العربية. في مجتمع أبوي تغلب عليه أعراف تعزز من غياب المساواة بين الجنسين، تصبح النساء والفتيات أكثر هشاشة خاصةً عندما تتسبب الكوارث الإنسانية في تضرر أو انهيار الشبكات المجتمعية وشبكات الأمان وسيادة القانون. بالنسبة للفتيات اليافعات، تجلت تلك الهشاشة في شبكة مترابطة من العنف والممارسات الضارة التي أضحت جزءً من حياتهم اليومية مثل فقد الخصوصية والحد من حرية الحركة والزواج المبكر والقسري بالإضافة للعنف الجسدي والجنسي. وقد شكلت تلك الخبرات التي مرت بها اليافعات السوريات وعيهن في أعوام مبكرة من عمرهن مما يرجح أن يؤثر على مسار حياتهن في المستقبل.

تصف مريم ذات الستة عشر عامًا من حلب الخوف الذي أصبح ركنًا هامًا في حياة الكثير من اليافعات السوريات قائلة: "بالنسبة للفتيات في مثل عمري، تحولت الحياة إلى سجن كبير مفتوح. فجأة، أصبحنا ممنوعين من الخروج من منارلنا خوفًا علينا من التحرش أو الاختطاف أو الاغتصاب. هناك الكثير ممن يقولون أن الزواج هو طريقي الوحيد للسلامة ولكنني لا أريد الزواج. أنا ببساطة لست مستعدة لذلك بعد."

في ظل غياب الاستقرار الذي خلفته الأزمة السورية، كثيرًا ما تساهم عوامل الخوف من العنف الجنسي والفقر في زيادة معدل زواج الأطفال. فتشير البيانات المتوفرة أن نسبة النساء السوريات في الفئة العمرية من 20 لـ24 عامًا ممن تزوجن قبل سن الـ18 ازدادت كثيرًا بعد بداية الأزمة حتى وصلت للثلث.

تقول جيان، وهي ناجية من زواج الأطفال من الحسكة بسوريا: "أَراهُن طول الوقت في المخيم: فتيات صغيرات تم تزويجهن لرجال أكبر منهن في العمر بينما لم يتجاوزن الثالثة عشر أو الرابعة عشر، كما أذكر فتاة تزوجت في عمر الثانية عشر. هن أقل عمرًا من أن يتفهمن هذا الشئ الذي يتم اجبارهن عليه وينتهي الحال بالكثيرات منهن مطلقات عدة مرات قبل حتى أن يصلن لمرحلة الشباب. تلك جريمة ببساطة لأن الزواج يدمرهن."

الكثير من تلك الزواجات لا يمكن توثيقها بشكل رسمي مما يزيد من تعقيد المشكلة بالنسبة للفتيات اليافعات ويحرمهن وأطفالهن من الحماية. تحكي دانيا، وهي من حلب وتم تزويجها في عمر مبكر بعد بدأ الأزمة  عام 2011: "أجبرني أبي و إخواني على الزواج عندما كنت في الرابعة عشر من عمري من رجل يكبرني بعشرة أعوام. كان الزواج مسمومًا وعنيفًا وانتهى بعد عامين فحسب وكنت قد وضعت مولودًا بالفعل عند الطلاق. قام شيخ بعقد الزواج ولكن لم يتم توثيق الزواج حيث لم يكن معي أي من أوراقي الرسمية. عندما نجحت أخيرًا في التخلص من هذا الزواج، لم يكن هناك دليل قانوني على زواجي، فأخذت عائلة زوجي طفلي ولم أستطع رؤيته سوى مرتين في الأربعة أعوام الأخيرة."

يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير خدمات الدعم والحماية للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمة السورية من خلال 133 مساحة آمنة للنساء والفتيات يتم من خلالها تقديم خدمات الحماية والدعم النفسي والاجتماعي ورفع الوعي وإدارة الحالات والدعم القانوني.

تقول راما، وهي ناجية من العنف القائم على النوع الاجتماعي من القامشلي بسوريا عن تجربتها في تلقي الدعم النفسي والاجتماعي من مساحة آمنة للنساء والفتيات يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان: "تحولت المساحة الآمنة بالنسبة لي لشريان للحياة. أحيانًا أشعر أن حياتي تحولت لواحد من تلك الكوابيس الغريبة التي تحاول فيها النداء لتجد صوتك حبيسًا لا يستطيع الخروج. عندما أتيت للمركز هنا، شعرت أنني استعدت صوتي أخيرًا."

للمزيد عن حياة الفتيات اليافعات السوريات، يمكن الاطلاع على: "عندما تغني الطيور الحبيسة: حكايات الفتيات اليافعات السوريات." كما يمكنكم متابعة #لازلت_امرأة على حسابات صندوق الأمم المتحدة للسكان على مواقع التواصل الاجتماعي للمزيد عن احتياجات النساء والفتيات في الأزمات الإنسانية في المنطقة العربية.