أنت هنا

القاهرة، 11 يوليو/تموز 2018 - أعلن العالم قبل خمسين عامًا أن "حرية الأبوين في تقرير عدد أبنائهما والفترات الفاصلة بينهم بروح المسؤولية هو حق من حقوق الإنسان الأساسية لهما"، في مؤتمر الأمم المتحدة الدولي المعني بحقوق الإنسان في طهران، في 13 مايو/أيار 1968.

 

تغير الكثير منذ ذلك اليوم في مجالي الصحة والحقوق عموما، خصوصا وأن عام 1968 كان مفصليا في النضال النسوي في العالم، إذ انطلقت فيه مظاهرات في باريس دعت إلى تحرر النساء مم يقيد قدرتهن ويبطئ أو يمنع عنهن تحقيق ما لديهن من إمكانيات، سواء بسبب إجحاف القوانين المحلية والدولية بحقهن، أو بسبب عادات مجتمعية وثقافية ترى في النساء دورا هامشيا يضعهن خلف الرجل وليس إلى جانبه في المجالين الخاص والعام.

 

على صعيد الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، بات من المؤكد علميا أن المباعدة بين حالات الحمل والإنجاب يقي المرأة من مضاعفات قد تنتج عن الحمل المتكرر والمتقارب. لذا فإن الحصول على المعلومات الدقيقة، ووسيلة  الآمنة والفعالة والمتاحة سوف تجنب الكثير من النساء ممن هن في سن الإنجاب المضاعفات التي قد تؤثر على صحتهن.

 

يتألف نصف إجمالي سكان المنطقة العربية من النساء والفتيات، أي هناك ما يقرب من 200 مليون منهن،  نصفهن في سن الإنجاب، تتراوح أعمارهن بين 15-49 عاما، أي أن بإمكانهن أن يصبحن حوامل ويسهمن في 3.5 طفل الذين يولدون في المتوسط للنساء في المنطقة العربية.  ويعتبر معدل الخصوبة هذا أعلى من معدل الخصوبة العالمي، هو 2.5 طفل لكل امرأة (في 2015).

 

يستعمل عدد متزايد من النساء موانع الحمل، مع توسع خدمات تنظيم الأسرة في المنطقة العربية. ومع هذا، فلم تتم تلبية كل الاحتياجات. ويعاني عدد كبير من النساء من "احتياجات غير ملباة" لتنظيم الأسرة – بمعنى أنهن يفضلن تجنب الحمل لمدة سنتين على الأقل لكنهن لا يستعملن أية وسيلة لتنظيم الأسرة، وهؤلاء يشكلن 40 في المائة من النساء المتزوجات في عدد من البلدان العربية. من الجدير بالذكر أن الكثير ممن يحتجن إلى وسائل تنظيم الأسرة قد يلجأن إلى أساليب تعد تقليدية وغير علمية يتم توارثها عبر الأجيال، خصوصا عن طريق كبار إناث العائلة من الجدات إلى العمات أو الأمهات، كأن يمتنعن عن أزواجهن في أيام محددة أو يكن مقتنعات أن الحمل غير وارد خلال فترة إرضاعهن لأطفالهن الآخرين. في كل تلك الحالات، وفي غياب اعتمادهن على وسائل لتنظيم الأسرة مثبة طبيا، تواجه أولئك النساء خطر الحمل غير المقصود، الذي يهدد صحة النساء وأسرهن كما يضع عبئا على المجتمع ككل.

 

ويعد صندوق الأمم المتحدة للسكان ملتزمًا تمام الالتزام بالاستمرار في دعم جهود الدول الرامية إلى كفالة حق الأفراد – لا سيما النساء – في تنظيم الأسرة. ونحن نسعى إلى وضع حدّ لكل احتياج غير مُلبى لتنظيم الأسرة طوعًا في الدول النامية بحلول عام 2030. لكن لا يمكننا عمل هذا وحدنا. فالحكومات والبرلمانات والقطاع الخاص والمجتمع المدني عليهم جميعًا الانضمام إلى الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، إذ يجب أن تكفل المنظومة الطبية والقانونية الوطنية حق حصول النساء على المعلومات والوسائل بشكل سهل ومتوفر. ثم على المجتمع أن يقتنع من خلال حملات رفع الوعي بضرورة اللجوء إلى وسائل طبية تحافظ على صحة المرأة والأسرة عموما. أخيرا يجب على الجميع تقبل ما تم إعلانه قبل خمسين عاما في طهران، وهو حق الأبوين في تقرير عدد أطفالهم والفترات الفاصلة بينهم.

ما زالت هناك نحو 214 مليون امرأة في المناطق النامية في العالم يفتقرن لوسائل تنظيم الأسرة الآمنة والفعالة، لأسباب تتراوح من نقص المعلومات أو الخدمات إلى عدم دعم الشركاء أو المجتمعات لهن. وما زال في العالم العربي نساء يمتن أثناء الحمل والولادة. ويعد تنظيم الأسرة من أهم عوامل إزالة خطر وفيات الأمهات لانه يمنح للمرأة فرصة استعادة عافيتها قبل الخوض في حمل جديد يتطلب جهدا بدنيا وعقلية ونفسيا. كما يمنح المرأة فرصة أن تقرر إن كانت حقا ترغب ولديها القدرة على الاعتناء بطفل إضافي دون أن يشكل ذلك عبئا كبيرا عليها ماديا وعمليا.

 

وباعتباره وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تعزيز الصحة والحقوق الإنجابية، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان في 20 بلدا عربيا للاستجابة لاحتياجات الصحة الإنجابية للسكان، بما في ذلك في أوضاع النزاعات أو الطوارئ الإنسانية. وكمنظمة تستند إلى حقوق الإنسان، يؤمن صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن لكل فرد الحق في اتخاذ خياراته الخاصة بشأن صحته الجنسية والإنجابية، وأن لكل أسرة حق تقرير عدد أطفالها بحرية ودون ضغوط جلها دينية وثقافية واجتماعية يمارسها المجتمع على النساء بشكل خاص، بحيث يشعرن بأنهن لسن كفؤات إن لم ينجبن عددا كبيرا من الأطفال بغض النظر عن رغبتهن أو عن إمكانيتهن.  يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الحكومات فيدعمها من أجل توفير الخدمات والمعلومات لأصحاب الحق. ويعمل مع المجتمع المدني في مناصرة النساء والأسر ودعم خياراهم المبني على المعرفة. فقد أثبتت الدراسات الاقتصادية المعنية بتنمية المجتمع أن الدول التي يطغى فيها النمو السكاني على النمو الاقتصادي هي دول محكوم عليها بالفقر.