أنت هنا

دهوك، العراق – عندما قضى العنف على منزلها في حلب، قُتل والد ووالدة وشقيق غالية. ففرت غالية التي تبلغ الآن 33 عامًا من عمرها إلى الحسكة شمال شرق سوريا، لتقيم مع أسرة خالها. وفي خضمّ فوضى الحرب والنزوح، وجدت مصدرًا غير متوقع للأمل: فقد وقعت في الحب.  

بعد مرور أشهر من حياتها الجديدة في الحسكة، قابلت رجلًا عراقيًا ووقعت في غرامه. قاما بالزواج عرفيًا وسرعان ما أصبحت حاملا.

كانت غالية قد تمكنت من ادخار بعض النقود من عملها في مخبز، وهي الأموال التي أرادت أن تنفقها على أسرتها الجديدة. لكن بعد مرور سبعة أشهر من الزواج، تخلى زوجها عنها وسرق كل شيء، ولم يترك حتى التذكارات التي ورثتها عن أمها الراحلة وكانت تقدّرها كثيرًا.

قالت غالية: "فقدت كل شيء. لم يأخذ زوجي متعلقاتي المادية فحسب، ولكنه أخذ ايضًا ما كان لدي من إحساس ضئيل بالاستقرار والأمان والسعادة."

لكن لم يقتصر الأمر على هذا فقط. فقد قالت غالية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "كنت حاملا عندما هجرني. إلا أن ما فعله أثر على صحتي ففقدت الجنين، ومن هنا تدهور كل شيء."

 

اليوم العالمي للاجئين

اليوم هو اليوم العالمي للاجئين، وهو المناسبة التي نعلن فيها تضامننا معهم، ونبدي التقدير لما يواجهون من مصاعب ونثمّن قوتهم.

واليوم، هناك ما يقدر بـ 68.5 مليون شخص نزحوا قسرًا من ديارهم. مما يعني نزوح 31 شخصًا جديدا كل دقيقة، بحسب تقرير جديد صدر عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين. كما ان نحو 25.4 مليون من هؤلاء النازحين هم لاجئين، أي اشخاص أجبروا على عبور الحدود الدولية بحثًا عن الأمان.

وكما يظهر من قصة غالية، فالنازحون مستضعفون إلى حد مذهل.

فمع انتزاعهم من حياتهم ومجتمعاتهم، هم أيضا معرضون ليس فقط لتهديدات النزاع أو الاضطهاد، بل أيضًا لمخاطر الفقر والاستغلال وسوء المعاملة. وبينما يلتمسون مكانا آمنا، قد يتعرضوا للإبعاد أو للاحتجاز أو لما هو أسوأ.

 

الانهيار

عندما أخذ زوج غالية كل شيء لم يكن بوسعها فعل أي شيء فقد قالت: "لم يكن بوسعي اللجوء إلى المحكمة لأسترد حقوقي، إذ لم يكن معي مستند قانوني يؤكد صحة قصتي."

كما إزداد الأمر سوءا عندما تم انتزاعها مرة أخرى من مكانها حيث اندلعت أعمال القتال في الحسكة، مما اضطرها إلى الفرار مع أسرة خالها إلى مخيم دوميز 2 في محافظة دهوك بالعراق.

وبعد أن خسرت زوجها وحملها وبيتها الجديد، عانت غالية من انهيار عصبي لذا حاولت الانتحار أكثر من مرة.

عرفت زوجة خال غالية بوجود مركز للمرأة في المخيم، وهو مساحة آمنة يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان للنساء والفتيات المحتاجات إلى المشورة والدعم النفسي-الاجتماعي هو يقدم ورش عمل لتعليم مهارات الحياة وأنشطة ترفيهية ويتيح جلسات معلوماتية حول قضايا منها الصحة وحقوق الإنسان.

سعت الأخصائيات الاجتماعيات في مركز المرأة لمساعدة غالية واستمعن إلى قصتها.

قالت غالية موضحة: "أستغرقني الأمر بعض الوقت حتى أثق في الأخصائيات الاجتماعيات. فقد حضرت الاجتماع الأول فقط بسبب ضغط زوجة خالي عليّ كي أحضره."

لكن مع مرور الوقت، بدأت خدمة المشورة تساعدها.

حيث قالت: "بعد عدة جلسات شعرت بتعاطف ودعم الأخصائيات الاجتماعيات لي. بدأن في منحي النصح حول كيفية التصرف والتفكير عندما أشعر بأنني أتجه إلى نقطة مظلمة في ذهني. أخبرنني بأنني لست الوحيدة التي يراودها هذا الشعور، وإن لم أصدقهن في البداية."

 

بناء حياة جديدة معا

بدأت غالية استكشاف الفرص المتوفرة في مركز المرأة، بما في ذلك جلسات المعلومات والتدريب. وهناك، قابلت غالية نساء أخريات نجون من محنهن.

قالت: "بدأ ينمو داخلي إحساس بالانتماء، فكفّ شعوري بالوحدة وبدأت أستمتع بصحبة الفتيات، لاسيما عندما انفتحنا لبعض واكتشفت أنهن بدورهنّ لديهن تجارب مشابهة لتجاربي."

تعمل غالية حاليًا كمتطوعة في المركز، إذ تساعد النساء الأخريات على تجاوز ما تعرضن له من صدمات ومصاعب.

قالت: "أصبح بإمكاني أن أروي ما تعرضت له، وأن أتحدث عن إحساسي بالاكتئاب مع من يمررن بفترات صعبة، وأحدثهن عن الدروس التي استفدتها من هذه التجربة، أملًا في منحهن شيئًا من الإحساس بالراحة والطمأنينة."

هناك أكثر من 10 آلاف شخص يعيشون في مخيم دوميز 2، بينهم نحو 8,700 من اللاجئين من سوريا. ولتلبية احتياجاتهم، يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان مركز المرأة ووحدة الأمومة وعيادة الصحة الإنجابية ومركز الشباب.