أنت هنا

القاهرة، مصر – "يتحكم الخوف الذي بداخلكن فيكن،" تقول المدربة أماني عبد العال موجهة حديثها إلى مجموعة من النساء أثناء جلسة لتعليم فن الـ"Wen-Do" -  فن من فنون الدفاع عن النفس الموجه خصيصا للنساء - عُقدت داخل مركز شباب على أطراف القاهرة وقد زُينت جدرانه بألوان مبهجة.

 

أومأت المتدربات – وغالبيتهن من اللاجئات السوريات – بالموافقة.

كشفت إحداهن عما يجول بخاطرها، قائلة: "أحيانا أريد أن أفعل شيئا لكني لا أستطيع."

ثمة أسباب قوية لمخاوفهن. فغالبية المتدربات لدى السيدة عبد العال قد تعرضن للتحرش الجنسي، وهن لسن وحدهن. التحرش الجنسي يحدث في كل مكان على وجه الأرض – وهو يسبب من الآثار المكلفة ما لا يمكن قياسه. فهو يحط من شأن النساء ويرهبهن، ويقصيهن عن طلب التعليم والوظائف، ويجبرهن على تقدير قيمة الفرص في مقابل الخطر على سلامتهن.

طالبات الـ Wen-Do نساء وأطفال من كافة الأعمار. معظمهن تعرض للتحرش. ولأسباب تتعلق بالحياء، لم ترغب الكثيرات منهن في تصوير وجوههن. © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ربيكا زرزان

غير أن العالم تجتاحه حركة عالمية تشجع النساء على الوقوف في وجه تلك الانتهاكات. إذ يبث الملايين من الأشخاص تجاربهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمين هاشتاج  #MeToo، و #أنا_كمان، و #BalanceTonPorc و #YoTambién، وغيرها. وهن يصفن تعرضهن للمضايقات اللفظية والإشارات البذيئة والتلميحات والاعتداءات.

ويطالبن بالتغيير.

 

وهوالتغيير الذي تنادين به طالبات السيدة عبد العال أيضا.

 

تتعرض أغلبية كبيرة للتحرش في مصر

التحرش الجنسي من المشكلات الكبرى في مصر. تُظهر الدراسات أن أغلبية كبيرة من النساء تعرضن له، في كثير من الأحيان في الشارع أو المواصلات العامة. والمشكلة عميقة الجذور. ففي أحد الدراسات الاستقصائية  اعترف 64 في المائة من الرجال بارتكاب أعمال تحرش جنسي.

وتعد الجلسة التي تقدمها السيدة عبد العال جزءا من جهود أوسع لتمكين النساء المصريات والسوريات المستضعفات.

تنظم مؤسسة "إتجاه" المحلية دروس الـ"وين دو"، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبتمويل من النرويج ومكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية.

وتقام الدروس التدريبية في أماكن تعرف بـ"المساحات الآمنة"، حيث تتمكن النساء والفتيات من الحديث بحرية والتماس المساعدة، كالمشورة أو خدمات الوقاية من العنف، وهي تنقسم لجزئين، أحدهما يتضمن درسا في فنون الدفاع عن النفس، فيما يكون الثاني عبارة عن مجموعة للدعم.

الكثير من طالبات الـ  Wen-Do من اللاجئات اللاتي تعلمن صناعة النسيج، والسيراميك وغيرها من الحرف اليدوية. لكن لكي يكسبن قوتهن بهذه المهارات، لابد وأن يمتلكن الشجاعة في الشوارع والحافلات. © صندوق الأمم المتحدة للسكان/ربيكا زرزان

 

قالت السيدة عبد العال، وهي أخصائية نفسية بحكم التدريب: "نحن لا نتدرب فقط  بأساليب بدنية. 50 في المائة (من التدريب) نفسي."

خلال إحدى حصص التدريب مؤخرا، تجمعت الفتيات في دائرة  بينما يلعب أطفالهن بجوارهن، وتبادلن الحديث عن تجاربهن.

قالت إحدى السيدات إنها حظرت متحرشا على فيسبوك.

وقالت أخرى إنها تعرضت لأعمال معادية في حياتها اليومية: "بعض الناس لا نستطيع التخلص منهم، لكننا لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا – أناس سيئين."

 

الوصول إلى النساء والفتيات المستضعفات

يوفر التدريب للنساء مدخلا إلى مفاهيم حقوق الإنسان – ومن بينها الحق في أن يعيش المرء حياة خالية من العنف والانتهاك.

وقد تكون مثل هذه الأفكار جديدة على أولئك المتدربات.

تُبين الدراسات أن 90 في المائة من الرجال المصريين و70 في المائة من النساء المصريات يعتقدون بأن على النساء التساهل مع العنف للحفاظ على شمل أسرهن.

تتعلم المتدربات كيف تضربن مهاجما. تشمل الدروس الأخرى المشي بثقة في شارع مزدحم والصياح في وجه المتحرشين لإسكاتهم. قالت السيدة عبد العال: "لا تخافي أو تترددي. هذا حقك."

© صندوق الأمم المتحدة للسكان/ربيكا زرزان

 

ولعل اللاجئات السوريات يواجهن خطرا أكبر حتى من ذلك.

تعتبر غالبية الأسر اللاجئة في مصر "في وضع ضعيف للغاية من الناحية الاقتصادية". يقدم صندوق الامم المتحدة للسكان ووزارة الشباب والرياضة دروسا في الخياطة والطهي والزخرفة للنساء اللاجئات، وقريبا سيقدمان دورات تدريبية في ريادة الأعمال لتمكينهن اقتصاديا واجتماعيا.

ولكن للاستفادة من هذه البرامج، يجب أن يكن قادرات على مواجهة الشوارع ووسائل المواصلات بشجاعة.

 

"إته حقك"

طلبت السيدة عبد العال من متدرباتها أن تقفن. فقد حان وقت التطبيق العملي.

ولكن قبل أن يبدأن باللكم، أردات منهن ممارسة الصراخ في وجه المهاجم. سألتهن: "ماذا ستقلن؟"

صاحت إحداهن: "تأدب!"

فيما صاحت أخرى: "أنت وقح!"

بينما صاحت ثالثة: "أنت حيوان!" وسط تهليل من النساء.

لا تجعلي التحرش يشعرك بالخزي، هكذا أخبرتهن المدربة. "صوتك هو سلاحك. لا تخافي أو تترددي. فهذا حقك."

وقد أوضحت السيدة عبد العال في وقت لاحق أن الدروس كان لها أثر إيجابي على طالباتها. " لقد أصبحن أكثر معرفة بحدودهن. وهن ينقلن هذا إلى وظائفهن." 

كان لطالباتها طريقة أخرى لوصف أثر الدروس عليهن.

قالت إحدى النساء المتدربات، مبتسمة: "لدى شعور بالثقة في النفس."

وقالت أخرى: "شعرت كأنني ملكة العالم."

-         ربيكا زرزان