أنت هنا

بيان منسوب لمدير صندوق الأمم المتحدة للمنطقة العربية، الدكتور لؤي شبانه

تعد المنطقة العربية، وهي موطن لـ 346 مليون شخص، منطقة شابة عموما، حيث أن 28 في المائة من سكانها يتألفون من الشابات والشباب دون الـ30 عاما. كما يتألف نصف إجمالي سكانها من النساء والفتيات، 90 مليون منهن في سن الإنجاب، أي أن بإمكانهن أن يصبحن حوامل ويسهمن في ولادة الـ 3.3 طفل وهي نسبة الأطفال الذين يولدون في المتوسط للنساء في المنطقة العربية.  ويعتبر معدل الخصوبة هذا مرتفعا بالمقارنة مع معدل الخصوبة العالمي الذي انخفض إلى أقل من 2.5 طفل لكل امرأة بحلول 2015. كما يشكل عبئا اجتماعيا واقتصاديا حقيقيا في منطقة لا تزال وفيات ما بعد الولادة فيها مرتفعة، إذ تصل إلى 156 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية (في 2015)، وأيضا في منطقة تشهد العديد من حالات الطوارئ الإنسانية الحادة وتعاني فيها العديد من البلدان من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني. أضف إلى ذلك حقيقة أن المنطقة العربية هي ممر رئيسي للهجرة إلى أوروبا، حيث يسلك الآلاف من الأشخاص الطرق المحفوفة بالمخاطر التي قد تكلفهم أرواحهم، بحثا عما يبدو لهم كفرص للنجاة وتحقيق الذات.

 

وفي 2017، يفخر صندوق الأمم المتحدة للسكان بمشاركته في جهود أدت إلى تبني قانون شامل ضد كافة أشكال العنف ضد النساء في تونس. وفي مصر، أسهم صندوق الأمم المتحدة للسكان في ضمان تجريم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) في قانون العقوبات المصري. وفي لبنان، عملنا عن قرب مع منظمات المجتمع المدني على إلغاء "قانون تزوجي مغتصبك" الشهير، وذلك بعد وقت قصير من إلغاء نفس القانون في الأردن.  إن كل هذه التغييرات في السياسات تمثل نجاحات لحقوق الإنسان بوجه عام ولحقوق المرأة بشكل خاص. وهي كذلك بمثابة اللبنات الأولى لمجتمعات أكثر مساواة وخطوة في اتجاه تقليل التمييز ضد النساء.

 

غير أن تحسين القوانين لا يعني دائما تحسين الممارسات، لاسيما حين تكون الممارسات ضارة وجذورها عميقة في المجتمعات. ولن يكون تجريم الختان فعالا إلا إذا أعلن قادة المجتمعات أنفسهم أنه لم يعد ممكنا التسامح مع مثل هذه الجريمة وأن أي شخص يستمر في هذه الممارسة سينبذه المجمتع وسيُبلغ عنه لدى السلطات. ونحن نقدر حقيقة أنه حتى نهاية 2017، أعلن 172 مجتمعا تخليهم عن هذه الممارسة الضارة في خمس بلدان عربية التي ينتشر فيها ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (مصر، السودان، الصومال، اليمن وجيبوتي.)

 

ومع اقتراب العام من نهايته، لا يسع صندوق الأمم المتحدة للسكان إلا أن يُكرر التأكيد على أن جوهر أي سياسة سكانية سليمة يكمن في المفهوم الأساسي للمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. وبوصفه وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن تعزيز الصحة والحقوق الإنجابية، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان في 20 بلدا عربيا للاستجابة لاحتياجات الصحة الإنجابية للسكان، بما في ذلك في أوضاع النزاعات أو الطوارئ الإنسانية. ففي اليمن على سبيل المثال، حيث تعاني 1.1 مليون امرأة حامل من سوء التغذية وتواجه 2.6 مليون امرأة وفتاة خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، أثرت صعوبة الوصول على قدرتنا على الاستجابة لتلك الاحتياجات الضخمة. ومع هذا، فلقد تمكنًا من إيصال خدمات الصحة الإنجابية إلى 438,000 شخص، على رغم تخطيطنا سابقا للوصول إلى مليون شخص. أما في العراق، فكان صندوق الأمم المتحدة للسكان أول منظمة توفر خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة للنساء والفتيات اللائي نزحن إلى مخيمات في مناطق جديدة في الموصل جراء القتال. وفيما يتعلق بالأزمة السورية، نواصل العمل داخل البلد وفي الدول المجاورة مع النساء والشباب والشابات لإنقاذ الأرواح بالإضافة إلى تزويد الشباب بالمعلومات والفرص لينشأوا أصحاء وليتم تمكينهم.

 

أما الآن فنحن سنركز جهودنا على تلبية احتياجات النساء اللائي يرغبن في تحديد عدد مرات حملهن والمباعدة بينها ليتسنى لهن الحصول على تنظيم الأسرة. كما سندعم مقدمي الرعاية الصحية والمؤسسات الطبية لتتمكن النساء الحوامل من الحصول على الخدمات الطبية الكافية أثناء حملهن وأثناء الولادة. من شأن هذا أن يقلل كثيرا من وفيات ما بعد الولادة، التي لا ينبغي لها أن تستمر في القرن الحادي والعشرين.

 

 إن المرأة التي تتمكن من تخطيط خصوبتها تتمتع بمزيد من الخيارات على المستوى المهني، وتكون قادرة على اختيار أفضل ما يلائم وضعها. فحيثما تشارك النساء في القوة العاملة بمعدلات عالية، تؤدي الاتجاهات الناشئة عن ذلك إلى خصوبة أقل؛ بينما في البلدان ذات معدلات الخصوبة المرتفعة، تبقى قدرة النساء في الحصول على تعليم أفضل وفي الانضمام  للقوى العاملة متدنية.

 

وبوصفة منظمة تستند إلى حقوق الإنسان، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان مع الحكومات والمجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة الزميلة لضمان حصول الأشخاص، بما في ذلك المراهقين وكبار السن، على الصحة الجنسية والإنجابية والحقوق الإنجابية. يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بإجراء أبحاث ميدانية تمكنه من تقديم توصيات ذات مصداقية حول كيفية تعزيز المساواة بين الجنسين وتغيير التقاليد السائدة. كما يناصر حقوق الشابات والشباب للحصول على المعلومات والمهارات والفرص التي ستمكنهم من تحقيق إمكاناتهم.

****