أنت هنا

بقلم لؤي شبانة*

يحتفل العالم في يوم 11 تموز/يوليو من كل عام باليوم العالمي للسكان للتاكيد على ارتباط التنمية بالسياسات السكانية وللتاكيد على ان السكان هدف التنمية وأساسها، وأن تمتع الأفراد والأسر بحقوقهم الأساسية مؤشر النجاح للسياسات الاجتماعية والاقتصادية.  لقد أفضت العقود القليلة الماضية من العمل التنموي في المنطقة العربية إلى تقدم اقتصادي معقول لكنه لم يتحول إلى مكتسبات اجتماعية على شكل حقوق يتمتع بها الافراد والأسر، لذلك ظهرت فجوات اللا مساواة الاجتماعية حسب النوع الاجتماعي وبين الاجيال وبين الحضر والريف في توزيع الثروة وفرص التعليم والخدمات الصحية والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مما خلق تشوها كبيرا في العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة.
وبمناسبة هذا اليوم العالمي، فقد أعدنا قراءة بعض الإحصائيات الحديثة الخاصة بالمنطقة العربية، لا سيما تلك المرتبطة بوضع الفتيات عموما، إذ ما زالت نسبة مهمة منهن مهمشات في مجتمعاتهن بشكل يؤثر مباشرة على تمتعهن بحقوقهن الأساسية كالتعليم والخدمات الطبية والمشاركة في الحياة العامة، وحتى أن نسبة تسرب الأطفال من المدرسة أعلى في فئة البنات منها عند الأولاد في معظم البلاد العربية.
في المقابل، فكثيرا ما يردد الأهل والأصدقاء تمنياتهم للفتيات بأن تصبح عرائس، وبذلك تكون مهمة الأبوين قد توجت بالنجاح بحسب هذه الأمنية، التي نسمعها غالبا في أعياد الميلاد أو في مناسبات كنجاح الفتاة في المدرسة.
وفي بلدان كثيرة، تُعتبر أي فتاة تصل إلى سن البلوغ مهيأة للزواج والحمل والولادة من وجهة نظر أسرتها ومجتمعها. وقد ترغم على الزواج وعلى أن تترك دراستها لأنه، وبعرف المجتمع الذي تعيش فيه، فالأولية هي لإنشاء الأسرة. إلا أن غالبا ما يتم إغلاق الباب على فرص لتقدم هذه الفتاة حين تغلق الأسرة الباب عليها مع عريسها، فقد تحرم هذه الفتاة من التعليم، وبالتالي تحرم من فرصة تحقيق إمكاناتها وتحقيق ذاتها. وقد تعاني من ضعف الصحة بسبب الحمل المبكر والمتكرر، فقد أثبتت الدراسات الطبية والصحية خطورة أن تحمل البنات في عمر يافع قبل أن يكون قد إكتمل نموهم، فذلك يجعلهن عرضة لكثير من التعقيدات أثناء الحمل والولادة بما في ذلك الوفاة من إثر تعقيدات الولادة.
في حالة حياة *، والتي تزوجت من قريبها وهي في سن السادسة عشرة، فقد اختفت بسرعة زغاريد نساء العائلة بعد حفل الزواج وظهر لها كم المسؤوليات المرتبطة بوضعها الجديد كسيدة متزوجة. "أخرجوني من المدرسة وقصوا لي ضفائري ثم ألبسوني فستانا أبيض ووجدت نفسي أقف أمام محمود لا أعرف ماذا أفعل" تقول وهي تضم ابنتها. "محمود رجل طيب وهو يعاملني برفق واحترام، أنجبنا أربعة أطفال أشكر ربي أنهم بصحة جيدة لكنني كدت أموت أثناء الولادة الأخيرة". تذكر حياة معاناتها في إنجاب طفليها الصغيرين التوأم وتقول أنها وزوجها قررا عدم إنجاب المزيد من الأطفال. حياة عمرها اليوم عشرون عاما وقد تركت المدرسة في المرحلة الثانوية قبل أن تحصل على الشهادة المدرسية.
لا تحظ الكثيرات بحظ حياة، فقد أوردت دراسات صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2015 أن 3 ملايين فتاة قد تزوجت قبل بلوغ سن 18 سنة في المنطقة العربية، وأن أعلى نسب لزواج الفتيات ممن هن دون سن ال18 كان في اليمن وفي سوريا. وبحسب معايير الأمم المتحدة وإتفاقة حقوق الطفل التي صادقت عليها غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشكل كامل أو جزئي فإن الطفل والطفلة هما من دون سن ال18 وهما يتمتعان بحماية قانونية خاصة بموجب الإتفاقية ومن ضمنها عدم تعريضهما لأي نوع من العنف أو سوء المعاملة. وتعتبر الأمم المتحدة الزواج المبكر (لمن هم دون سن 18) ممارسة ضارة قد يكون لها آثار سلبية على صحة الأطفال النفسية والبدنية، لا سيما وأن مضاعفات الحمل الولادة تشكل ثاني سبب رئيسي للوفاة بين من عمرهن 15-19 سنة من الفتيات .
لذا فحين تحرم الفتاة من التعليم، وتعاني من ضعف الصحة، ولا تملك من قريب أو بعيد أي وسيلة للتحكم في مسار مستقبلها وقد لا تتاح لها أي فرصة لتحقيق إمكاناتها، تتضاعف التحديات والعقبات التي تواجهها.
بيد أنه إذا كان باستطاعة المراهقة أن تتخذ بنفسها القرارات المتعلقة بحياتها بفضل الوسائل والمعلومات التي تتيح لها ذلك، سواء في المدرسة أن من خلال العمل في وقت لاحق أو من خلال خدمات الصحة الإنجابية في المستشفى أو في المراكز الطبية، فإنها على الأرجح ستكون قادرة على إتخاذ قرارات تتيح لها تحقيق إمكاناتها لتصبح عنصرا أكثر إيجابية في بيتها ومجتمعها ووطنها.
لكل مراهق ومراهقة الحق في التمتع بانتقال مأمون وناجح إلى مرحلة البلوغ والحق في التمتع بالفرص التي يتيحها لهن مستقبلهن. وصندوق الأمم المتحدة للسكان ملتزم بتعزيز وحماية هذه الحقوق وبمؤازرة المراهقات في تقرير مصيرهن.
ولمقرري السياسات دور هام يقومون به في ضمان تعميم حقوق الإنسان وتمتع الجميع بها، بمن فيهم المراهقات، اللاتي تواجهن في مختلف أنحاء العالم عقبات تعترض سبيل حقوقهن في التعليم والصحة والتحرر من العنف. والمجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والجماعات التي يقودها الشباب، والنشطاء، والمؤسسات التي تعنى بالأديان، والفتيات أنفسهن لهم جميعاً دور حيوي عليهم القيام به في تشكيل السياسات التي تؤثر في حياتهن وضمان ترجمة هذه السياسات إلى تحول حقيقي وإيجابي.
ان أفضل استثمار يمكن للدول العربية وقواه الحية بما في ذلك المجتمع المدني والقطاع الخاص القيام به هو الاستثمار في رأس المال البشري للشباب والفتيات لانه الفرصة المستقبلية التي تتيح للمجتمع استغلال كافة قواه بشكل كفوء وتتيح للشباب حمل راية التغيير الاقتصادي والاجتماعي، فالوصول للفرص والخدمات والمعلومات والمهارات بشكل عادل ومتساوي في مجال التعليم والصحة والمشاركة كفيل بتقدم شامل ومتوازن للتنمية، فحينما تستثمر البلدان في صحة شبابها وتعليمهم، وبخاصة المراهقات منهم، وتهيئ لهم الفرص لتحقيق كامل إمكاناتهم، فإنهم أيضاً يصبحون جزء من تقدم بلدهم ونموها الاقتصادي.  قوة التغيير الإيجابية في المجتمع هي شباب متعلم ومدرب ومعافى.

*الدكتور لؤي شبانة هو مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية
**تم تغيير الإسم إحتراما للخصوصة