أنت هنا

الأمم المتحدة، نيويورك/خانكي ودهوك، العراق – "باعوني أكثر من مرة،" تقول رسالة* لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهي امرأة من الأقلية الإيزيدية اختطفت من قبل تنظيم داعش  ثم بيعت كما لو كانت سلعة وتعرضت لإساءات قاسية. على الرغم من أنها تمكنت من الفرار في نهاية المطاف، إلا أن أن شبح التجربة ظل ملازما لها. قالت رسالة : "حاولت الانتحار أكثر من مرة."

يتفشى وباء العنف ضد النساء والفتيات في أنحاء العالم، حيث تتعرض واحدة من بين كل ثلاث نساء إلى العنف البدني أو الجنسي في حياتها. وفي إقليم شرق المتوسط، تعد معدلات العنف ضد النساء من بين الأعلى في العالم. إذ وجد تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر في 2013 أن 37 في المائة من النساء في هذا الإقليم تعرضن للعنف.

واليوم من الممكن أن تكون هذه الأرقام أعلى من ذلك.  تواجه المنطقة – التي تضم بلدانا كالعراق، والصومال، وسوريا –بعضا من أخطر حالات الطوارئ الإنسانية في العالم، مما يؤدي إلى زيادة وضع النساء ضعفا.

ولقد وضعت جلسة نقاش عُقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك هذه القضية في بؤرة الإهتمام. إذ استعرض النقاش الذي نظمه صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة وجامعة الدول العربية، دور أخصائيي الرعاية الصحية في الوصول إلى الناجيات من العنف وعلاجهن ومساعدتهن – إن أمكن - في الوصول إلى العدالة.

يجعل الصراع النساء والفتيات أكثر عرضة للانتهاكات كزواج الأطفال. في لبنان، كانت اللاجئة السورية رنيم أبراس شاهدة على تضرر صديقاتها من زواج الأطفال، وهي ممارَسَة تعمل على وضع نهاية لها. © صندوق الأمم المتحدة للسكان لبنان/سيما دياب

تعمق عدم المساواة بين الجنسين

يجعل ترسخ عدم المساواة بين الجنسين النساء أكثر عرضة للإساءة، بحسب ملاحظات المتحدثين في الجلسة.

قالت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة نتاليا كانيم إن "التوجهات التمييزية والممارسات الضارة تظل تمثل تحديا." وأشارت أن "النساء في المنطقة مازلن يواجهن مشكلات خطيرة عندما يتعلق الأمر بالحصول على الرعاية الصحية والمعلومات والتعليم والدخل."

كما يزيد الصراع من تعرض النساء للعنف، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر. كذلك يمكن أن يستخدم العنف الجنسي كسلاح، كما هو الحال في قصة رسالة. لكن الصراع قد يدفع الأسر أيضا باتجاه آليات تكيف ضارة كزواج الأطفال. فعلى سبيل المثال، توصلت دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمات شريكة في 2017 إلى حدوث زيادة مقلقة في زواج الأطفال بين عدد من مجتمعات اللاجئين السوريين.

ومع هذا فكثيرا ما تجهل النساء والفتيات حقوقهن. بل ربما اعتقدن أن الإساءة يمكن تبريرها، كما يقول محمد الناصري، المدير الإقليمي للدول العربية في هيئة الأمم المتحدة للمرأة. ويضيف الناصري: "جاءت إحدى السيدات وقالت: أسمح لزوجي بأن يكون عنيفا ضدي لأنه لا يعمل. فأين سينفث شعوره بالإحباط؟"

دور أخصائيي الرعاية الصحية 

وأشارت الدكتورة كانيم إلى أن أخصائيي الرعاية الصحية يلعبون دورا حاسما في التصدي لهذا العنف حيث أوضحت: "غالبا ما نكون – نحن العاملين في مجال الصحة – أول نقطة اتصال بالنسبة للناجيات."

الدكتورة مها العدوي، المديرة بمنظمة الصحة العالمية، والدكتورة نتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومحمد نصيري، المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (جميعهم في المنتصف) يتحدثون إلى قاعة حاشدة حول دور أخصائيي الرعاية الصحية في تلبية احتياجات الناجيات من العنف. © هيئة الأمم المتحدة للمرأة/سوسان ماركيز

 

وتمضي الدكتورة كانيم إلى قولها إن هؤلاء العاملين الصحيين يمكن تدريبهم "ليس فقط للتعامل مع الشكاوى العاجلة وإنما أيضا للاستجابه إلى مساعي الحصول على العدالة، التي غالبا ما تكون جزءا من التعافي."

ولهذا لابد وأن يكونوا على وعي بحقوق المرأة، وأن يكونوا على معرفة بكيفية توصيل الناجيات بخدمات المشورة والخدمات القانونية.

كذلك فإن العاملين في مجال الصحة ليسوا مجرد أطباء وممرضين، وهو ما أكدت عليه الدكتورة مها العدوي، المديرة بمنظمة الصحة العالمية. فالعاملون في مجال الصحة المجتمعية والقابلات هم أيضا يعدون من ضمن العاملين في المجال الصحي – وهم في الأغلب أفراد يتمتعون بثقة مجتمعاتهم.  قالت الدكتورة العدوي: "بإمكانهم القيام بالكثير من جهود التوعية وتمكين المرأة ومساعدة النساء على اتخاذ قرارات مستنيرة، وإعطائهن خيارات حول أجسامهن وصحتهن."

الثقة والتعافي

إن اكتساب ثقة الناجيات أمر لا غنى عنه، وهي حقيقة تعيها نغم نوزات جيدا. حيث بدأت طبيبة النساء العراقية عيادة لخدمة الناجيات من العنف والإساءة، بما في ذلك النساء والفتيات الإيزيديات.

تعرضت الدكتورة نوزات نفسها للنزوح بسبب تنظيم داعش. وتقول إن الدافع وراء تحركها "لم يكن فقط لأنه واجبي كطبيبة، وإنما لأنني كنت بنفسي شاهدة على ما تتعرض له الناجيات، عندما نزحت من بلدتي عقب استيلاء داعش على سنجار."

وقد تلقت عيادتها الدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان حيث توفر العلاج الطبي والخدمات القانونية والمشورة وغير ذلك من صور الدعم. وهذا الدمج بين الخدمات يساعد الناجيات على الحصول على الرعاية الكاملة التي يحتجنها.

الدكتورة نغم نوزات في مركز المرأة في دهوك في شمالي العراق. يتخصص المركز في علاج الناجيات من العنف القائم على النوع. © صندوق الأمم المتحدة للسكان العراق/تورشينكوفا

يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الصحة العالمية حاليا على مساعدة الحكومات في المنطقة على توفير هذا الطيف الكامل من الرعاية من خلال حزمة الخدمات الأساسية، وهي أداة تساعد الوزارات والمنظمات على تحديد الخدمات التي ينبغي على أنظمة الصحة والخدمة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية توفيرها للناجيات من العنف.

من شأن هذه الخدمات أن تُحدث فرقا.

فعلى سبيل المثال، ساعدت خدمات المشورة رسالة، بحسب مقابلة أجرتها في 2016 في مركز المرأة الذي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان. قالت آنذاك: "إن المشاركة بتجربتي مع الأخصائيين الاجتماعيين هنا، وطريقة استجابتهم ودعمهم إياي تساعدني على أن أبقى قوية."