أنت هنا

للصحافة دور أساسي في تعظيم أصوات النساء والفتيات والتصدي للكثير من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. ويصبح هذا الدور أكثر حسمًا أثناء الأزمات الإنسانية. ومنذ 2014، صمم صندوق الأمم المتحدة للسكان مبادرات لبناء قدرات الصحافيين للتصدي لأوجه النقص المحتملة في معايير التغطية التي تنفذها المنافذ الإعلامية التقليدية والحديثة التي تغطي الأزمة السورية. وبحلول 2018، كانت هذه الجهود قد وصلت إلى أكثر من 250 صحافيًا..


من جلسة استشارية عقدها صندوق الأمم المتحدة للسكان مع مجموعة من الصحافيين
الضالعين في تغطية الأزمة السورية بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي

وفي سبتمبر/أيلول 2018، اشترك المركز الإقليمي للاستجابة لسوريا في صندوق الأمم المتحدة للسكان مع مركز القيادة العالمية للمرأة – وهو جزء من جامعة روتجرز في الولايات المتحدة، والذي بدأ حملة 16 يوما من الأنشطة ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي – لاستضافة اجتماع تشاوري مع الصحافيين في المنطقة الذين يقومون بتغطية العنف القائم على النوع. كان هدف المشاورات هو الحصول على رؤى ثاقبة وملاحظات من الصحافيين يتم توظيفها في تطوير أداة سهلة الاستخدام لوضع المعايير القياسية من شأنها أن تساهم في التطوير المهني للصحافيين (في وسائل الإعلام المطبوعة والتليفزيونية والإلكترونية) الذين يقومون بتغطية قضايا العنف القائم على النوع.

جلسنا بعد المشاورات مع كرشناتي دارماراج، المدير التنفيذي لمركز القيادة العالمية للنساء لبحث الموضوعات الأساسية التي جرت تغطيتها أثناء المشاورات. ودارمارج هي ناشطة نسوية وحقوقية تملك خبرة 25 عاما من العمل لتعزيز حقوق النساء والفتيات. وهي مؤسسة "مؤشر الكرامة"، وهو أداة لقياس حقوق الإنسان يتم توظيفها لضمان المساواة والشمول لتقليل التمييز على أساس الهوية. وسابقًا شغلت منصب المتحدثة الإقليمية لمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، وهي أيضا المؤسسة المشاركة لـ "وايلد لحقوق الإنسان" (معهد المرأة للقيادة والتنمية) وصندوق الأطفال في سريلانكا.

في رأيك، ما الهدف الأشمل لمركز القيادة العالمية للمرأة؟

استنادًا إلى القيم النسوية، يعمل مركز القيادة العالمية للمرأة على تعزيز ووصل الأصوات من أجل حقوق الإنسان، تجاه العدالة الاجتماعية وتقرير المصير. ومن خلال العمل عند تقاطع النوع الاجتماعي (الجندر) وحقوق الإنسان والسياسة الاقتصادية، يوظف مركز القيادة العالمية للمرأة مدخلاً لتعزيز التأثير الجماعي لأنشطته المعنية ببناء القدرات والمناصرة وأنشطة قيادة الفكر لتحويل المجتمع الأهلي.

ولهذه الغاية يجمع مركز القيادة العالمية للمرأة أولئك الأقرب للنضال لاستعراض وتبادل الأفكار والحلول؛ ويقوم بجهود المناصرة مع، ومن أجل، أولئك الذين عادة ما يتم استبعادهم من عمليات صناعة القرار؛ ويجري البحوث برؤية تنظر للمردود العملي، وبتوجيه من الشركاء والقواعد الشعبية حول العالم الذين لديهم التزام بإعمال الحقوق لأنفسهم وللآخرين.

لدينا ثلاثة أهداف رئيسة: تحقيق المساواة الجوهرية بإنهاء التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة في مجال العمل؛ وبتعزيز إصلاح هيكلي من خلال إعادة تعريف وقياس السلام والأمن بهدف ضمان تحقيق السلام بعد انتفاء الحرب؛ وتعظيم الفكر والمعايير والقيادة النسويين لإحداث تغيير تحويلي في المجتمع والمؤسسات.

وفي الأثناء، نقوم على المستوى العالمي بتنسيق مبادرتين – حملة الـ16 يومًا لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي، القائمة في 180 بلدا بين +6000 جماعة ومنظمة، والتحالف النسوي من أجل الحقوق FAR، الذي يصل حاليا لأكثر من 300 منظمة إقليمية ووطنية تهدف لتأسيس بنية نسوية على الأرض لتحويل السياسة العالمية إزاء النساء مع قيادة الجنوب العالمي.

على مدار حياتك المهنية، هل شهدت حدوث نقلة أساسية في الوعي العام عندما يتعلق الأمر بالعنف القائم على النوع؟ ما هي الفجوات الباقية وكيف تقترحين على المجتمع الإنساني التصدي لها؟

بإمكاني أن أتحدث عن هذا من خلال حملة الـ16 يومًا التي نقودها – إذ تم الاعتراف دوليا بالعنف القائم على النوع الاجتماعي كانتهاك لحقوق الإنسان قبل 25 عامًا فقط. ومن ذلك الحين، زاد الوعي في أوساط الغالبية، ومن بينهم الجمهور. ولقد شهدنا انخراط الكثير من الحكومات والمبادرات الدولية في جهود رفع الوعي.  

وفيما يتعلق بالفجوات، فإن أنظمة المحاسبة على العنف القائم على النوع ضد النساء لا تزال تفتقر للإرادة السياسة؛ فهذه الأنظمة ضعيفة وشبه منعدمة الوجود. وفي نفس الوقت فإن الرأي العام حول العنف القائم على النوع ضد النساء تحول بشكل طفيف فقط ويظل يلقي باللائمة (بطريق مباشر أو غير مباشر) على النساء. وعادة ما لا يتم التصدي للعنف القائم على النوع بطريقة شاملة؛ حيث يُنزع من سياقه ويُعزل عند تحليل وحل القضية.


كرشناتي دارماراج، المدير التنفيذي لمركز القيادة العالمية للنساء

ومن المهم دائمًا التأكيد على أن النساء والفتيات يظلن مستضعفات ويواجهن التمييز والعنف في المجتمعات في "أوقات السلم" وبسبب هذا فإنهن يصبحن حتمًا أكثر استضعافًا في أوقات الحرب والصراع بجانب الفئات الأخرى المهمشة والأطفال. 

وأمام مجتمع العمل الإنساني دور كبير وقوي ليضطلع به – لضمان أن تتضمن كافة الاستجابات الإنسانية مقاربة تراعي المنظور الجنساني؛ ولإشراك النساء في كل مستويات صناعة القرار وإشراكهن عند تطوير الحلول؛ ولدمج معايير العمل الإنساني والحقوقي عند التماس الحلول؛ ولضمان تخصيص الموارد الكافية للخدمات الرامية لحماية النساء وغيرهن من المجموعات المهمشة ضد الاستضعاف والعنف في أثناء أوضاع الأزمات؛ ولضمان محاسبة من ينتهكون حقوق النساء في سياق الأزمات الإنسانية.

برأيك ما الدور الذي ينبغي أن يلعبه الصحافيون في مكافحة العنف القائم على النوع؟

لدى الصحافيين دور قوي عليهم أن يضطلعوا به في التصدي للعنف القائم على النوع الموجه للنساء، لأنهم يكونون في كثير من الأحيان في وضع يسمح لهم بتحويل الرأي العام. كيف يستجوبون إحدى الناجيات، ما يقومون بتغطيته وكيف يخبرون القصة، كلها عوامل يمكن لها إما أن ترسخ التنميط ضد النساء أو تحويل المجتمع عبر تغيير النموذج.

اخبرينا عن الأداة الرقمية للإبلاغ عن العنف القائم على النوع التي يعمل مركز القيادة العالمية للمرأة على تطويرها. ما الذي ألهم هذا المشروع وما التأثير الذي تتوقعين أن يحدثه؟

لقد ركز عدد لا يحصى من المنظمات المشاركة والمؤسسات والنشطاء على المستوى الأهلي على التغييرات البنيوية والقانونية والسلوكية الحاسمة لإنهاء العنف القائم على النوع حول العالم. وقد حدد كثير منهم دور الإعلام بوصفه حاسمًا لتغيير التوجهات حول العنف ضد النساء.

وعلى نحو مشابه، فإن دارسي الصحافة والباحثين والمناصرين الإعلاميين قد أكدوا بشكل متزايد على أهمية اللغة والصوت والمفردات والاختيارات الدلالية وتأطير القضايا في سياق التغطية الإعلامية، والمسائلة الحكومية والمناصرة الاستراتيجية حول المخاوف الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان. ينبع هذا المشروع الرامي لتعزيز التغطية الصحافية للعنف القائم على النوع الموجه ضد النساء من الحاجة التي عبر عنها النشطاء المشاركون حول العالم في حملة الـ16 يوما لمركز القيادة العالمي للمرأة. وتعكس المطالبة بمثل هذه الأداة الاعتراف على الأرض بأن التغطية الصحافية تساعد في تشكيل الخطاب والتصورات المحيطين بالعنف القائم على النوع، وهو ما له بدوره تأثير حاسم على كيفية استجابة المجتمع وصانعي السياسات.  

لماذا قررتم الشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان حول هذه المشاورات؟

أولاً يكن مركز القيادة العالمية للمرأة وأنا تقديرًا عميقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان لكيفية تعامله مع إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي كهدف جوهري له، ونحن نحترم صندوق الأمم المتحدة للسكان لرؤيته ونزاهته في تعزيز حقوق النساء والفتيات. كما أن الاستراتيجية الإعلامية التي طورها مركز الاستجابة الإقليمية لسوريا في صندوق الأمم المتحدة للسكان هي مبادرة ذات فكر تقدمي  تعزز الوقاية والاعتراف والنتائج. ولقد وجدنا في ذلك تآزرًا كبيرًا في عملنا ونحن ممتنون لتمكننا من عقد شراكة.

أحد الموضوعات المحورية التي تم تناولها خلال هذه المشاورات كان حماية النساء الصحافيات. لماذا يحتل هذا الموضوع أهمية خاصة بالنسبة لكم؟

الدور الذي يضطلع به الصحافي هو دور مقدس لأنها/لأنه تجعل/يجعل قول الحقيقة في مواجهة أصحاب السلطة أمرًا ممكنًا وتوفر/يوفر المجال لغالبية المستضعفين لتكون أصواتهم مسموعة دون المساومة على كرامتهم. وللأسف فإن هذه المهنة صارت خطيرة للنساء والرجال في آن معًا. ومع هذا، فبسبب التمييز القائم على النوع الذي يخترق كل المجالات، فالنساء الصحافيات يواجهن العنف بطريقة مختلفة عن الرجال حيث يواجهن تحرشًا وعنفًا لا يتعرض له الرجال عادة، بما في ذلك الإساءة البدنية والجنسية والنفسية على أيد زملائهم وأحيانًا في المنزل. كما يواجهن التمييز القائم تمامًا على نوعهم الاجتماعي.

لدينا في هذه اللحظة الفرصة لتسليط الضوء على حماية الصحافيين – خاصة النساء الصحافيات – من خلال عملية وضع المعايير الحالية لمنظمة العمل الدولية للتصدي للتحرش والعنف ضد النساء والرجال في ساحة العمل. ويشارك مركز القيادة العالمية للنساء في هذه العملية وهو ملتزم بشدة بضمان حماية النساء الصحافيات في العالم.

ماذا كانت أهم نتائج وتوصيات هذه المشاورات برأيك؟

إن كل جولة من جولات المشاورات توسع أفق تفكيرنا والاجتماع الذي عقد في الأردن فعل نفس الشيء وأكثر. يشارك مركز القيادة العالمية للنساء في إجراء سبع مشاورات مع الصحافيين الذين يقومون بتغطية العنف القائم على النوع، وستكون خمسة منها مشاورات إقليمية. وقد كانت المشاورات التي جرت في الأردن هي ثالث اجتماعاتنا في إطار هذه العملية.  

سلطت المشاورات الضوء على كيف يمثل العنف القائم على النوع الموجه ضد النساء في فترات الصراع انعكاسًا لكيفية معاملة النساء وتصويرهن أثناء فترات "السلم"، كما شددت أكثر على إحداث تحول في النموذج هو أمر ينطوي على أهمية حاسمة. وفضلا عن هذا، فقد أظهرت هذه المشاورات أن لدى الصحافيين دور حاسم للاضطلاع به في فترات الصراع أو الحرب لتسليط الضوء على تلك القضايا، وهو ما يشدد أيضا على أهمية وجود مزيد من الصحافيات النساء اللواتي يقمن بتغطية القصص.

وبنفس القدر من الأهمية يأتي تدريب الصحافيين على كيفية مقاربة الناجيات من أجل قصصهم؛ فرغم كل شيء لا يمكن لغاية قول الحقيقية في مواجهة أصحاب النفوذ أن يهدد حياة وكرامة الناجية. أخيرا وليس آخرا، سلطت النتائج الضوء على حقيقة أن حماية النساء الصحافيات مرتبطة بشكل وثيق بتغطية العنف القائم على النوع الموجه ضد النساء.